أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

انقسام سياسي في ليبيا يؤول إلى إغلاق حقول النفط وخطر عودة القتال

إغلاق الحقول النفطية بسبب تهديدات أمنية أو خلافات سياسية كلف ليبيا 100 مليار دولار.

طرابلس– دخلت الثروة النفطية، مصدر الدخل الرئيسي لليبيا، من جديد دائرة الخلاف السياسي المتصاعد منذ أسابيع، لتصير رهينة الانقسامات السياسية مع موجة من الإغلاق القسري للمنشآت الحيوية، نتيجة للصراع بين حكومتين متنافستين.

منذ بداية الأسبوع، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط وهي هيئة حكومية، حالة “القوة القاهرة” وتعليق العمليات في ميناءين نفطيين مهمين في شرق البلاد، فيما يستمر إغلاق ستة حقول نفطية في جنوب وشرق البلاد.

وتسبب هذا الإغلاق في خسارة 600 ألف برميل أو ما يعادل نصف إنتاج ليبيا اليومي من الخام، في حين أن البلد الذي ينعم بأكبر احتياطيات في إفريقيا، واقع في قبضة أزمة مؤسسية لا تنفصم.

وفي شباط، عين مجلس النواب في الشرق في طبرق فتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للوزراء. لكنه لم ينجح في إقصاء حكومة عبد الحميد الدبيبة الذي رفض تسليم السلطة قبل إجراء الانتخابات، بالرغم من الوساطات المتعددة لحثه على التنحي سلميًا.

الاضطرابات في ليبيا تحرم البلد من إيرادات كبيرة لاسيما مع ارتفاع سعر النفط علميًا

ففي شرق ليبيا تطالب الجماعات التي تقف وراء الحصار النفطي بنقل السلطة إلى باشاغا الذي يحظى بدعم المشير خليفة حفتر الذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على العديد من المنشآت النفطية المهمة.

ويصف الباحث المتخصص في الشؤون الليبية جلال حرشاوي إغلاق حقول النفط “بالمظهر المباشر للأزمة السياسية الحادة التي تدور حاليًا بين الطيف الموالي لحفتر وذاك الموالي للدبيبة”.

ويضيف أن “القيادة العامة لتحالف حفتر هي التي تعمدت فرض حصار نفطي من أجل زيادة الضغط على الدبيبة حتى يتخلى عن منصبه”.

من خلال إغلاق هذه المصالح الحيوية، يريد الشرق حرمان حكومة الدبيبة من أموال النفط، وبالتالي “إجبارها على الاستقالة”، كما يرى هامش كينير، من معهد Verisk Maplecroft للتحليل.

ومع ذلك، جدد الدبيبة الثلاثاء من مقر حكومته في طرابلس، القول بأنه لن يتنازل عن السلطة إلا لحكومة منتخبة، وحث النائب العام على فتح “تحقيق فوري” في إغلاق المنشآت النفطية.

وتأتي هذه الاضطرابات في وقت “ترتفع فيه أسعار النفط بشدة” تحت تأثير الحرب في أوكرانيا، كما قالت المؤسسة الوطنية للنفط بأسف، لتحرم ليبيا من إيرادات قياسية من بيع الخام، قد لا تتكرر لعقود طويلة مقبلة.

كما يساعد انخفاض صادرات ليبيا على إبقاء الأسواق الدولية تحت الضغط بما يصب في مصلحة روسيا التي تؤدي دورًا رئيسيًا في ليبيا من خلال دعم حفتر، بما في ذلك عسكريًا بمرتزقة شركة “فاغنر” الخاصة المرتبطة بالكرملين والتي تنتشر في شرق وجنوب البلاد، بل وحول بعض المنشآت النفطية.

وفي بداية عام 2020، في خضم حرب أهلية، فرض حفتر حصارًا نفطيًا استمر لأشهر، لكن فشل هجومه على العاصمة لاحقًا أقنعه بالتخلي عنه. تكبدت البلاد حينها خسائر قدرت بنحو 10 مليارات دولار. وانتعش لاحقًا الإنتاج تدريجيًا إلى 1.2 مليون برميل يوميًا في المتوسط. ومعظم الإيرادات تغذي البنك المركزي.

ويشرح الباحث الدولي جلال حرشاوي أن “الشرارة” التي عززت الدافع إلى إغلاق المنشآت هي “الاتفاقية التي أبرمت بين مؤسسة النفط وحكومة الدبيبة في 13 نيسان” وتتعلق بتحويل “8 مليارات دولار” من عائدات النفط إلى خزائن حكومة طرابلس.

وأثارت هذه الخطوة استياء السلطة التنفيذية الموازية برئاسة باشاغا التي لم تعترف بها دوليًا سوى موسكو، إذ انتقدت “التبذير المتعمد للمال العام لمصالح شخصية وسياسية ضيقة”.

النفط الليبي في مرمى نيران الأزمة السياسية المتصاعدة

في المقابل، يقول كينير إن مؤسسة النفط “ستتلقى مخصصات تمويل طارئة من وزارة المالية لعملياتها” بموجب هذه الاتفاقية.

ويقول جليل حرشاوي إن الاتفاقية عُدت بمثابة “تعزيز لقدرات الدبيبة على الاستمرار. غير أن حفتر وأنصاره يرغبون في تجفيف مصادر تمويله إلى أن تنهار حكومته”.

وحذر السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند ونائب مساعد وزير الخزانة إريك ماير في لقاء مع محافظ البنك المركزي الليبي من استخدام عائدات النفط “لتحقيق أهداف سياسية حزبية”، بحسب بيان للسفارة الأمريكية.

وفي الوقت الذي تتجه فيه كل الأنظار إلى أوكرانيا، تبدو مخاطر أن تفضي الأزمة الحالية في ليبيا إلى نزاع مسلح جديد “حقيقية”.

ويقول حرشاوي محذرًا إنه “ما زال من الممكن تحقيق انتقال سلمي في ليبيا، لكن نظرًا للسرعة التي يفقد بها حفتر تريثه، قد ينزلق الوضع الحالي بسهولة إلى حرب شاملة”.

تكرّرت عمليات إغلاق الحقول والموانئ النفطية في السنوات الماضية بسبب احتجاجات عمالية أو تهديدات أمنية أو حتى خلافات سياسية، ونتج عن ذلك خسائر تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار، بحسب البنك المركزي.

وتعاني ليبيا من أزمة سياسية متصاعدة مع نزاع بين حكومتين: واحدة برئاسة وزير الداخلية السابق باشاغا منحها البرلمان ثقته في آذار، والثانية منبثقة من اتفاق سياسي رعته الأمم المتحدة قبل أكثر من عام ويترأسها عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا عبر انتخابات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى