أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العراقيون يعيشون على سطح موقد الحر اللاهب وانقطاع التيار الكهربائي

وكالة “رويترز” تنقل عن عمال البناء في البصرة وبغداد تأكيدهم أنه أصبح من المعتاد بالنسبة لهم رؤية زملائهم يصابون بالإغماء في مواقع البناء، بل ورؤيتهم وهم يسقطون من المباني عندما ترتفع الحرارة بشدة.

بغداد – الرافدين
يعيش العراقيون تحت ضغط الطقس اللاهب، فيما تنعدم الخدمات التي تخفف من حرارة الجو التي تجاوزت 50 درجة مئوية في أغلب مدن العراق.
ولا يستطيع العراقيون البقاء في منازلهم التي تحولت الى مواقد ساخنة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، كما أنهم لا يستطيعون الصمود في العمل والتسوق تحت هذا الطقس.
وأثر الطقس وانعدام الخدمات على المزاج الجمعي للمجتمع خلال أيام عيد الأضحى المبارك وعمت الخلافات الشخصية والتذمر والاستياء والنقمة على السلطات الحاكمة التي يعيش المسؤولون فيها في أجواء لا تمت بصلة إلى الشارع العراقي.
وقالت هيئة الأرصاد الجوية في العراق في بيان لها إن موجة حارة تضرب العراق حيث شهدت عدة محافظات درجة حرارة بلغت 50 درجة مئوية يوم الثلاثاء.
وسجلت محافظة ذي قار أعلى درجة حرارة 51 درجة مئوية، فيما سجلت محافظات ميسان والبصرة والمثنى 50 درجة مئوية، بحسب البيان.
وفي وقت سابق، حذرت المنظمة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك من التعرض المباشر للشمس، وأوصت الناس بالبقاء في منازلهم خلال أوقات ذروة الحر.
وتحول التحذير إلى موضع تهكم شعبي لأن المنازل تحولت الى مواقد ساخنة مع انقطاع التيار الكهربائي.
ويشهد العراق موجة حر حيث وصلت درجات الحرارة إلى 50 مئوية في العاصمة بغداد، ما زاد من صعوبة الحياة اليومية لا سيما لمن يعملون في الخارج. فيما بددت الحكومات المتعاقبة المليارات من الأموال المخصصة لمعالجة ملف الكهرباء، في صفقات فساد ولم يتم توفير الطاقة الكهربائية للمحافظات العراقية.
في هذا البلد الغني بالنفط، يعاني قطاع الكهرباء من التهالك، ولا يوفر سوى ساعات قليلة من التيار خلال اليوم. ويلجأ البعض إلى المولدات الكهربائية، لكن ذلك يكلّف نحو 100 دولار في الشهر لكل أسرة، وقد لا يكون متوفراً للجميع.
وأكثر المتضررين من الحرارة، هم العمال المجبرون على العمل في الخارج تحت الشمس الحارقة، على غرار فالح حسن، الأب لستة أطفال والبالغ من العمر 41 عاماً، ويعمل حمالاً لنقل الأجهزة الكهربائية.
وقال الرجل فيما تصبب عرقا وهو يقف في ساحة تتجمع فيها الشاحنات في الكرادة في بغداد إن “حرارة الشمس موت، حتى نتمكن من العمل، نشرب الماء طوال النهار”.
وأضاف الرجل الذي غزا الشيب رأسه “الحر لا يوصف لكننا مجبرين على العمل ليس لدينا أي عمل آخر”.
وقال ضابط في شرطة المرور وهو يقف وسط شارع رئيسي في بغداد، مفضلاً عدم كشف اسمه، “أعمل عشر ساعات في اليوم من السادسة صباحاً وحتى الثالثة أو الرابعة عصراً”.
وأضاف “عندما أعود للبيت أستحم ثلاث وأربع وخمس مرات لكن الحر لا يفارقني”.
ويعدّ العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً ببعض أوجه التغير المناخي وفق الامم المتحدة، وهو يواجه الجفاف للعام الرابع على التوالي.
وتحت درجة حرارة يمكن أن تتجاوز 50 مئوية، لطالما كانت مواقع البناء في العراق أماكن خطيرة للعمل في الصيف إذ يجد العمال صعوبات في التعامل مع الطابوق والأسمنت والحديد التي تكون شديدة الحرارة بحيث يستحيل لمسها ويمكن أن تتسبب في حروق. ويصاب البعض بالإغماء ويسقطون من المباني.
وتتزايد المخاطر في بلد وضعته الأمم المتحدة في المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان عرضة للتأثر بتغير المناخ، مما أدى إلى انطلاق دعوات لإعادة التفكير في ممارسات العمل وضمانات أفضل في مجال البناء ومجالات العمل الأخرى على النطاق الأوسع.
وقال سجاد الزاملي، وهو رجل في منتصف العمر يرتدي قبعة لحمايته من الشمس فيما كان يعمل في مجمع سكني مترامي الأطراف في مدينة البصرة الجنوبية “هذه مرمره لا تستطيع مسكها ساخنة.. بعد الساعة التاسعة صباحا ومع ارتفاع درجة الحرارة يفقد غالبية العمال الوعي بعد هبوط الضغط لديهم”.

نعمل في جحيم من أجل لقمة العيش
وأضاف متحدثا لوكالة “رويترز” عن الواقع الاقتصادي في بلد يبلغ معدل البطالة الرسمي فيه 16 بالمئة حسب الأرقام الحكومية فيما النسبة أعلى بكثير من ذلك حسب بيان المنظمات غير الحكومية “الذي لا يعمل لا يستطيع العيش”.
وصار يتم غسيل الأموال التي تم سرقتها من خزينة الدولة في بناء العقارات من قبل جهات حزبية وميليشياوية مستحوذة على مركز القرار في بلد يصنف في أعلى مراتب الفساد حسب مؤشر الشفافية الدولي.
وبعد تشديد الإجراءات الأمريكية على تهريب الأموال من العراق، تم غسيل تلك الأموال في شراء وبناء العقارات.
وتجعل حرارة الصيف المرتفعة العمل في قطاع البناء أكثر صعوبة بالنسبة لمئات الآلاف من العاملين في المجال.
وفرضت دول أخرى في المنطقة، منذ فترة طويلة استراحة في منتصف النهار لتجنب العمل تحت أشعة الشمس المباشرة من الظهيرة حتى الساعة الثالثة مساء.
وينتقد مراقبون مثل هذه الأوضاع في العراق ويقولون إن إجراءات الحماية من هذا القبيل محدودة، إن وجدت أصلا، وتُطبق بصورة فضفاضة.
ويجري تشغيل العديد من العمال بشكل غير رسمي، مما لا يترك لهم سوى القليل من الضمانات القانونية.
وقال نصير علي حسين، معاون مدير قسم التفتيش في وزارة العمل، إن العراق ليس لديه لوائح خاصة تتعلق بحرارة الجو وإن من الممكن إعادة النظر في تحديث الأطر القانونية. لكنه أشار إلى أن القانون يلزم أصحاب العمل بضمان سلامة العمال على نطاق واسع.
وأضاف أن الوزارة لم تتلق أي شكاوى رسمية من العمال تتعلق بارتفاع درجات الحرارة، مضيفا أن العراقيين ربما أصبحوا معتادين على درجات الحرارة المرتفعة في بلد تعتبر 45 درجة مئوية فيه طبيعية في الصيف.
وقال أكثر من 12 عاملا تحدثت إليهم وكالة “رويترز” بين البصرة وبغداد إنه أصبح من المعتاد بالنسبة لهم رؤية زملائهم يصابون بالإغماء في مواقع البناء، بل ورؤيتهم وهم يسقطون من المباني عندما ترتفع الحرارة بشدة.
وعندما أمرت السلطات في البصرة موظفي القطاع العام بالبقاء في منازلهم مؤخرا عندما ارتفعت الحرارة فوق الخمسين درجة مئوية، استمر العمل في موقع البناء الذي يعمل فيه الزاملي.
وقالت مها قطّاع، ممثلة منظمة العمل الدولية في العراق، إنه يتعين على السلطات تعزيز اللوائح المتعلقة بالحرارة والرقابة للحفاظ على سلامة العمال.
وأضافت نقلا عن بيانات وزارة العمل أن العراق سجل نحو 4000 إصابة مرتبطة بالعمل في عام 2022. لكنها قالت إن هذا العدد من المحتمل أن يكون أقل بكثير من العدد الحقيقي، لكن لم يتضح كم من هذه الحالات مرتبط بالحرارة.
وأوضحت “هذا النوع من الإصابات سيزداد بزيادة مطردة نظرا لازدياد درجات الحرارة في العراق. الإبلاغ ليس كل شيء. الإبلاغ هو جيد لكن ما هي الاجراءات بعد الإبلاغ؟ كيف سيجري التعامل مع هذه الحالات وكيف سيتم تعويض العمال. اليوم العامل الذي يعمل بشكل غير منظم، غير مسجل وليس لديه ضمان اجتماعي، ليس لديه ضمان صحي، اليوم إذا تأثر بحالة إصابة عمل ناتجة عن زيادة درجة الحرارة من سيتكفل بتعويضه؟”
وتوقف إبراهيم مهدي، الذي يعمل في موقع بناء في بغداد، ليرتشف جرعة من الماء وهو يحكي موقفا صعبا وقع في اليوم السابق. رأى بعينيه زميله يصاب بالإغماء ويسقط من مبنى ويتهشم رأسه.
وقال إن توفير الحماية واجب على الشركات وأرباب العمل، لأن من هم في مثل ظروفه يحتاجون إلى العمل بغض النظر عن الظروف.
وأضاف “لدي عائلة تحتاج إلى من يعيلها، كي تأكل وتشرب… يجب عليّ أن أعمل لأنني لا أحصل على معاش من الدولة”.
ومضى قائلا “نعم مضطر لو درجة الحرارة 70 أعمل، يجب أن أعمل، إذا لم أعمل فلن أجد الطعام ولا الشراب”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى