أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تعداد للسكان في العراق أم تثبيت وضع ديمغرافي شاذ

خبراء في علوم الاجتماع والتخطيط يجمعون على أن اندفاع حكومة الإطار التنسيقي لأجراء التعداد السكاني يهدف إلى تثبيت واقع ملفق وفق استراتيجية طائفية لنزع هوية المدن العراقية.

بغداد- الرافدين
وصف ثلاثة أساتذة متخصصين في علوم الاجتماع والتخطيط والسكان، حماس حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني لإجراء التعداد السكاني، بانه يخلو من الهدف العلمي والاقتصادي للتعداد السكاني، وإنما يهدف إلى تثبيت وضع ديمغرافي شاذ في المدن العراقية.
وأجمع الأساتذة في جامعتي بغداد والبصرة في تصريحات منفصلة لقناة “الرافدين” على أن تأجيل التعداد السكاني على مدار السنوات الماضية كان يهدف إلى تثبيت التغيير الديمغرافي في المدن العراقية وأخلاء بعض المحافظات من سكانها الأصليين، بغية أن تكون الأمور جاهزة لتثبيت واقع ملفق وفق استراتيجية طائفية لنزع هوية المدن العراقية.
ويعيش أكثر من مليون عراقي في مناطق نزوح وتنقل منذ أن دمرت مناطقهم في حملات عسكرية، فضلا عن عدم السماح لنسبة كبيرة من النازحين في العودة إلى منازلهم التي تسيطر عليها الميليشيات بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم “داعش”.
وقال أستاذ في علم الاجتماع في جامعة بغداد مفضلا عدم ذكر اسمه “البلاد بحاجة إلى تعداد سكاني وفق الأهداف الاقتصادية المعهودة، لكن هل سيتم اجراء التعداد من قبل حكومة السوداني بدوافع وطنية مخلصة، أم بسياسة طائفية مفضوحة أعدت لها الأحزاب والميليشيات الحاكمة منذ سنوات”.
وعبر الأستاذ الذي أصدر ثمانية كتب في علم الاجتماع ومارس العمل التدريسي في جامعات عراقية ويمنية وليبية، عن عدم ثقته بمخرجات التعداد السكاني المؤمل اجراؤه لأنه سيثبت واقعًا شاذاً حصل على التركيبة السكانية للمدن العراقية منذ عام 2003.
وشاطر أستاذ في التخطيط السكاني في جامعة البصرة رأي زميله بالقول، افتقدت الحكومات منذ عام 2003 الى منهج التخطيط الحكومي وإعداد الخطط المستقبلية، ولا يمكن أن يؤدي التعداد السكاني وظيفته المرتجاة في حكومات تفتقد إلى العقل الاستراتيجي.
وعبر عن شكوكه بالدوافع وراء إجراء التعداد السكاني، لأنه يفتقد إلى الهدف المتوخى منه وفق علم التخطيط.
وقال أستاذ ثالث في التاريخ في جامعة بغداد “لم يحصل في تاريخ بناء الدولة العراقية المعاصرة اجراء تعداد سكاني بأهداف سياسية وطائفية كما يعد له حاليا من قبل حكومة السوداني ومن خلفها أحزاب الإطار التنسيقي”.
ووصف أستاذ التاريخ في تصريح لقناة “الرافدين” التعداد المؤمل اجراؤه في العراق، بالتعداد الطائفي أكثر منه السكاني من أجل فكرة تفتقد إلى الوطنية وتكمن في صيغة الأغلبية والأقلية.
وشدد على أن تعداد عام 2023 إذا تم اجراؤه سيفتقد لمصداقية التعدادات التي أجريت في سنوات 1947 و1957 و1965 و1977 و1987.
وكان العراق قد أجرى آخر تعداد سكاني عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كردستان في شمال العراق.
وتكمن أهمية التعداد في إنشاء قاعدة بيانات أساسية تستخدمها الدول عادة في بناء استراتيجياتها الوطنية بالتربية والتعليم والصحة ومجالات أخرى، والبلد من دون قاعدة بيانات رصينة معتمدة، كأنه يمشي في طريق مجهول كما حصل على مدار عقدين بعد احتلال العراق عام 2003.
وأعلنت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عزمها إجراء التعداد العام للسكان والمساكن في البلاد “إلكترونيًّا” وخصصت 350 مليار دينار لذلك.
ونقلت وزارة التخطيط الحالية في بيان عن وزير التخطيط، محمد علي تميم، قوله، إنهم “يعملون من أجل ضمان نجاح التعداد وفقًا لتوقيتاته التي ستكون حاكمة، ولا مجال فيها للخطأ، ولاسيما أن التعداد سيُنفذ إلكترونيًا”.
ويتساءل عراقيون عما إذا كان الهدف من التعداد تثبيت واقع طائفي ورسم صورة رسمية للاجتثاث السكاني الذي حصل في المدن العراقية، أم كما تجري بقية دول العالم التعداد السكاني لتحديد شكل التنمية وطرق تصريفها وحاجات البلد وبالتالي رسم خارطة مستقبلية قصيرة وطويلة الامد لتطور البلد.
ويعزو غالبية العراقيين تأجيل اجراء التعداد إلى أن حكومات الاحتلال كانت تتذرع بالكادر والتخصيصات المالية، بينما في حقيقة الأمر كان التأجيل يهدف إلى انجاز التغيير الديموغرافي في المدن العراقية واللعب على نسب وأعداد العراقيين وفق سياسة الفكر التقسيمي الذي ساد بعد الاحتلال بشأن الأغلبية والأقلية والأرقام غير الدقيقة التي وضعت فوق أي اعتبار وطني عراقي.
ويرى مراقبون أن عملية التعداد السكاني لا تخلو من أبعاد سياسية بالتزامن مع المضي باستعدادات إجراء انتخابات مجالس المحافظات المحلية.
وكانت هيئة علماء المسلمين في العراق قد كشفت في رسالة بمناسبة مرور 20 عامًا على احتلال العراق بأن الطائفية السياسية أدت إلى تغييب الهوية الوطنية للبلاد من أجل شدّ كل مكون نحو امتداده الطائفي أو العرقي، فضلًا عن أن هذه المحاصصة قد أقيمت على تصورات وتقديرات غير واقعية لمجمل القضايا، ومنها التركيبة المجتمعية والنسب السكانية، وبدأ ذلك في مجلس الحكم، الذي شكل على وفق هذه التصورات والتقديرات المغلوطة؛ مما تسبب بمشاكل لا حصر لها، وفتح منافذ خطيرة للنزاعات الداخلية.
وحالت المشاكل السياسية وضغوط الميليشيات قبل ان تكمل مشاريع التغيير الديمغرافي في محافظات عراقية، دون اجراء الجهاز المركزي للإحصاء التعداد السكاني.
وخلال اجتماع للمجلس الأعلى للسكان شدّد السوداني على ضرورة بذل أقصى الجهود من أجل إجراء التعداد السكاني التنموي خلال هذا العام.
ومنذ 26 عاما، لم ينجح العراق في إجراء تعداد سكاني، واعتمدت الحكومة على إحصائيات قديمة أو غير رسمية عادة ما يشوبها هامش خطأ كبير يؤدي لاختلال في النتائج المرجوّة.
وعجزت حكومات الاحتلال أيضا عن إصدار مؤشرات موثوقة تُعين صانع القرار على وضع خطط ناجحة توازن بين حجم السكان وتوزيع الخدمات التعليمية والصحية، ما خلّف أضراراً جسيمة على كافة جوانب التنمية في البلاد.
ويقول الباحث محسن حسن إن إجراء التعداد السكاني يرتبط بتحديد طبيعة المسار الانتخابي في العراق، ولاسيما ما يخص إسناد المقاعد البرلمانية وتحديد نصيب كل محافظة من هذه المقاعد على الدستور، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى عرقلة التعداد من قبل بعض الأقليات المتنفذة والمحافظات الأقل تعداداً؛ حفاظاً على تمثيلها البرلماني القائم على المؤشرات التقديرية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى