أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الربط السككي مع إيران يجهز على ممتلكات العراقيين بقضاء شط العرب في البصرة

أوساط اقتصادية وسياسية تحذر من تبعات خطيرة للربط السككي مع إيران على سيادة العراق واقتصاده بعد تحوله إلى رصاصة رحمة تنهي حلم العراقيين بإكمال تشييد ميناء الفاو الكبير المطل على شواطئ الخليج العربي.

البصرة – الرافدين
أثار شروع حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في تهيئة مسارات الربط السككي مع إيران غضب سكان قضاء شط العرب في البصرة جنوبي العراق جراء مرور تلك المسارات في أراضيهم ومناطق سكناهم.
ونظم سكان القضاء مؤخرًا العديد من الوقفات والتظاهرات المنددة بقرار الاستيلاء على أراضيهم بعد مطالبة الحكومة إياهم بإخلاء منازلهم بهدف تشييد سكك الحديد ضمن مشروع الربط السككي المثير للجدل.
وعرضت “قناة الرافدين” الفضائية شهادات لسكان القضاء ضمن حلقة خاصة من البصرة في برنامج “مع الناس” أكدوا فيها تعرض أكثر من ألف عائلة لمصير مجهول بعد قرار تهجيرهم والاستيلاء على منازلهم وأراضيهم عنوة لصالح تنفيذ مشروع الربط السككي.
وأعرب المتضررون من المشروع من سكان قضاء شط العرب عن رفضهم القاطع لإخلاء منازلهم وسط مطالبات شعبية بتغيير مسار المشروع الذي تسعى الحكومة إلى إكماله تحت أي ظرف كما تؤكد مصادر مطلعة.
ويؤكد الناشط المدني في قضاء شط العرب، جواد القطراني أن “التظاهرات التي حصلت مؤخرًا في قضاء شط العرب كانت تطالب بتغيير المسار الخاص به حاليًا، كون مساره يمر بالعديد من الأراضي المملوكة للمئات من المواطنين”.
ولفت القطراني إلى إن “عدد المواطنين الذي يعتدي عليهم المسار الحالي يتراوح بين الـ 1000 والـ1500 منزل”.
وأشار إلى أن المسار المعترض عليه، يبلغ طوله 5 كيلومترات، حيث بات المواطنون معرضين لخسارة أراضيهم ومحالهم التجارية في هذه المنطقة.
وأوضح أن “المواطنين طالبوا الحكومة بتعويضهم بشكل مجزي وأن الاعتراضات حول المشروع لن تجدي نفعًا كما يبدو كون القانون بجانب الحكومة”.

وتحاول الحكومة في المقابل تبرير دعوتها السكان لإخلاء منازلهم وأراضيهم تحت إطار إزالة التجاوزات في تزييف مفضوح للحقائق بشأن عائدية هذه الأراضي التي يؤكد سكان قضاء شط العرب بأنها ملك خاص.
وأكدت وزارة النقل في هذا الصدد “بدء عمليات الاستملاك وإزالة التجاوزات في الأراضي المتواجدة ضمن مسار طريق الربط السككي بين مدينة البصرة وإيران” .
وبينت الوزارة أنها “تنسق مع مجلس محافظة البصرة لضمان سير عمليات إزالة التجاوزات بشكل فعال” على حد وصفها.
إلا أن هذه المزاعم حول الأهمية الاستراتيجة للمشروع التي تسوقها وزارة النقل الحالية تصطدم بشهادة مغايرة لوزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار الذي شن هجومًا حادًا على مشروع الربط السككي مع إيران، بعد أن عده رصاصة رحمة في جسد ميناء الفاو الكبير.
وقال عبد الجبار، إن “الربط السككي مع إيران لم يحدد بنقل المسافرين، بل سيشمل البضائع أيضًا وأن التصريحات الحكومية حول اقتصار الطريق على المسافرين فقط، غير صحيحة ولدينا الكثير من الأدلة التي تؤكد ما نقوله”.
وأضاف إن “مشروع الربط السككي، أطلق رصاصة الرحمة في جسد ميناء الفاو الكبير، وقتل أهميته الاستراتيجية، حيث إن خطوة الربط السككي تخدم المصالح الإيرانية بالدرجة الأولى”.
وأشار إلى إن “العراق سيمنح الكويت، ربطًا سككيًا خلال الفترة المقبلة، مما يجعلها تستأنف العمل في إكمال ميناء مبارك، بعدما أوقفت العمل فيه منذ 2019 عندما رفضت الحكومة آنذاك منح إيران الربط السككي”.
واستغرب عضو مجلس النواب ووزير النقل الأسبق من “إصرار الحكومة الحالية على منح إيران ربطًا سككيًا بحمولة محورية قدرها 25 طناً لكل محور”.
ويمثل الربط الذي وضع رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني حجر الأساس له مطلع شهر أيلول الماضي أهمية كبيرة لإيران حيث يكسبها مزايا مثل السيطرة على الأسواق في العراق وسوريا وحتى الأردن.
ونقلت صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية عن مسؤولين أوروبيين تأكيدهم على أن الإيرانيين يفخرون بإنجازاتهم ويعملون لتأمين ما تبقى من الطريق المؤدي إلى البحر الأبيض المتوسط.
ومن شأن هذا الربط أن يمنح إيران القدرة على نقل وحداتها العسكرية وإمداداتها بين طهران وسواحل البحر الأبيض المتوسط في حال تمكنت طهران من ذلك، ما يعني مزيدًا من الهيمنة الإيرانية على العراق وبلاد الشام.
يأتي ذلك بعد أن اعترف مسؤولون إيرانيون بأن الربط السككي ما بين البصرة والشلامجة سيؤدي إلى إكمال الحلقة المفقودة في مشروع إطلاله إيران على البحر المتوسط عبر سوريا ولبنان.
وأكد تقرير لصحيفة “فايننشال تريبيون” الإيرانية التي تصدر بالإنجليزية على الأهمية السياسية لمشروع الربط أكثر من القيمة الاقتصادية التي ستجنيها إيران.
وأوضح التقرير أن العراق سيتحمل الكلفة الأكبر في بناء المشروع الذي سيتطلب 18 شهرًا من العمل قبل افتتاحه.
وتحذر أوساط اقتصادية من أن رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني قد فتح طريق الاقتصاد العراقي مشرعا أمام الهيمنة الإيرانية عبر الربط السككي بين الشلامجة – البصرة – اللاذقية.
وأجمعت الأوساط على أن السوداني تعهد أمام المرشد الإيراني علي خامنئي في أول زيارة له إلى طهران بعد أسابيع من ترؤس الحكومة بأن يجعل من العراق أكبر سوق في المنطقة للبضاعة الإيرانية ويفتح الأراضي العراقية لاستراتيجية طهران بالإطلالة على المتوسط.

وتتمتع طهران بنفوذ عسكري وميليشياوي وسياسي واقتصادي كبير في العراق وسوريا يجعل لها صدارة القرار في ملف الربط السككي الذي يحذر منه خبراء اقتصاديون.
ويرى الخبير في الشأن الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، أن ملف الربط السككي مع إيران، غير شفاف وغامض، حيث إن غالبية المختصين لا يملكون الكثير من البيانات عنه، وإن المعلومات المتداولة حوله مصدرها وسائل الإعلام الإيرانية أكثر بكثير من تقوله الحكومة العراقية لنا.
وذكر المشهداني أن “الاعتقاد السائد بين الخبراء المختصين، هو أن المشروع سيقتل بشكل كبير ميناء الفاو الكبير وأن المشروع يحمل جنبة سياسية أكثر من جنبته الاقتصادية في الوقت الحالي، حيث أن الربط الحالي، هو ربط مستعجل عليه بشكل كبير”.
وأوضح، إن “الاستعجال يتمثل بمحاولة إيران منذ زمن رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي مرورًا بعادل عبد المهدي، وإلى مصطفى الكاظمي، وأخيرًا محمد شياع السوداني، لغرض إكمال هذا الربط بمسافة لا تتجاوز الـ25 كيلومترًا داخل الأراضي العراقية “.
وتابع “كان الأجدر على العراق الانتظار لحين تشغيل المرحلة الأولى من ميناء الفاو الكبير، وعندها بإمكانه إعطاء الربط السككي لأي دولة جارة معه”.
وأضاف أن “إعطاء الربط السككي مع إيران كأولوية قبل إكمال المرحلة الأولى من ميناء الفاو، يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل الخطط الاقتصادية البحرية للعراق لأن افتتاح الربط قبل إكمال الميناء من قبل العراق، يعني إن البضاعة سيكون مستقرها في ميناء بندر عباس الإيراني، وبالتالي سيتم نقلها عبر السكك الحديدية التي تربط العراق بإيران ومن ثم إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط مستقبلًا”.
ولفت المشهداني، إلى أن “ميناء الفاو يعد واحدًا من أكبر 10 موانئ عالمية في حال لو تم إكماله، كونه ذو إطلالة مباشرة إلى البحر عند رأس البيشة دون أي مضايقة من الجانبين الإيراني أو الكويتي، وهو مخطط له أن يكون الطريق المكمل لقناة السويس باتجاه أوروبا، إلا إن إقدام الحكومة على الربط السككي مع دول تملك موانئ جاهزة في الوقت الحالي وتم توسيع بعضها مؤخرًا سيجعل الميناء الخاص بك في خطر خلال المستقبل عند افتتاحه”.
بدوره يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان في أربيل مهند الجنابي، أن إيران ومنذ تبلور فكرة إنشاء ميناء الفاو عام 2017 شرعت بالضغط على بغداد لتنفيذ الربط السككي، وأن طهران استثمرت جميع اللقاءات الدبلوماسية بين البلدين لأجل ذلك.
وتابع الجنابي أن هذا المشروع سيضر بالمصلحة الوطنية للعراق، وأن ميزان المصلحة في المشروع يميل لصالح إيران”.
وبين أنه “على الرغم من الطموحات الإيرانية، غير أن هناك العديد من المشاكل التقنية في التنفيذ، كون المنطقة تتسم بالوعورة ووجود العديد من حقول الألغام”.
وخلص إلی أنه “من المستبعد إكمال المشروع انطلاقًا من أن التحركات الأميركية في سوريا تعمل على منع ربط إيران بالبحر المتوسط، كما يمكن للعراق استغلال هذا المشروع لمساومة إيران في سبيل السعي للحصول على تنازلات إيرانية فيما يتعلق بملف المياه والتحركات العسكرية لطهران على الحدود المشتركة”.

وخلال وضع حجر الأساس في منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة، تحدث السوداني عن أهمية مشروع الربط السككي في نقل المسافرين والزائرين، من إيران وبلدان وسط آسيا، فضلا عن أهميته في تعزيز البنى التحتية لاقتصاد العراق.
وأكد السوداني بحضور نائب الرئيس الإيراني محمد مخبر، أن المشروع يمثل ركيزة أخرى في تعزيز البنى التحتية لاقتصادنا، ورفع قدرة العراق على التواصل مع دول الجوار، واستقبال المسافرين القادمين من إيران، وبلدان وسط آسيا، عبر مشروع الربطِ السككي.
وجاءت تصريحات السوداني وقتها مغايرة لما كان يطرحه عندما كان نائبًا في البرلمان، إذ أكد في مقابلة أجراها عام 2021، أن أي ربط سككي مع دول الجوار هو تفريط في جميع موانئ العراق، وبالتالي تفريط بأهم ورقة يمتلكها العراق بحكم هذا الموقع الجغرافي المتميز الذي يتمتع به.
ويرى القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان، إن “ضرر المشروع وتداعياته على العراق يعلمها رئيس الحكومة الحالية وحديثه السابق عن خطورة الربط السككي مع دول الجوار أمر واضح لا يحتمل التأويل، لذلك فهو اليوم في حرج كبير”.
وأضاف أن “السوداني تعرض لضغوطات كبيرة من بعض الأحزاب لا سيما من عصائب أهل الحق، بقيادة قيس الخزعلي، الذي سبق له أن وصف رئيس الوزراء بأنه مجرد مدير عام، أي لا يمتلك صلاحيات له ولا يستطيع اتخاذ قرار بدون العودة للإطار التنسيقي”.
وتساءل “هل يعقل أن يحذر السوداني سابقًا من مشروع الربط السككي في مقابلاته التلفزيونية، بينما يذهب بنفسه ويضع حجر الأساس لهذا المشروع إن لم تكن عليه ضغوطات، ولا سيما من العصائب التي هي من تدير الحكومة اليوم؟” بحسب قوله.
ويتفق باجلان مع ما ذهب إليه وزير النقل الأسبق بالقول إن “خطوة السوداني هذه بالفعل كانت بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على ميناء الفاو الكبير وكل موانئ العراق”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى