أخبار الرافدين
طلعت رميح

بايدن وترامب كلاهما معًا أو بدون الاثنين!

إذا أدين ترامب في فضيحة الوثائق، سيصاب نصف البلاد بالجنون. وإذا أدين بايدن في فضيحة الوثائق، سيصاب نصف البلاد الآخر بالجنون. وإذا أدين الاثنان سيصاب الشعب الأمريكي كله بالجنون. والحل أن لا يدان، لا بايدن ولا ترامب!
هكذا لخص أحد المثقفين الأمريكيين الورطة التي يعيشها المجتمع والنظام السياسي الأمريكي، منذ أن فجرت محطة “سى بى إس” الفضائية الأمريكية فضيحة وثائق بايدن، ليلحق بترامب في الوقوع تحت طائلة الاتهام نفسه، الذي قد يصل بهما إلى حد التهديد بالمحاكمة بتهمة انتهاك قانون الجاسوسية.
لم تعد إدانة بايدن أو ترامب أو كلاهما، أو براءة الاثنين، قضية تتعلق بشخص الرئيس الحالي أو السابق أو بسرية وثائق الدولة، بل بالانتخابات الرئاسية القادمة في 2024 إذ بدأ ترامب التحضيرات لإعلان ترشحه وكذلك بايدن. وبالنظام السياسي الأمريكي الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى ماكينة لإنتاج الفضائح. وهو ما بات يطرح أسئلة خطرة داخل الحزبين وعلى صعيد مواقف أنصارهما، ويهدد بتفجر صراع مجتمعي خطير.
كان بايدن يتجهز للإعلان عن ترشحه، وقد تصور أنه أنهى فرص ترامب في الترشح ضده. لقد جرى تصعيد فضيحة نقل ترامب وثائق رسمية سرية إلى منزله بعد تركه الرئاسة، إذ هاجم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزل ترامب وانتزع الوثائق بالقوة، كما جرى تعيين مدع عام خاص يملك كل الصلاحيات للتحقيق في الواقعة. وزاد الديمقراطيون باتهام ترامب بالتهرب من دفع الضرائب. وقبلها كانوا قد وضعوه في موقع المتهم بالتحريض على اقتحام الكونغرس ومساندة المقتحمين الذين حاولوا منع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020. ووصف ما جرى بالمحاولة الانقلابية.
وكان ترامب يدافع عن نفسه ويقول إن ما يجري ضده محاولة لمنعه من الترشح في الانتخابات القادمة، وكان يحشد أنصاره ويتهم بايدن بتسخير الجهاز التنفيذي للدولة لتحقيق أهداف حزبية، ويلمح لاستهداف الدولة العميقة له بسبب تصديه لتجاوزاتها. وكان يقول إنه رفع السرية عن تلك الوثائق قبل انتهاء رئاسته. وكان يرد بتوجيه اتهامات لبايدن باستخدام صلاحياته التنفيذية لتسهيل أعمال نجله هنتر في أوكرانيا والصين.
وإذا بواقعة تقلب الأمور رأسًا على عقب.
أصبح بايدن متهمًا هو الآخر بانتهاك سرية الوثائق بعد العثور على وثائق سرية لديه هو الآخر، وبعضها متروك في مرآب سيارته منذ كان نائبًا لأوباما. وجرى تعيين مدع خاص للتحقيق في الواقعة، كما في حالة ترامب.
وصعد الجمهوريون من اتهاماتهم لبايدن بعد سيطرتهم على مجلس النواب، حتى أنهم شككوا في نزاهة نتائج الانتخابات التي فاز فيها على ترامب، إذ يتحدثون عن أن فضيحة وثائق بايدن كانت معروفة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في 2020، وأن هناك من أبقى الأمر سرًا على الرأي العام الأمريكي حتى لا تتأثر فرص انتخاب بايدن.
وإذا كان ترامب متهمًا بالتهرب من دفع الضرائب، فالجمهوريون يرتبون الآن لفتح تحقيقات في مجلس النواب بشأن اتهام بايدن بالفساد والتغطية على فساد نجله هنتر.
وهكذا رسمت الآن ملامح معادلة هي الأغرب في التاريخ الأمريكي.
إما أن يدان كل من بايدن وترامب ويجري خوض الإنتخابات الرئاسية بين مرشحين آخرين، أو يبرأ كلاهما وفق اتفاق بمنع ترشح أي منهما. أو أن تجري التبرئة ليعود كلاهما للترشح في انتخابات العام القادم.
لكن الأهم أن اتهام رئيسين متزامنين ومتنافسين قد أصبح قضية كاشفة لمدى تدهور النظام السياسي الأمريكي الذي جف عوده وبات ينتج رؤساء تلحق بهم الفضائح واحدًا تلو الآخر، منذ سبعينات القرن الماضي، إلا ما ندر.
لقد تفجرت فضيحة ووترغيت عام 1972، وكان بطلها الرئيس نيكسون الذي انتهى أمره إلى الاستقالة بعد ثبوت انغماسه في فضيحة التجسس على الحزب الديموقراطي وفي تضليل العدالة، ما كشف إلى أي مدى نخر السوس في نظام الحزبين.
وشهد النظام السياسي الأمريكي فضيحة وصول جورج بوش الابن إلى الحكم بعد إعلان فوزه على منافسه الديموقراطي آل غور، بفارق مئات الأصوات المختلف على صحتها. وظهر فيما بعد، أن بوش لا يعرف حتى المعلومات السياسية البديهية. وقد ارتكب أخطر جرائم تضليل الرأي العام الأمريكي، حين جر أمريكا إلى حربين إجراميتين ضد العراق وأفغانستان، وفق اتهامات مضللة، يعرف أنها مضللة بما أنهى مفاعيل القوة الناعمة الأمريكية.
وأنتج النظام السياسي الأمريكي رئيسًا أتهم لاحقًا بارتكاب جريمة أخلاقية مشينة جرت وقائعها داخل البيت الأبيض نفسه، وصارت عنوانًا لاهتراء النخب الأمريكية.
ومنذ عام 2016 والنظام السياسي الأمريكي غارق في فضائح متتالية في البداية تفجرت فضيحة تدخل روسيا في الإنتخابات الرئاسية، وبعدها عاش النظام السياسي والمجتمع في دوامة فضائح ترامب وسلوكياته التي بلغت ذروتها خلال أزمة كورونا. وهي حالة انتهت إلى انقسام حاد في المجتمع والنخب ووصلت حد ظهور المخاوف من اندلاع حرب أهلية.
والآن، إذ يعود النظام السياسي الأمريكي لإنتاج فضائح تتعلق بأمن الوثائق متهم فيها رئيسان في وقت واحد، فهو يعيد للذاكرة أحداث فضيحة تسريب وثائق ويكليكس التي جرى خلالها نشر أكثر من مليون وثيقة سرية.
أمريكا في مأزق حقيقي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى