أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

الإهمال الحكومي والتغير المناخي يقضيان على بحيرة ساوة

لم يتبق من بحيرة ساوة سوى أراض رملية مغطاة بالملح الأبيض وبركة صغيرة تربط البحيرة بمنبعها من المياه الجوفية.

المثنى (العراق) – على أعتاب الصحراء في جنوب العراق، يغيب أي أثر لبحيرة ساوة باستثناء لافتة تدعو إلى “عدم صيد الأسماك”، في موقع شكّل في الماضي موئلًا للتنوع الحيوي لكنه استحال أرضًا قاحلة بسبب الأنشطة البشرية والتغير المناخي.

ولم يعد على ضفاف البحيرة اليوم سوى هياكل خرسانية لمبان كانت في تسعينات القرن العشرين فنادق وبنى تحتية سياحية تستقبل عائلات وأشخاصًا متزوجين حديثًا كانوا يقصدون المنطقة للنزهات أو السباحة.

لكنّ الوضع تغيّر تمامًا، إذ جفت بحيرة ساوة بالكامل وباتت ضفافها تغص بالمخلفات البلاستيكية والأكياس العالقة على شجيرات جافة على أطراف المنخفض، مع هيكلين حديديين أكلهما الصدأ لجسرين عائمين كانا يعلوان سطح البحيرة.

الجفاف يحول بحيرة ساوة إلى أرض قاحلة بعد أن كانت مقصدًا للزوار

ويرى ناشطون أنه “لو كانت الحكومة مهتمة بهذه القضية، لما اختفت البحيرة بهذه السرعة، هذا شيء غير منطقي”.

ويقول الناشط البيئي حسام صبحي (27 عاما) إن “هذا العام ولأول مرة في تاريخها، البحيرة اختفت تمامًا”، مشيرًا إلى أن “مساحة مياه البحيرة كانت في السنوات السابقة تتقلص خلال موسم الجفاف”.

لكن الآن، لم يتبق من البحيرة سوى أراض رملية مغطاة بالملح الأبيض وبركة صغيرة تسبح فيها أسماك فوق العين التي تربط البحيرة بمنبعها من المياه الجوفية.

وبدأ مستوى مياه بحيرة ساوة ينخفض تدريجا منذ عام 2014، حسب ما ذكر مدير البيئة في محافظة المثنى يوسف سوادي جبار.

وأشار هذا المسؤول إلى أسباب طبيعية تقف وراء جفاف البحيرة تتمثل بـ”التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في محافظة المثنى الصحراوية التي تعاني كثيرًا من الجفاف وشح الأمطار”.

والسبب الآخر من صنع البشر ويتمثل بالأبار الارتوازية فوق المياه الجوفية التي كانت تغذي البحيرة، والتي حُفرت لإقامة مشاريع صناعية قريبة تتعلق خصوصًا بالاسمنت والملح، ما حوّل البحيرة تاليًا إلى “أراض جرداء”، وفق المسؤول البيئي.

كما أعلنت الحكومة في بيان الجمعة، عن وجود أكثر من ألف بئر غير قانونية حُفرت لأغراض زراعية.

قد تكون بحيرة ساوة بحاجة إلى ما يشبه المعجزة لتعود إلى طبيعتها، إذ يتطلب الأمر إغلاق هذه الأبار غير القانونية وكذلك عودة الأمطار الغزيرة بعد ثلاث سنوات من الجفاف في بلد يُعد من أكثر خمس دول تضررًا من التغير المناخي في العالم.

ويرى مدير البيئة في محافظة المثنى أنه “من الصعب عودة البحيرة إلى واقعها القديم”.

وتخضع المنطقة منذ عام 2014 لاتفاقية “رامسار” الدولية الخاصة بحماية الأراضي الرطبة، حسب ما تشير لوحة كبيرة ثُبتت عند ضفاف أرض منخفضة كانت يومًا بحيرة.

لم يبق أي أثر لبحيرة ساوة سوى بعض اللوحات الدلالية

كما حذرت اللوحة ذاتها، من “ممارسة صيد الأسماك بأي شكل من الأشكال” بالإضافة إلى “عدم الاقتراب من العين المغذية للبحيرة بتاتًا”.

وذكرت المنظمة على موقعها الإلكتروني بأن التركيب “الكيميائي للمياه (في البحيرة) فريد من نوعه”، مشيرة إلى أنها “مسطح مائي مغلق في منطقة ملحية”.

وكانت ساوة المكونة من “صخور طينية معزولة بمادة جبسية” في الماضي موطنًا “للعديد من الأنواع النادرة من الطيور في العالم، مثل النسر الإمبراطوري الشرقي وطائر الحبار والبط البني”، وفقًا للتقرير ذاته.

والجفاف لا يقتصر على ساوة، فهذه حال كثير من المسطحات المائية في العراق جراء ارتفاع معدلات التصحر وشح المياه.

وتتناقل شبكات التواصل الاجتماعي باستمرار صورا لأراض جرداء ومناطق جافة خصوصًا في أهوار بلاد وادي الرافدين المدرجة على لائحة اليونسكو، بينها هور الحويزة (جنوب)، كذلك بحيرة الرزازة في محافظة كربلاء، وسط العراق.

وقدر البنك الدولي أنه في حالة عدم وجود سياسات مناسبة، قد يشهد العراق انخفاضًا بنسبة 20 في المئة في موارد المياه العذبة المتاحة بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

ويعزو مستشار وزارة الموارد المائية عون ذياب لوكالة الصحافة الفرنسية الجفاف في بحيرة ساوة بجزء منه إلى “النقص الحاد في كمية الأمطار”.

ويلفت إلى انخفاض معدل الأمطار في المنطقة القريبة للبحيرة إلى 30 بالمئة عن معدلاتها في السابق، الأمر الذي قطع التغذية عن المياه الجوفية التي تتعرض في الوقت عينه لعمليات سحب مستمرة بواسطة الأبار.

وتزامن كل ذلك مع “ارتفاع درجات الحرارة (ما أدى إلى) تفاقم ظاهرة تبخر” مياه البحيرة، وفقًا للمستشار.

وتحدث المسؤول عن إجراءات حكومية للحد من الاستنزاف المستمر للمياه الجوفية في عموم العراق، من خلال منع منح أي أجازة لحفر آبار جديدة في مناطق معينة، إضافة لغلق الأبار غير القانونية.

ويرتبط كثير من أهالي السماوة، التي تقع على بعد 25 كيلومترًا من البحيرة، بعلاقة قوية مع بحيرة ساوة، مثل لطيف دبيس البالغ 60 عامًا، الذي يعيش بين مسقط رأسه السماوة والسويد البلد الذي أنتقل اليه قبل ثلاثين عامًا.

ويعمل دبيس منذ عقد من الزمن في سبيل رفع الوعي البيئي في السماوة من خلال حملة تنظيف لضفاف نهر الفرات وتحويل حديقة منزله الواسعة إلى حديقة عامة.

ويستذكر دبيس الرحلات المدرسية والعطل أيام طفولته عندما كانت عائلته تذهب للسباحة في البحيرة.

ويرى هذا الناشط أنه “لو كانت الحكومة مهتمة بهذه القضية، لما اختفت البحيرة بهذه السرعة، هذا شيء غير منطقي”.

ويضيف بحزن “أنا رجل عمري 60 سنة عشت مع البحيرة، كنت أتوقع ان أموت قبلها لكن للأسف هي ماتت قبلي”.

 

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى