أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

العواصف الترابية والجفاف وتغير المناخ مخاطر تلقي بظلالها على الإنسان العراقي وبيئته الطبيعية

احتلال العراق والإهمال الحكومي يفاقمان من مخاطر البيئة المحدقة بالعراق، أرضًا وشعبًا.

بغداد – الرافدين

تضرب العراق منذ نحو شهر سلسلة من العواصف الترابية الشديدة التي تركزت آثارها في مناطق غرب ووسط وجنوبي البلاد، مخلفة 5 وفيات وعشرات حالات الاختناق التي دخلت المستشفيات بسبب نقص الأوكسجين لمرضى الربو وحساسية الجهاز التنفسي وأمراض القلب، وفقًا لوزارة الصحة.

وبدا مدى الرؤية منخفضًا جدًا في الأيام والأسابيع الماضية في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات بسبب السحابة الرملية المنخفضة.

ولجأ عدد كبير من المارة إلى استخدام الأقنعة الطبية (الكمامة) التي تباع للوقاية من كورونا لتجنب الغبار الذي غطى المباني والسيارات بطبقة صفراء.

إصابات بالاختناق جراء العواصف الترابية التي تضرب المدن العراقية

وتسببت تلك العواصف في خسائر مادية مختلفة، فضلًا عن تعطل الحياة لساعات طويلة، نتيجة لجوء السكان إلى منازلهم وإغلاق المتاجر، إلى جانب إغلاق المطارات العاملة في البلاد على فترات متقطعة بسبب انعدام مدى الرؤية فيما رفعت قوات الأمن الحكومية حالات الإنذار لأعلى درجاتها نتيجة مخاوف من استغلال تنظيم داعش لهذه الظروف الجوية.

وأعلنت دائرة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، أن البلد سيشهد حالة تصاعد للغبار خلال اليومين المقبلين لتأثره بمنخفض جوي من الجزيرة العربية.

وعزت الدائرة موجة العواصف الترابية التي تضاعف عددها عن السنوات الماضية، إلى تأثر العراق بالتغيرات المناخية في المنطقة، وشح الأمطار وانحسار الغطاء النباتي والتصحر الذي يحصل على حساب مناطق زراعية واسعة في البلاد.

العواصف الترابية تشل الحياة بالعراق وتتسبب بخسائر مادية كبيرة

وبحسب الإحصائيات المسجلة من قبل الهيئة العامة للأنواء الجوية، ارتفع عدد الأيام المغبرة من 243 يومًا إلى 272 يومًا في السنة خلال عقدين من الزمن، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة عام 2050 الذي سيشهد كذلك انخفاضًا بنسبة 20% بالموارد المائية في العراق وفقًا لدراسة نشرها البنك الدولي، في تشرين الثاني من العام الماضي.

ويعاني العراق من انخفاض مستوى الغطاء النباتي نتيجة الحروب التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية لاسيما الحرب التي قادتها واشنطن ولندن ومن تحالف معهما لاحتلال البلاد والتي فقامت الأوضاع سوءًا، فضلًا عن تبعات تقطيع المناطق الزراعية والبساتين إلى أجزاء واستغلالها لبناء المنازل عليها.

تراجع مستويات الغطاء النباتي وشحة المياه يتسببان بتفاقم ظاهرة العواصف الترابية

وكشف وزير البيئة وكالة جاسم الفلاحي أن “أكثر من 60% من الأراضي التي كنت صالحة للزراعة والمزروعة فقدت نتيجة التجريف والتجاوزات عليها”، مضيفًا أن “هذا التجاوز قلص من المساحات الخضراء، كمناطق الدورة والبوعيثة جنوبي بغداد”.

وأكد الفلاحي أن “الوزارة تعاني من وجود تواطؤ في ملف تجريف البساتين، إذ تم إحراق بعض البساتين لجعلها غير صالحة للزراعة، ومن ثم بيعها كقطع أراضٍ سكنية”

وأشار إلى أن “تأثير العواصف الترابية سيزداد مالم تتخذ إجراءات لتثبيت التربة من خلال إقامة واحات وأحزمة خضراء في المناطق الصحراوية”.

وفي ذات الصدد قال مدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض، في تصريح صحفي، إن “التغيرات المناخية عامل أساسي في زيادة موجات الغبار”.

وأشار الفياض إلى أن “نحو 70% من الأراضي الزراعية في العراق متدهورة أو مهددة بالتدهور، نتيجة التغيرات المناخية، وبالتالي فقدان الغطاء النباتي الذي يعتبر العامل الرئيس لتثبيت التربة”.

وتتفق وزارة الزراعة مع ما ذهبت إليه وزارة البيئة حول تأثيرات غياب الغطاء النباتي على المناخ في العراق.

وقال المتحدث باسم الوزارة حميد النايف، إن “العواصف الترابية التي تجتاح العراق ناتجة عن قلة الأمطار وانحسار الغطاء النباتي في الأراضي العراقية، فضلًا عن قلة المساحات المزروعة، وجميع هذه العوامل تسبب عواصف ترابية”.

وأشار النايف إلى أن “العراق يحتاج بحسب التقديرات إلى 15 مليارًا، و200 مليون شجرة، وهذا الرقم لا يستهان به ويحتاج إلى جهود متواصلة ومتابعة مستمرة لتحويل الاراضي الجرداء إلى خضراء”.

وأوضح النايف من خلال إحصائية، أن مساحة الأراضي المهددة بالتصحر تبلغ 93 مليونًا و734 ألفًا و314 دونمًا؛ مما يشكل 53.49% من مساحة العراق الكلية، مبينًا أن هذه المساحة تحتاج إلى زراعة 11 مليارًا و700 مليون شجرة لغرض معالجة الأراضي المهددة بالتصحر.

وأردف بالقول إن المساحة الكلية للأراضي المتصحرة مسبقًا تبلغ 26 مليونًا و778 ألفًا و563 دونمًا، وبذلك تكون 15% من المساحة الكلية للعراق، مشيرًا إلى أن هذه المساحة تحتاج إلى 3 مليارات و347 مليون شجرة.

دراسات غربية تحذر من تأثيرات سلبية لتغير المناخ في العراق

ويحذر خبراء من تأثيرات تغير المناخ على الاستقرار في العراق فضلًا عن استغلال الميليشيات لتبعاته الخطيرة على المجتمع والبيئة.

ويتفق مع هذا الرأي المعهد النرويجي للشؤون الخارجية الذي كان قد نشر في وقت سابق دراسة بعنوان “التغير المناخي يؤثر على السلم والأمن في العراق” وجاء فيها إن العراق يظل أكثر الدول تأثرًا بتغير المناخ بسبب اعتماده القوي على الموارد الطبيعية لتشكيل اقتصاده وغياب القدرات اللازمة للتكيف بسبب الصراع العنيف والفقر وعدم الاستقرار السياسي والفساد.

وذكرت الدراسة النرويجية إن آثار التغير المناخي في العراق تمتد إلى زيادة ظاهرة هجرة المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية بما يؤدي لارتفاع مخاطر الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات في المدن المضيفة بينما تستفيد الجماعات المسلحة والميليشيات من الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ من أجل تجنيد الشباب العاطل الذي يبحث عن فرص للعمل.

وأضافت الدراسة أن درجات الحرارة المتزايدة وندرة المياه والجفاف كلها عوامل تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن المعيشي محذرة من انعكاسات ضعف الحوكمة وغياب القطاع الخاص في العراق على تنامي فرص استغلال الميليشيات للشباب وانتشار السلاح والفساد وكذلك مزيد من التهميش والإقصاء الذي يغذي المظالم ويؤدي إلى عدم الاستقرار.

ويتهم خبراء البيئة وأطباء الحكومة بالتقصير في نشر الإرشادات والتوعية اللازمة لتفادي المخاطر المترتبة عن مثل هذه العواصف.

ويوضح الخبير البيئي كمال الساعدي، أن الإجراءات الحكومية الخاصة بالتوعية من العواصف الترابية تكاد تكون معدومة على الرغم من تسبب هذه الظاهرة المناخية بخسائر بشرية ومادية كبيرة.

تغير المناخ يفاقم من انعدام الأمن المعيشي وارتفاع مستويات الفقر بين العراقيين

وحول سكان المخيمات المهجرين من المدن المنكوبة، يؤكد الدكتور عمر القيسي من دائرة صحة بغداد أنهم الأكثر تعرضًا للضرر، وجميع الإجراءات التي يتخذونها ستبقى ضمن تخفيف الضرر، كون العواصف الترابية قادرة على النفاذ للخيام بسهولة.

ويتابع القيسي: “على النازحين تقليل عدد المتواجدين في الخيمة الواحدة إلى اثنين أو ثلاثة بأقصى حد، وإغلاق الأجزاء القريبة من الأرض للخيمة بواسطة مادة (الفوم) أو الطين بعد خلطه بالماء وتكوينه جيدًا، وداخل الخيمة يجب توفر كميات كافية من المياه مع مناديل مبللة توضع كجدار صد آخر إلى جانب الأقنعة الطبية (الكمامة)، وفي حال كان هناك مرضى من النازحين يعانون من مشاكل تنفسية أو أطفال رضع فيجب تدبير مكان مغلق تماما غير الخيمة مثل سيارة مغلقة أو كرفان”.

ويفتح الحديث عن تغير المناخ وتبعاته الخطيرة على البيئة العراقية الباب حول تبعات الاحتلال الذي نعيش ذكراه التاسعة عشرة هذه الأيام وما رافقه من عمليات عسكرية، فاقمت من حالات التلوث إلى درجة لا يمكن إحصاؤها.

وتشير دراسات إلى تأثر المناطق التي كانت ساحة للحرب، بالتلوث باليورانيوم المنضب، كما هو الحال في جنوب العراق، أو التلوث الناتج عن الفسفور الأبيض الذي استخدمته القوات الأميركية في معارك الفلوجة عام 2004.

ويوضح أستاذ هندسة البيئة حسين يوسف محمد الحسيني أن التلوث البيئي في البلاد متعدد الأنواع والأسباب، مشيرًا إلى ما خلفته المعارك العسكرية، بالإضافة إلى تسرب فضلات المنشآت كافة إلى الأنهار من دون وجود رقابة بيئية صارمة.

ويضيف “هناك تلوث للبيئة حدث بفعل الفساد المستشري في معظم مفاصل الدولة، فحتى الآن لم يكشف عن الجهات التي تقف خلف العمليات التخريبية التي طالت المواد الغذائية والحيوانية ولم يحاسب المقصرين، في حين اكتفت الدوائر المعنية بنشر تحليلات غير مقنعة وغير علمية لهذه الحوادث”.

ويرى الحسيني أن ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان هو إحدى نتائج التلوث البيئي.

 

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى