أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

عجز حكومي مستمر في القطاع الصحي بعد عام على فاجعة مستشفى ابن الخطيب

القطاع الصحي شبه منهار في العراق ولم يتم أي استثمار حقيقي للحكومة فيه ولا إدامة ما يتوفر من مستشفيات بنيت أغلبها قبل ثلاثين عامًا.

بغداد- الرافدين
يستذكر العراقيون حادثة وصفت بالفاجعة؛ لبشاعة الموقف وقساوة المشهد؛ إذ مرت الذكرى السنوية الأولى لحريق مستشفى “ابن الخطيب” المخصص لمرضى كورونا بمنطقة جسر ديالى بالعاصمة بغداد، إثر انفجار أسطوانة أوكسجين، راح ضحيته 82 شخصًا وإصابة 110 آخرين.

ولاقت الحادثة تعاطفًا شعبيًا ودوليًا كبيرًا؛ إذ شهدت العاصمة بغداد، تظاهرات واسعة حمّلت الحكومة مسؤولية الحريق، فضلاً عن قيام العديد من الدول العربية والأجنبية، إضافة إلى الأمم المتحدة، بتقديم التعازي لذوي ضحايا “ابن الخطيب”.وعزت التحقيقات في الحادثة انتشار الحريق إلى إغلاق مخارج الطوارئ بأجهزة وأسرة قديمة وتغليف الجدران بمواد سريعة الاشتعال للقاعات والغرف واستخدام ستائر وسجاد من أنواع سريعة الاشتعال وتأخر الدفاع المدني في الوصول إلى موقع الحادثة.
وأشارت إلى أن تراخي إدارة المستشفى في ضبط القوانين وتقصيرها في تطبيق شروط السلامة العامة، الأمر الذي زاد من عدد الضحايا.

إدارة مستشفى ابن الخطيب لم تطبق شروط السلامة العامة

وقال الطبيب أحمد سلمان مشتت في مداخلة له على قناة “الرافدين” إن “هذه الفاجعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فالقطاع الصحي في العراق شبه منهار ولم يتم أي استثمار حقيقي للحكومة فيه ولم تتم إدامة ما يتوفر من مستشفيات بني أغلبها قبل ثلاثين عامًا ولا توجد أي مخططات لتطويرها”.

وأضاف أن “شروط السلامة مفقودة تمامًا حيث يتم تخزين أسطوانات الأوكسجين بشكل غير آمن إضافة لعدم وجود أنظمة الإطفاء المركزي وخلو المبنى من أجهزة إنذار الحرائق وعدم وجود سلالم خارجية كافية لهروب المرضى”.
وأشار إلى أن “كل هذه العوامل التي أدت لحدوث هذه الفاجعة ليست وليدة اللحظة وإنما هي جزء انهيار المنظومة الصحية والبنية التحتية للصحة في العراق”.

وأوضح أن “الميزانية التي تخصص لوزارة الصحة ضئيلة جدًا لا تتناسب مع مقدرات البلاد وثرواته الهائلة فالفرد العراقي حصته من الميزانية المخصصة لرعايته تترواح حوالي 152 دولارًا مقارنة بالفرد في إيران أكثر من 350 دولارًا وفي الأردن 260 دولارًا”.

وذكر مشتت أن “الفرد العراقي ينفق 70% من مبلغ الرعاية الصحية من جيبه الخاص وبناءًا على توصيات منظمة الصحة العالمية لابد أن يكون الرقم أقل 30 % لمنع الفقر والعوز”.

وفي ندوة سابقة مشتركة بين الميثاق الوطني العراقي وهيئة علماء المسلمين قال المحلل السياسي عبد القادر النايل إن “الميثاق الوطني العراقي وصف حادثة احتراق مستشفى (ابن الخطيب) بأنها جريمة حكومية، وليست مجرد تقصير أو حادث عرضي”، مؤكدًا أن ما شهده المستشفى هو جريمة مكتملة الأركان، وأن حكومة مصطفى الكاظمي ووزارة صحتها تتحملان كامل المسؤولية عنها.

وقال مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين مثنى حارث الضاري إن المؤسسات الحكومية منذ احتلال العراق في 2003 لم تقم على نظام معتبر، ولا تعد إلا ميدانًا لتقاسم المصالح بين القوى السياسية التي تعتمد المحاصصة السياسية والطائفية في تولي إدارة الوزارات والاستحواذ على الموازنات المالية التي تُخصص لها، دون أن تلتفت إلى تقديم أدنى درجات الخدمات للعراقيين.

د. مثنى حارث الضاري: المؤسسات الحكومية منذ احتلال العراق في 2003 لم تقم على نظام معتبر، ولا تعد إلا ميدانًا لتقاسم المصالح بين القوى السياسية

وبيّن الدكتور الضاري أن جريمة حريق مستشفى (ابن الخطيب) ببغداد؛ أكدت ما هو مؤكد لدى الهيئة والقوى العراقية التي تشاركها المشروع الوطني؛ بأن العملية السياسية والحكومات التي نتجت عنها؛ ليست سوى وسائل وأسباب لإزهاق أرواح العراقيين، ومصادرة حرّياتهم، والاستيلاء على خيرات بلادهم، مشيرًا إلى أن وقوع الجريمة أسهم بشكل كبير في بيان حقيقة المزاج الشعبي العراقي الرافض للنظام السياسي الحالي، والذي عبر بكل شجاعة وصدق عن سخطه على الحكومة وأحزابها السياسية الفاسدة.

وقال الكاتب جاسم مراد إن “مأساة مستشفى ابن الخطيب تضيف للحقائق عن واقع السلطة وإداراتها والكثير من المسؤولين العاملين في دوائرها وطريقة عملهم ، فقد بات الفساد هو القوة الفاعلة في مؤسسات الدولة”.
وأضاف مراد أن “الإهمال طريقة للكثير من العاملين في دوائر الدولة، والانتماءات الانتهازية للأحزاب والكيانات السياسية بغية الحماية أو التدرج السريع للوصول إلى مواقع الدولة والتلاعب بمقدراتها وحياة وحقوق الناس”.

وفي حلقة سابقة لبرنامج طاولة حوار في قناة “الرافدين” قال مقرر القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين الدكتور ثامر العلواني إن “فاجعة جريمة مستشفى ابن الخطيب فاجعة أليمة وكبيرة لأننا نتحدث عن أناس أجبروا على دخول المستشفى التي أعدتها وزارة الصحة لمرضى المصابين بوباء كورونا على أمل بسيط أن يتشافى هؤلاء المرضى ولكنهم مع الأسف هربوا من الاختناق بالفيروس ليختنقوا بالدخان أو يحرقوا على أسرة الشفاء فبدل أن يتعالجوا في المشافي خرجت جثثهم محترقة متفحمة”.

وأكد العلواني على أن “فاجعة مستشفى ابن الخطيب شاهد مؤلم على أن حكومة وأحزاب السلطة ما بعد 2003 لا يملكون من الإنسانية شيء، ضمائرهم ميتة وحياة العراقيين في خطر ما دامت هذه (الشلة) من القتلة واللصوص هي من تتسلط على رقاب العراقيين”.

ورأى أن “مثل هذه الحوادث والكوارث متوقعة في العراق بل ومتوقع حدوث أبشع منها خصوصًا أن هذه الحكومات لا تحترم شيء يسمى نظام الرعاية الصحية في المستشفيات وإلا كيف يمكن تفسير خلو المستشفات من أجهزة الحماية من الحرائق ونحن نعيش في عصر التطور؟.

د. ثامر العلواني: بوجود أحزاب السلطة الفاسدة التي انعدمت فيها الإنسانية فليس مستغربًا أن نشاهد فواجع أبشع من فاجعة مستشفى ابن الخطيب

وأردف قائلًا “ما دام الفساد المالي والإداري المستشري في القطاع الصحي مستمر فمتوقع أن تستمر مثل هكذا فواجع”.

وذكرت مؤسسة كونراد اديناور الألمانية في تقرير لها أن “الفساد المستشري في القطاع الصحي العراقي كان السبب وراء عدم قيام دولة وبناء وصيانة مرافق صحية آمنة”.

وأشارت إلى أن “نظام المحاصصة السياسي جعل الأحزاب الحاكمة تستولي على القطاعين العام والخاص على حد سواء وهو ما تسبب باندلاع الحرائق في العديد من المستشفيات في العراق وأودت بحياة مئات العراقيين بسبب استشراء الفساد ونقص معدات السلامة من الحرائق”.

الفساد المستشري في القطاع الصحي أزهق أرواح العراقيين

وأوضحت أن كل سلسلة آليات التوريد ومراقبة الجودة في قطاع الرعاية الصحية دائمًا ما تكون محل شك لا سيما في سوق الأدوية الذي يفتقر لاختبارات السلامة والجودة والذي يخضع للمصالح الحزبية والسياسية.

ويرى مراقبون أن الحريق كشف حجم الفساد والإهمال التي تعانيه المؤسسات الحكومية في العراق، وخصوصًا القطاع الصحي، مما دفع بوزير الصحة السابق حسن التميمي إلى تقديم استقالته إلى الكاظمي، الذي وافق عليها بعد صدور التقرير الخاص  بلجنة التحقيق في حادثة مستشفى “ابن الخطيب” الذي لم يوضح فيه شيئًا يذكر أو يدين المتسببين بالحادثة.
وقال عضو التحالف الوطني المعارض لبيد الصميدعي في اتصال هاتفي  مع قناة “الرافدين” إنه “كان الواجب على الحكومة أن تستدعي لجنة تحقيق مستقلة وليست لجنة تحقيق حكومية لأن اللجنة التي شكلها الكاظمي نابعة ومنبثقة من المنظومة الحكومية الفاسدة”.

ويرى محللون سياسيون أن اللجان التي تم تشكليها في الحادثة كان الهدف منها المحافظة على الصورة الشكلية في التعامل مع الأحداث حيث أن الناظر للسياسات الحكومية يجد أن سياسية الإفلات من العقاب نهج متبع في العراق فلا يوجد أي مسؤول ينتمي للقوى السياسية تم تقديمه للمساءلة أوعرضه للقضاء لجرم ارتكبه مما شجع المجرمين على ارتكاب المزيد من الجرائم وانتهاز الفرصة في ظل غياب الدور الرقابي الحكومي.

وأضافوا أن هناك إشكالية كبرى في العراق فحكومات الاحتلال لا تحمل النوايا الحسنة في التعامل مع القضايا التي تخص الشعب العراقي ولاسيما الفئة المجتمعية الضعيفة من المرضى والنازحين والمعتقلين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى