أخبار الرافدين
طلعت رميح

أهداف الصين من اللقاء العربي

غلب على القراءات المنشورة والمذاعة، بشأن زيارة الرئيس الصيني شي جينغ بينغ للمملكة العربية السعودية لحضور القمم الثلاث –السعودية والخليجية والعربية- شدة التركيز على اعتبارها مؤشرًا على تغيير في الموقف العربي من الولايات المتحدة.
وهناك من رآها تحديًا مباشرًا لإدارة بايدن تحديدًا، إذ جرت الزيارة بعد إصدار الإدارة وثيقة الأمن القومي الأمريكي، التي اعتبرت الصين المنافس والخصم الأول للولايات المتحدة في العالم. وهناك من اعتبرها حركة صريحة في الاتجاه المضاد لتصريحات السياسيين والعسكريين الأمريكيين التي هددت وتوعدت الصين، ولقرارات فرض العقوبات على الشركات الصينية، إذ جرى التوقيع على اتفاقات ومشروعات كبرى خلال الزيارة.
كما غلب على تلك القراءات، التشديد أيضًا على محورية قضية النفط، بعد أن أصبحت الصين المستورد الأول للنفط العربي. وقد أشار البعض إلى دافع عربي، يتعلق بسلوك الصين في تصدير التكنولوجيا والسلاح المتطور، إذ تبرم تعاقداتها دون شروط أو تدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وهو مبدأ أكد عليه الرئيس الصيني كإطار عام في كلمته أمام القمة العربية الصينية، وبذلك جرى اختصار دوافع الصين في قضية النفط والتجارة، وكذا الموقف العربي. غير أن هناك جوانب أخرى بالغة الأهمية، في فهم دوافع الصين لتطوير علاقاتها مع الدول العربية، بإلحاح الآن.
والحقيقة أن الصين تنظر للمنطقة العربية من زوايا تصل حد اعتبار العلاقات معها، محورًا أساسيًا في تحقيق خططها الإستراتيجية دوليًا وفى تطوير خططها المضادة للخطط الأمريكية بل حتى في تحقيق أمنها الداخلي.
تتحرك الصين باتجاه المنطقة العربية لمواجهة عملية التطويق الأمريكية الجارية لها في إقليمها. وترى أن تحركها باتجاه منطقة كان النفوذ مقصورًا فيها تأريخيًا على الولايات المتحدة والغرب، أمرًا ضروريًا للتحول إلى الهجوم المضاد. وتراه ضروريًا للخروج من دائرة التطويق والعزل.
لقد شكلت الولايات المتحدة حلفين في آسيا خلال الشهور الماضية، لتطويق الصين حاليا ولعزلها وحصارها مستقبلًا. أحدهما حلف “كواد”، الذي يضم اليابان في الشمال الشرقي للصين، والهند في الجنوب الغربي. كما شكلت حلفًا من الإنجلوساكسون يضم أستراليا وبريطانيا ليكون محورًا لإدارة الصراع مع الصين من الجنوب. وهي تصعد أزمة تايوان وضمن أهدافها إكمال حصار الصين من الشرق. كما تتحرك بين دول آسيا الوسطى لحصارها من الشمال الغربي…
وكذا تعمق الولايات المتحدة علاقاتها مع دول بحر الصين الجنوبي اقتصاديًا وعسكريًا.
وقد سرعت في الفترة الأخيرة من ضح استثماراتها إلى بعض الدول، ومن بيع السلاح وإجراء المناورات العسكرية مع جيوش دول أخرى. ووصل الأمر حد طرح بايدن أسئلة انتقادية لرئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان أوشا، بشأن بناء الصين ميناءً بحريًا في بلاده، إذ سأله: ماذا يفعل الصينيون عندكم؟
وهنا تأتي أهمية الشرق الأوسط، والمنطقة العربية خاصة، إذ تشير الزيارة إلى تحرك الصين باتجاهها بهدف إفشال عملية التطويق عبر إيجاد مصالح مشتركة مع كتلة ذات مصالح كبرى في حركة التجارة الصينية استيرادًا وتصديرًا
والصين تعتبر المنطقة العربية، محورًا لنجاح خطتها الإستراتيجية للحزام والطريق “طريق الحرير”. وإذ كان مخططًا أن تنتقل الحركة الاقتصادية من الصين إلى غرب آسيا، امتدادًا إلى أوروبا عبر الحزام أو خطوط الحركة البرية “كما تشير حركة النقل بالقطارات والطرق” فقد قطع الطريق الآن جراء أزمة أوكرانيا، ولم يعد متاحًا الوصول لأوروبا إلا عبر الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديدًا.
والأمر نفسه وأكثر فيما يتعلق بالطريق أو خطوط الحركة البحرية، إذ المنطقة العربية هي محور الانتقال إلى أوروبا وشمالي وغربي إفريقيا. وإذا كان جانب من هذا الطريق يتوجه إلى شرقي إفريقيا وجنوبها من خلال المحيط الهندي، فدول شمالي أفريقيا وغربها وأوروبا ترتبط الحركة إليها بالمرور عبر المنطقة العربية، وتلك أهمية البحر الأحمر وبحر العرب وقناة السويس للصين.
وذلك ما يظهر من سيطرة الصين وتطويرها لميناء جوادر في باكستان على بحر العرب، ليكون منصة لحركة تجارتها بعيدًا عن هيمنة الولايات المتحدة والهند وما يظهر أيضًا من اختيار الصين جيبوتي لبناء أول قاعدة بحرية لها في الخارج.
والصين تسعى لتعميق دورها وعلاقاتها ونفوذها في المنطقة العربية، باعتبارها عاملًا محوريًا في هزيمة الخطة الأمريكية الجارية منذ عام 2001، لإقامة خط اضطراب وحروب للفصل بين الصين وتمدد دورها ونفوذها الدولي.
هذا الخط بدأ مع احتلال أفغانستان وإثارة الاضطرابات في باكستان، وتمدد إلى اليمن والعراق وسوريا، ووصل إلى أوكرانيا وإلى نهايته، بعد انضمام فنلندا والسويد.
ولا حل لهزيمة هذه الخطة إلا باختراق هذا الخط الإستراتيجي، وتأمينه عبر دور عربي لا يقتصر على المنطقة العربية بل يمتد خارجها، إذ تتطلع الصين إلى دور عربي في باكستان لتأمين حركة المرور عبر الطرق البرية من الصين إلى ميناء جوادر، وإلى دور في أفغانستان، إذ يمر مخطط الحزام بمدينتين أفغانيتين أيضًا.
وأخيرًا فتوثيق الصين لعلاقاتها بالدول العربية والإسلامية هو جزء من الحفاظ على أمنها الداخلي.
تسعى الصين لتأمين الموقف العربي تجاه قضية الإيغور المسلمين، ولقطع الطريق على المخطط الأمريكي لاستثمار قضية اضطهادهم باعتبارها ورقة من أوراق التفكيك الداخل للصين. كما تسعى لتأمين دعم الكتلة العربية لسياسة الصين الواحدة واعتبار تايوان جزءًا من الصين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى