أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

هل يجبر الاتحاد الأوروبي الرئيس التونسي على العودة للمسار الديمقراطي؟

الدول الأوروبية غير معنية بالديمقراطية في تونس ويهمها استقرار البلاد ومنع موجة المهاجرين غير الشرعيين.

تونس- اضطلاعًا بدوره الاستراتيجي في تونس، تعاطى الاتحاد الأوروبي بفاعلية مع إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيّد التي أقرها في 25 تموز الماضي، عبر سلسلة مواقف أكد التكتل خلالها ضرورة “احترام الدستور والمسار الديمقراطي”.

آخر تلك التحركات، تمثلت في زيارة أجراها وفد من البرلمان الأوروبي لتونس بين 11 و13 نيسان الجاري، التقى خلالها سعيّد وممثلين عن الأحزاب والمجتمع المدني لبحث الأزمة السياسية الراهنة في البلاد.

وتتباين آراء مراقبين بين من يرى أن الاتحاد يسعى إلى التأقلم مع الأوضاع الجديدة في تونس، مقابل من يرى أن الأوروبيين يهدفون إلى دفع سعيّد للتراجع عن خيارات النظام القاعدي الذي يطرحه وسعيه لتغيير طبيعة النظام من شبه برلماني إلى رئاسي يمسك فيه الرئيس بكل السلطات.

الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التأقلم مع الأوضاع الجديدة في تونس بعد تغيير طبيعة النظام من شبه برلماني إلى رئاسي

بعد يوم من إعلان سعيّد إجراءاته الاستثنائية، في 25 تموز، دعت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي، في تصريحات إعلامية، المسؤولين في تونس إلى “احترام الدستور ومؤسساته وسيادة القانون”.

وفي 10 أيلول الماضي، أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إثر لقائه الرئيس التونسي ووزراء وممثلين لأحزاب سياسية ومنظمات، خلال زيارة للعاصمة تونس، عن “مخاوف الاتحاد إزاء الوضع السياسي في البلاد بعد أكثر من شهر على إجراءات سعيّد”.

ونقل بوريل، خلال تلك الزيارة “للرئيس سعيّد المخاوف الأوروبية في ما يتعلق بالحفاظ على مكتسبات الديمقراطية بتونس”.

لكن الاتحاد رحب يوم 16 كانون الأول الماضي، بخريطة الطريق التي أعلنها سعيّد يوم 13 من الشهر نفسه، والمتعلقة بتنظيم استفتاء شعبي حول طبيعة النظام السياسي في تموز 2022 وتحديد موعد لانتخابات تشريعية في 17 كانون الأول 2022.

وعبر الاتحاد في بيان، عن ارتياحه للقرارات المعلنة ضمن خريطة الطريق معتبرًا أنها “تمثل مرحلة مهمة نحو إعادة الاستقرار والتوازن بين المؤسسات”.

الاتحاد الأوروبي يرحب بقرار سعيد تنظيم استفتاء شعبي حول طبيعة النظام السياسي

ليعود الاتحاد، في 7 نيسان الجاري، للإعراب عن “قلقه الشديد من حلّ البرلمان التونسي”، وفق بيان للمتحدثة الأوروبية نبيلة مصرالي.

ودعا البيان إلى “العودة في أقرب وقت إلى العمل الطبيعي للمؤسسات”، مؤكدًا مواصلته ” المتابعة عن كثب لمختلف مراحل تنفيذ الجدول الزمني السياسي المعتمد في ديسمبر 2021”.

وفي 30 آذار الماضي، عقد البرلمان التونسي جلسة عامة افتراضية، صوّت خلالها لصالح إلغاء قرارات سعيّد “الاستثنائية”، لكن الأخير أعلن عقب ساعات من الجلسة حل البرلمان بدعوى “الحفاظ على الدولة ومؤسساتها”، معتبرًا أن اجتماع البرلمان وما صدر عنه “محاولة انقلابية فاشلة”.

وفي ختام زيارته إلى تونس، شدد الوفد الأوروبي في بيان على “ضرورة القيام بحوار وطني شامل وفعلي لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية بصفة عاجلة”.

تعليقًا على هذه المواقف، يستبعد الدبلوماسي التونسي السابق عبد الله العبيدي، أن “يكون التحرك الأوروبي يهدف لدفع سعيد للتراجع عن تنفيذ مشروعه السياسي”.

عبد الله العبيدي: القنوات الدبلوماسية التقليدية بين أوروبا وتونس لم تعد تعمل بشكل جيد

ويوضح العبيدي، لوكالة الأناضول، أن “كل ما في الأمر أن القنوات الدبلوماسية التقليدية لم تعد تعمل جيدًا ولم تعد هناك جسور تواصل”.

ويقول “أمام الضبابية التي تكتنف الوضع السياسي بالبلاد جاء وفد من البرلمان الأوروبي للاطلاع على الأوضاع عن قرب وهذا دليل على انهيار الدبلوماسية التونسية”.

وعبر عن اعتقاده بأن الوفد جاء لإملاء شيء ما، لكن ربما يلمح لضرورة التسريع بوضع الأجهزة والمؤسسات التي من شأنها أن تسمح بتعاون وتواصل سوي مع تونس.

ويعتبر أنه “لا توجد مؤسسات يستقي الاتحاد الأوروبي منها الخبر اليقين حول ما يجري في تونس ويبلغون عبرها الجهات الرسمية التونسية ما يريدونه، لذلك جاءت هذه الزيارة”.

ويرى العبيدي أن “الأوروبيين ما زالوا يراقبون ما إذا كان ثمة طائل من وراء مسار سعيّد وذلك بسبب الغموض الذي يكتنف مشروع الأخير الذي يريد من خلاله إزاحة كل شيء من أمامه”.

ولم يستبعد “إمكانية أن يسعى الاتحاد الأوروبي مستقبلًا إلى الاستغناء عن سعيّد ليس بالطرق العنيفة أو الإملاءات، وإنما عبر دعم مرشحين آخرين في الانتخابات المقبلة”.

وقبل أسابيع، أعلن سعيّد أنه “سيتم تنظيم استفتاء شعبي يوم 25 تموز المقبل، بإشراك الجميع لإبداء رأيهم حول طبيعة النظام السياسي، ثم لتبدأ لاحقًا لجنة بصياغة نتائج الاستفتاء في نص قانوني، وسيقول الشعب كلمته عند تنظيم الانتخابات يوم 17 كانون الأول المقبل”.

الحبيب بوعجيلة: التحركات الأوروبية في تونس جاءت للحفاظ على التوازنات الاستراتيجية في المنطقة

من جانبه، يرى ممثل مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” في تونس الحبيب بوعجيلة، أن “التحركات الأوروبية ليست من أجل الدفاع عن المسار الديمقراطي كما نتصوره نحن في الشارع السياسي المعارض للانقلاب، بل بحثًا عن الاستقرار”.

ويقول بوعجيلة، للأناضول إن “أوروبا اليوم معنية بالاستقرار في جنوبها والحفاظ على التوازنات الاستراتيجية بالمنطقة، ففي أوائل 2011 و2012 كانت تعتبر أن هذا الاستقرار يمكن أن يكون بدعم الانتقال الديمقراطي والربيع العربي”.

ويستدرك “لكن أوروبا تهمها المصالح والتوازنات وتحاول قدر الإمكان أن تتعامل مع أوضاع الضفة الجنوبية للمتوسط انطلاقًا من موازين القوى داخل منطقتنا”.

ويضيف “لا ننتظر من الأوروبيين موقفًا صارمًا وحاسمًا من انقلاب 25 تموز، وإنما سيحاولون الدفع بنوع من التسوية نحو الاستقرار لا الديمقراطية بالضرورة، وإيجاد مداخل لإعطاء سعيّد دفعًا ماليًا باعتبار أن لهم مخاوف من الاحتقان الاجتماعي”.

ويتابع “لا أعتقد أنهم (الأوروبيين) معنيون بالمسألة الديمقراطية وإجبار سعيّد على أن يكون مخلصًا للديمقراطية ولدستور 2014 فهذه مسائل لا تهمهم”.

في المقابل، لم يستبعد بوعجيلة أن “يحاول الأوروبيون منع سعيّد من الذهاب في المغامرة المتعلقة ببناء نظام سياسي يذكرهم بنظام الجماهيرية الليبية في عهد الزعيم السابق معمّر القذافي ومحاولة مرافقته حتى لا يرتكب بعض الحماقات على غرار الانقلاب الجيو استراتيجي عبر إعادة موقعة تونس في الشرق ضمن محور الصين وروسيا”.

و”مواطنون ضد الانقلاب” مبادرة شعبية قدمت مقترح خريطة طريق لإنهاء الأزمة السياسية في تونس، تتضمن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة في النصف الثاني من 2022‎.

بينما يعتبر المحلل السياسي والأكاديمي خالد عبيد، أن “الأمر الثابت من خلال مواقف الأوروبيين وتصريحاتهم هو أنه لا يمكن الرجوع إلى فترة ما قبل 25 تموز 2021”.

خالد عبيد: الدول الأوروبية تؤيد إجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية في تونس

ويقول عبيد، للأناضول، إن “الطرف الأوروبي يؤكد ضمان المسار الديمقراطي والتشاركية وإجراء انتخابات قادمة تضمن انتخاب برلمان تونسي بطريقة ديمقراطية وشفافة”.

ويفيد بأنه “وفق ما تم تسريبه عن لقاءات الوفد الأوروبي في تونس ومن خلال تصريحاتهم يتبيّن لنا أنهم حريصون على أن تكون هناك استمرارية للمسار الديمقراطي، لكن ذلك لا يعني الضغط من أجل العودة لمسار ما قبل 25 تموز”.

ويرى عبيد أنه “في حال وجدت ضغوطات أوروبية للعودة إلى المسار السابق فإن الرئيس سعيّد سيرفضها”.

ويشير إلى أن “زيارة الوفد جاءت بموجب الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي وهناك التزام مع هذا الشريك على احترام المسار الديمقراطي والحريات وحقوق الإنسان، ومن هذا المنظور يمكن فهم الزيارة”.

ومنذ 25 تموز 2021، تعيش تونس أزمة سياسية حين بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان (قبل إعلان حله نهاية آذار)، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.

وترفض قوى سياسية ومدنية بالبلاد تلك الإجراءات، وتعدها “انقلابًا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحًا لمسار ثورة 2011″، بينما قال سعيّد إن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى