أخبار الرافدين
كرم نعمة

الجناة لا يحلون مشاكل العالم في “دافوس”

لا يكفي حصول رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني على مقعد في طاولة “دافوس” بجبال الألب السويسرية ليكون مؤثرا!
سيسمح له بالكلام في المنتدى العالمي كما يشاء، وأن كان بخيال هش، وربما يكون رخيصًا عن الاستقرار الأمني والسياسي والتطور الاقتصادي، لكنه لن يستطيع أن يكون طرفًا في المعادلة الحقيقية عما يجري في العراق مع سياسة التخادم الأمريكي الإيراني.
هذا مثال بسيط عما يجري كل عام في المنتدى الاقتصادي الدولي “دافوس” وعما جرى الأسبوع الماضي مع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني اللذان كانا تحت عدسات “دافوس” بينما إيران أطلقت صواريخها باتجاه أربيل.
فبينما استضاف السوداني قادة الأعمال والسياسيين في حفل عشاء بمنتجع “دافوس” السويسري للتزلج لعرض التحسن في الأوضاع الأمنية والمالية بالعراق، كانت إيران تطلق صواريخها وتقتل عدة أشخاص من المدنيين في أربيل.
لا نحتاج أن نتخيل ما جرى في العشاء عندما وصل الخبر إلى السوداني والبارزاني وهما يمارسان سياسة تسويق “الهدوء الأمني الخادع” لإغراء المستثمرين!
قال اثنان من الحاضرين لوكالة “رويترز” إنه بقرب انتهاء حفل العشاء، وصلت أنباء لبعض الضيوف بأن إيران أطلقت صواريخ باليستية على أربيل، بينما قال أحد الضيوف طلب عدم نشر اسمه حيث كان العشاء مغلقًا أمام وسائل الإعلام “كان بعض الأشخاص من المسؤولين العراقيين في العشاء يتحققون مما إذا كانت منازلهم قد تعرضت للقصف”!
في واقع الحال لا يقتصر الأمر على السوداني والبارزاني، فكل الذين يجلسون على الكراسي الأنيقة أمام لافتة متوهجة نصها “المنتدى الاقتصادي العالمي، ملتزمون بتحسين حالة العالم” لا يحسنون أوضاع العالم، كما يجري الكلام المضخم شتاء كل عام في المنتدى المحاط بطبقة من ثلج جبال الألب.
مثلا كلوي هادافاس، المحررة في مجلة “فورين بوليسي” واحدة من جحافل الصحفيين والكتاب الذين حضروا المنتدى وسخروا من نفاق “دافوس”، كما كتب مايكل هيرش مراسل المجلة نفسها “مجموعة من المليارديرات والنخب يتظاهرون بحل مشاكل العالم، في حين أنهم في الحقيقة هم في كثير من الأحيان الجناة أنفسهم الذين يديمون تلك المشاكل”.
ومع ذلك، يتساءل هيرش: لماذا يحتاج العالم إلى ما يسمى برجال “دافوس” مرة أخرى؟
من الممتع سحق المليارديرات. ولكن مع تعرض النظام العالمي للهجوم، نحتاج إلى كل المساعدة التي يمكننا الحصول عليها. بيد أن هيرش مؤلف كتاب “حرب مع أنفسنا: لماذا تهدر أمريكا فرصتها في بناء عالم أفضل” لا يرى بأن العالم بحاجة إلى رجال “دافوس”، بقدر ما يحتاج إلى المساعدة الحقيقية.
دع عنك الكلام الذي يُطلق في أروقة “دافوس” كل عام ويبدو خطيرًا، بيد أنه لا قيمة له أمام ما يجري في هذا العالم من ظلم وغطرسة وعزلة وتكبر الأثرياء والأقوياء، فيما يعاني الفقراء لجعلهم مجرد خاضعين للسياسات التي ترسم في القاعات الغربية المغلقة.
مثل هذا الكلام يمكن أن يتجسد فيما قاله وزير المال الألماني كريستيان ليندنر في “دافوس” إن ألمانيا التي عانت من انكماش في العام 2023 “ليست رجلاً مريضًا” ولكنها ببساطة “رجل متعب يحتاج إلى قهوة” على شكل إصلاحات هيكلية لإعادة إطلاق النمو.
لا تنس هنا الحديث عن ألمانيا من أكبر القوى الاقتصادية في العالم وليس عن دولة تثقل كاهلها الديون.
أو فيما اعتبره الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي أن الاشتراكية تمثل تهديدا للغرب، منتقدًا “العدالة الاجتماعية” و”النسوية الراديكالية”، في حين أثنى على رواد الأعمال الذين وصفهم بأنهم “أبطال”!
وقال “أنا هنا اليوم لأقول لكم إن الغرب في خطر”، مروجًا لرأسمالية السوق الحرة باعتبارها الحل الوحيد القابل للتطبيق لمشكلة الفقر.
وأضاف أن الغرب في خطر “لأن أولئك الذين يُفترض أن يدافعوا عن قيم الغرب جرى تفويضهم مع رؤية للعالم تؤدي حتما إلى الاشتراكية وبالتالي إلى الفقر”.
بعدها يمكن أن نتساءل كيف يمكن للأغنياء والأقوياء إصلاح العالم إذا كانوا هم أصل المشكلة؟
تأتي الإجابة من رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، عندما طالب في المنتدى نفسه هذا العام بمواجهة غطرسة “دافوس” نفسه!
فإذا فهمت النخب الغربية كيف تم إنشاء النظام الليبرالي في فترة ما بعد الحرب العالمية، فسوف يفكرون مرتين قبل المطالبة بتجديده.
لا حلول قدمها وسيقدمها “دافوس” مثلا، لمحنة إفريقيا مع كل الضجيج عن إسقاط الديون والدعم التشغيلي ومساعدة الديمقراطيات الناشئة في دول هذه القارة.
قال الخبير الاقتصادي الغاني تشارلز أبوغري إنه مع زيادة أسعار الفائدة التي تثقل المعاناة بسبب الديون المتراكمة، “تشهد الدول الإفريقية تقلبات خطيرة في أسعار العملات فيما يزداد التضخم باستمرار”.
وأضاف أن “الأثر اليومي مأساوي بالنسبة للفقراء، فنحن نشهد تضخمًا في تكاليف النقل والغذاء والسكن، في حين أن الأجور الفعلية راكدة”.
ورأى أمين إدريس أدوم، أحد كبار المديرين في وكالة التنمية التابعة للاتحاد الإفريقي، أن “المسألة الحقيقية اليوم ليست معرفة كيف يمكن الخروج من تحت وطأة الديون، بل كيف يمكن الاقتراض بذكاء”. وفي حين أن إعادة هيكلة الديون مهمة، إلا أنه “لا ينبغي أن يتم ذلك على حساب الاستثمار في البنية التحتية والصحة والطاقة” لدعم تنمية الاقتصادات والمجتمعات.
لأن إفريقيا المثال الأكثر نصاعة عندما نتحدث عن الحلول التي يقدمها “دافوس”، فإن جملة الجناة لا يحلون مشاكل العالم، تصبح أكثر واقعية كلما أغلقت قاعات المنتدى العالمي وغادر الضيوف!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى