أخبار الرافدين
د. رافع الفلاحي

حق القول

دستور بمقاسات الخراب (1)

من المفارقات الكبيرة في حياة العراقيين خلال التسعة عشر عاما الماضية، أن هناك مفردات وجمل اقحمت على حياتهم ولازمت تفاصيلها اليومية، حتى صارت منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى اليوم من أكثر المفردات التي تتردد على اسماعهم، وفي مقدمتها مفردة الدستور والتي كانت قبل ذلك لا ترد ربما إلا في بعض القرارات أو المناقشات القانونية، باعتبار أن الأيام قد وضعت الناس والمجتمع وبالتالي الدولة في إطار من سياقات لا تحتاج إلى مجادلات ومراجعات ومشاكسات وادعاءات تحت عنوان الدستور.

ففكرة الدستور في العراق وفي الكثير من دول العالم “الثاني او الثالث” وفقا لتوصيفات فلسفة الحكم في دول الغرب والولايات المتحدة “دول العالم الأول أو المتقدم”، لا تعدو عن كونها مجرد فكرة “تزين” إطار الحكم وعلى الأغلب لا تؤثر في تصرفات السلطة ووجودها،
فقرارات السلطة والحاكم هي الأساس ويمكن “لعنق” الدستور أن “يلوى” أو حتى “ينكسر” استجابة لمفردات القرارات وتصريفاتها.
لذلك فأن أي دارس لدساتير الكثير من الدول التي اشرنا اليها، سيجد أن التعديلات والإضافات على مواد الدستور أكبر بكثير من كل مواده، أما أن يكون الدستور إطارا ثابتا وملزما لتنظيم الدولة والمجتمع، فذلك شأن آخر يقود إلى حالة تحتاج إلى أنظمة خاصة وتعامل خاص يفرض على الجميع “من الغفير الى الوزير”. الاحترام والالتزام المتساوي ومن دون أن يشعر البعض بأنه يقدم خدمة أو واجب هو غير ملزم بتقديمه. ومن غير ادعاء وتفسيرات متباينة ومواد “مطاطة” تقبل تفسيرات وتصريفات عديدة، يمكن الأخذ باي منها وفقا لمصالح هذا الطرف أو ذاك، حتى أن الدستور صار عند بعض السلطات الحاكمة وفي مقدمتها سلطات العراق منذ  صدوره عام 2005 وحتى اليوم، اشبه بقميص مصنوع من نسيج “مطاط” يمكن أن يناسب كل الاحجام وقت الحاجة ويمكن ان يعلق على الشماعة عندما  يتعارض مع المصالح، وعلى “الشعب” فقط أن ينظر إليه بقدسية وينتظر احكامه التي تكون أحيانا كالسيف على رقبته إذا ما حاول الشعب المطالبة بحقوقه، حتى وأن وردت في ذلك الدستور “الكسيح”.
من هنا فأن حديث اياد علاوي “78عاما” أحد اقدم العرابين لما أطلقوا عليه تسمية “العراق الجديد”، الذي ظهر بعد الاحتلال الأمريكي-الايراني للعراق عام 2003 وتحت مظلتهما، والذي قال قبل أيام  وهو طريح فراش المرض في احدى مستشفيات العاصمة الأردنية عمان، عن “صياغة” دستور عام  2005 النافذ في العراق، ما يؤكد مدى التضليل الذي تعرض ويتعرض له أهل العراق  باسم دستور لم يقرؤونه ولم يكتبونه “وهي عبارة أستعيرها من مقال نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية  عشية التصويت على دستور عام 2005 يوم 15 تشرين الأول من ذلك العام”. إذ قالت الصحيفة في حينها “بأن الشعب العراقي سيذهب غدا للتصويت على دستور لم يقرأوه ولم يكتبوه ولم يساهموا في مناقشة بنوده ولا يعرفون شيئا عن محتواه”.
ولعل ما قاله إياد علاوي في التاسع عشر من نيسان2002، لا يختلف عن ذلك الذي قالته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية في الرابع عشر من تشرين الأول عام 2005، أي قبل 17 عاما، اذ يذكر علاوي بأن الاحتلال الأمريكي هو من صاغ الدستور “الحالي”، وانه توفر في حينها في ثلاث نسخ تختلف عن بعضها في البنود، ما يظهر حجم الاملاءات الكبيرة من قبل الاحتلال الأمريكي على العملية السياسية في العراق، وفقا لعلاوي. والذي أكد أيضا أن السفير الأمريكي الأسبق في العراق زلماي خليل زاد “الافغاني الأصل والأمريكي الجنسية”، فرض شكل الدستور الحالي، والذي اشتركت الأحزاب والقوى التي تشكلت منها العملية السياسية والحكومات المتعاقبة التي ولدت من رحمها، في إخراجه كونه يناسب مصالحهم وتوجهاتهم، فالقرار كان يتلخص بتمريره “بأية طريقة” رغم الأخطاء القانونية الكثيرة فيه، وعدم توافق جميع شرائح الشعب العراقي عليه. فتمريره “بعد استفتاء مزور” من قبل الاحتلال الأمريكي وقوى العملية السياسية والحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 وحتى اليوم، قد حصل لكي يعطوا الدلالة للعالم بأن هذا الدستور كتب برغبة وطنية وشعبية عراقية، وليس حسب رغبات قوى وأحزاب معينة تدعي تمثيل هذا المكون او ذاك… فأي “مسخ” تم تبنيه على أنه مولود شرعي عراقي، وهو من “رحم وصلب غير عراقيين”… وأي دستور هذا الذي صدعت رؤوس العراقيين في الحديث عنه؟ وأي محرمات وخطوط حمر رسمت باسمه على العراقيين ودفعوا ويدفعون لأجلها دماء وارواح كثيرة؟
والحديث عن الدستور مازال فيه الكثير

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى