أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

حكومة السوداني تستعين بشركة يديرها ضابط شرطة بريطاني لحصر سرقة القرن بالكاظمي وعلاوي

يكشف مسعى رئيس هيئة النزاهة عن طبيعة الفساد الكامن في بنية القضاء العراقي، عندما يحاول أبعاد جريمة سرقة القرن عن سبعة فصائل مشاركة في حكومة الإطار التنسيقي والبحث عن كبش فداء من اللصوص الصغار، بذريعة أنهم خارج العراق.

بغداد- الرافدين
كشف موقع (intelligence online) المهتم بشؤون المخابرات في العالم أن السلطات العراقية عبر هيئة النزاهة وقعت عقدًا مع شركة كيكار الاستشارية، التي يديرها ضابط الشرطة البريطاني السابق جيمس ستوثارد، لاستعادة أموال سرقة القرن وتبرئة مرتكبها نور زهير وحصرها برئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ووزير المالية في حكومته علي علاوي المقيمان في بريطانيا.
ولم يكشف عن قيمة العقد مع شركة كيكار البريطانية وعما إذا كانت الأجور التي ستتلقاها نسبة من الأموال المستعادة أم مجرد مبلغ مقطع جراء عملها.
وتسعى حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على حصر سرقة القرن بحكومة الكاظمي واستبعاد أحزاب وميليشيات متورطة فيها سهلت مهمة نور زهير في الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة العامة.
وسبق أن أفرجت حكومة السوداني عن نور زهير أحد المتورطين بالقضية بالتعاون مع ميليشيا بدر التي يرأسها هادي العامري.
وجاء الإفراج بكفالة مقابل إعادة بقية الأموال المسروقة في غضون أسبوعين، لكنه اختفى بعد ذلك.
وكان نور زهير يزور مكتب مصلحة الضرائب عدة مرات في الأسبوع. وكان يوقف سيارته خارج الباب الأمامي مباشرة، وهو امتياز يقتصر عادة على رئيس مصلحة الضرائب وحده، وكان يسير وهو يأرجح بين يديه مسبحة من الذهب تاركًا وراءه حارسين شخصيين في الاستقبال.
وتطلّب إصدار شيكات بمبالغ كبيرة من مصلحة الضرائب تواقيع 12 مسؤولاً مختلفًا على الأقل. وتستغرق هذه العملية غالبًا أسابيع، لكن نور زهير حصل عليها في فترة زمنية قصيرة. وحسب موظفّين من العاملين هناك، كان زهير يقوم بنفسه بتملق ورشوة وتهديد الموظفين في مصلحة الضرائب لتسريع وتيرة العمليات البطيئة.
من هنا بدأت السرقة على أتمّها. عندما وصل طلب الحصول على شيك الخصم، كان الرجال الذين تقاضوا أموالا من زهير يحضرون الأوراق إلى الطابق الخامس في مجلدات مغلفة بالجلد حتى يوقّعها رئيس مصلحة الضرائب. وكان في الطابق الأرضي فرع لمصرف الرافدين حيث يقوم الصرافون بإصدار الشيكات. وقد صُرفت معظم هذه الأموال على الفور في فرع أكبر على بعد بضعة كيلومترات.
وقال مسؤول في أحد المصارف الحكومية إن بنك الرافدين يعالج عادة حوالي ملياريْ دينار عراقي في اليوم. وفي يوم واحد خلال السرقة، ارتفع هذا الرقم إلى 40 مليار دينار عراقي. وحسب محاسب يعمل بانتظام مع مصلحة الضرائب، “تم إصدار شيكات بعشرات الملايين في غضون 24 ساعة، مع توفير الأموال نقدًا في اليوم التالي”.
وتستهدف مذكرات التوقيف التي سبق أن أعلن عنها حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة، مدير مكتب رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي ورئيس جهاز المخابرات السابق رائد جوحي، والسكرتير الخاص للكاظمي، أحمد نجاتي، ووزير المال السابق علي علاوي، ومستشار الإعلام السابق للكاظمي مشرق عباس.
ويكشف مسعى رئيس هيئة النزاهة عن طبيعة الفساد الكامن في بنية القضاء العراقي، عندما يحاول أبعاد جريمة سرقة القرن عن سبعة فصائل مشاركة في حكومة الإطار التنسيقي والبحث عن كبش فداء من اللصوص الصغار، بذريعة أنهم خارج العراق.
ونفى الكاظمي ووزير المالية السابق علي علاوي ضلوعهما في الفساد الذي تردد أنه افتُضح بعد تولي حكومة جديدة رئاسة محمد شياع السوداني السلطة.
ويقيم الكاظمي في بريطانيا ولم يزر العراق بعد انتهاء ولاية رئاسته.
وذكرت مصادر مقربة من الكاظمي على أنه على علم بما يعد له رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي وبدعم من قادة ميليشيات في الإطار التنسيقي، ووصلته رسائل واضحة بشأن تحميله قضية الفساد الكبرى التي تم فيها سرقة أكثر من ملياري دولار من أموال الضريبة العامة. ثم مشروع “داري” السكني.
واستقال علاوي من المنصب في آب 2022 متذرعًا بالتدخل السياسي في العمل الحكومي وبالكسب غير المشروع. وقال بعد ذلك إنه اتخذ خطوات لمنع حدوث سرقة في الهيئة العامة للضرائب لكن المسؤولين الآخرين تجاهلوا قراراته.
وأصر أعضاء من معسكر الكاظمي على أن نور زهير كان عميلًا لداعمي السوداني وهم زعماء الميليشيات الولائية المرتبطة بإيران.
واقترح الكاظمي أن يلتقي مع مراسل مجلة “إيكونوميست” في فندق “ذا غروف” وهو فندق خمس نجوم مع ملعب غولف فخم خارج لندن. وكان الكاظمي قد انتقل إلى بريطانيا حفاظًا على سلامته في تشرين الثاني 2022، ووصل إلى اجتماعنا في سيارة ليموزين سوداء. كان الكاظمي هادئًا وعلى الرغم من أنه يتحدث الإنجليزية؛ فإنه فضل إجراء المقابلة باللغة العربية، وكان يتمتم كما لو كان في محاولة متعمدة لتجنب قول أي شيء يمكن الاستشهاد به.
ومقابل سؤال ألم يمهد رجاله الأمنيون طريق نور زهير عبر المطار؟ تهرب الكاظمي من السؤال، وأجاب “علينا أولاً أن ننظر إلى مسؤولي البنوك”.

لص حر يعيش في قصره ببغداد

وتضارب تبريره لعدم كشف السرقة خلال مجريات المحادثة. ففي البداية؛ قال إنه خطأ موظفيه، ثم تم تشتيت انتباهه بسبب كوفيد -19 وارتفاع أسعار النفط الذي أعقب ذلك، وموقف إدارة ترامب الذي اتسم بالتصعيد ضد إيران، وأصر على أنه لم يكن هذا القدر من المال، مقارنة بمئات المليارات المنهوبة بسبب الفساد منذ سنة 2003. لم يكن صحيحًا بالتأكيد أن معظم الأموال قد اختفت عبر المطار، والعبارة التي استمر في استخدامها هي “لا؛ 100 بالمائة”.
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد كشفت أن سرقة القرن التي استولت على 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق أدارتها ميليشيا بدر التي يرأسها هادي العامري القيادي في الإطار التنسيقي الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني.
ويأتي تقرير الغارديان بعد تقرير مماثل لصحيفة فايننشيال تايمز أكدت فيه أن السوداني عاجز عن محاسبة لصوص الدولة المتورطين في سرقة القرن لأنهم جميعًا من المحيطين به من أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي.
وكشف التحقيق التلفزيوني المصور لمجلة “إيكونوميست” البريطانية عن ضلوع سبعة فصائل مرتبطة بالأحزاب والميليشيات الحاكمة في العراق في سرقة القرن التي تم فيها نهب 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق.
وذكرت المجلة في التحقيق المصور الذي أجراه مراسلها في الشرق الأوسط نيكولاس بيلهام، أن لصوص الدولة يتقاتلون في ما بينهم في العلن، لكنهم يعملون معا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والطائفية.
وقال الباحث السياسي في “ذي سنتشري فاونديشن” سجاد جياد أن سبعة فصائل من مختلف الأطياف قد حصدت مكاسب من سرقة القرن: المدعومون من إيران، والمدعومون من الولايات المتحدة، وأنصار الوضع الراهن، وكل الفصائل تستفيد من مخططات الفساد.
وأضاف “هؤلاء المعارضون يقاتلون بعضهم البعض في العلن لكنهم يعملون سويًا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والأيديولوجية”.
ويقدر مسؤولون أن حجم الأموال التي اختفت من الخزانة العامة منذ سنة 2003 تتجاوز 300 مليار دولار.
ويصنف العراق من البلدان الغنية في العالم، حيث يعد أحد أكبر منتجي النفط في العالم بتحقيق أرباح من الصادرات في السنة الماضية تجاوزت 115 مليار دولار. ومع ذلك، لا يصل سوى القليل من هذه الأرباح إلى الناس العاديين.
ووفقا لمسؤولين عراقيين، تدور سرقة القرن حول عمليات سحب نقدي غير مشروعة من الهيئة العامة للضرائب في البلاد في عامي 2021 و2022 بلغ مجموعها حوالي 2.5 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم حتى في البلد الذي يصنف دائما من بين أكثر الدول فسادا في العالم.
ويتساءل الكثيرون في العراق عن سبب السماح لنور زهير بحرية الحركة على الرغم من مزاعم المسؤولين بأنه لعب دورا رئيسيا في السرقة.
وبعد فترة وجيزة من اعتقال نور زهير نقل من سجن المطار إلى مركز احتجاز “كبار الشخصيات” والمزود بحوض سباحة.
وتمت بعدها الإطاحة بمصطفى الكاظمي من منصب رئيس الوزراء، وعين المعسكر الموالي لإيران رجلهم محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة. وعلنًا؛ تبنى السوداني التحقيق بسرقة القرن ووعد بأنه لن يسلم أحد من طائلة القانون. بعد شهر من ولايته؛ عقد مؤتمرًا صحفيًّا وأمامه مبلغين عملاقين من الدنانير، وأعلن “منتصرًا في مشهد مسرحي” أنه استعاد 125 مليون دولار من زهير، وهو جزء صغير من المليارات المفقودة.
بعد ذلك بوقت قصير؛ أُطلِقَ سراح زهير بكفالة لمدة أسبوعين، وقال العملاء إن هذا كان لمساعدة السلطات على استعادة المزيد من الأموال، وبعد شهور كان لا يزال طليقًا.
ويقول كاتب التحقيق في مجلة “إيكونوميست” عندما زرتُ العراق هذا الربيع؛ مررت بجوار قصر نور زهير في المنصور، وكانت الأضواء مضاءة. وزعم العراقيون الذين تحدثت إليهم أنه كان قد تم رصده في دبي وعمَّان ولندن. وفي نيسان 2023؛ قامت المحاكم بإلغاء تجميد أصوله، وأخبرني أحد مساعدي السوداني أن رئيس الوزراء ليس لديه خيار آخر؛ حيث قال “لو لم يطلق سراح نور زهير لكان قد فقد رأسه”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى