أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

الجفاف يضرب الأهوار ويهدد بإزالتها من قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي

الدور الإيراني والإهمال الحكومي يتسببان بكارثة بيئية في الأهوار تهدد الإنسان والنبات والحيوان.

ميسان – الرافدين

دق التحذير الذي أطلقه برنامج الأغذية العالمي في العراق التابع للأمم المتحدة، ناقوس الخطر في حال جفاف الأهوار، منبهًا من حصول تغيير بيئي ومناخي ينعكس سلبًا على سكانها ودول جوار العراق.

وقال ممثل البرنامج في العراق علي رضا قريشي إن دول الجوار إن كانت مهتمة بالحفاظ على بيئتها ومنع ظاهرة التصحر لديها، فيجب عليها الاهتمام بهذه البيئة والعوامل التي قد تؤثر في شح المياه فيها.

وأضاف قريشي أن المفاوضات بين العراق ودول الجوار بشأن المياه يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الاهتمام بالأهوار وزيادة الإطلاقات المائية التي تذهب باتجاهها.

وتابع أن سكان الأهوار الذين يعتمدون عليها في الحصول على سبل المعيشة أصبحوا في خطر محدق، كونهم ليسوا على دراية كافية بإجراءات الزراعة.

وتعد محافظة ميسان في جنوب العراق، حتى الآن أكثر المناطق تضررًا بالجفاف، حيث سُجل فيها 58 منطقة تضرر ونزوح.

شحة المياه تهدد حياة سكان الأهوار وتدفعهم إلى النزوح بحثًا عن أماكن أكثر ملاءمة للعيش

ويشكو السكان -وهم خليط من فلاحين مستقرين في أراض زراعية وصيادي أسماك ومربي جواميس يعيشون في الأهوار- من تدني مستويات المياه التي تصل إليهم، فضلًا عن رداءتها.

والأهوار مساحات مائية كبيرة تقع جنوبي العراق على الحدود مع إيران، وتزخر بطبيعة مميزة وتكونت حولها مجتمعات ريفية كبيرة على مدى التاريخ، وتستمد مياهها من الأمطار ونهري دجلة والفرات.

وكافح العراق طويلًا من أجل إدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي في 2016 في محاولة لضمان أكثر تدفق ممكن للمياه لحماية هذا الموقع الأثري من الاندثار، ولكن يبدو أن هذه المنطقة الموغلة في القدم باتت اليوم على حافة الموت.

وحذرت وزارة البيئة الحالية من جانبها من احتمالية إخراج هور الحويزة المائي الواقع في محافظة ميسان جنوبي البلاد من لائحة التراث العالمي، بعد 6 سنوات على إدراجه فيها، وذلك بسبب موجة الجفاف التي تضرب العراق.

وقالت مديرة الأهوار والإدارة المستدامة للنظم البيئية في الوزارة، نجلة الطائي، إنّ هور الحويزة قد يخرج من لائحة التراث العالمي التي دخلها عام 2016، مشيرة في حديث صحفي إلى أن ذلك “يعود إلى الجفاف الذي أصاب الهور بسبب نقص المياه نتيجة قطع المغذيات عنه، في حين أننا نريد أقل منسوب للمياه يمكنه الحفاظ على التنوع البيولوجي الموجود فيه”.

وأضافت “لا يمكن للعراق الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية ثم التخلي عنها بعد ذلك، إذ لديه مشاريع مُموّلة من قبل المنظمات الدولية بعد دخول تلك المناطق في لائحة التراث العالمي”، مشددة على “ضرورة وجود حلّ بعد التغيير المناخي الذي يعاني منه العراق، ومن ذلك المناطق الجنوبية والأهوار، من خلال إيجاد بدائل للمياه التي تصل إليها”.

ويقع هور الحويزة في محافظة ميسان وتحدّه من الشرق إيران، ويصبّ في الهور نهر الكرخة الذي يأتي من إيران، التي أنشئت على النهر سد الكرخة لتوليد الطاقة وتخزين المياه ويبلغ طول الهور 80 كيلومترا وعرضه 30 كيلو مترا مربعًا.

وقال الخبير البيئي أحمد صالح نعمة، إن العراق على أعتاب علاقة سيئة مع اليونسكو بعد الإنذارات التي وجهت له في الفترة الأخيرة، مبينًا أن العراق خسر مساحات شاسعة من الأراضي بسبب قلة المياه، إضافة إلى أن الأهوار الوسطى في محافظة ميسان وهي (العودة، البطاط، الصحين، الصيكل، الخمس) جفت تماماً.

ولفت نعمة إلى أن ما تبقى من الأهوار هو الحويزة، الذي ألزم العراق نفسه بتوفير الحد الأدنى من المياه له بعد دخوله إلى لائحة التراث العالمي، إلا أن ما يصل إليه في الوقت الحالي أقل من 12 مترًا مكعبًا بالثانية”.

وعام بعد عام، تزداد أزمة المياه سوءًا في العراق مع تراجع معدلات هطول الأمطار وتمدد الجفاف، إلى أن بات العراق البلد الخامس في العالم الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي بحسب الأمم المتحدة.

إدراج الأهوار على قائمة اليونسكو للتراث العالمي لم يوفر الحماية لها من خطر الجفاف

وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه في عام 2015، كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سنويًا، وتشير التوقعات إلى انخفاض تلك الكمية بحلول عام 2025، إلى 1750 مترًا مكعبًا، مما يهدد استقرار الزراعة والصناعة في البلاد على المدى البعيد، فضلًا عن تهديد صحة السكان.

وقللت وزارة الموارد المائية من أهمية جفاف هور الحويزة المدرج على قائمة اليونسكو، وعدته “جفافًا موسميًا”.

وقال المتحدث باسم الوزارة عون ذياب خلال حديث صحفي، إن “هور الحويزة تعرض للجفاف، كسائر جميع الأهوار التي يمكن أن تتعرض الى جفاف موسمي، وهو ليس شيئًا غريبًا، فقبل أن توجد سدود أو خزانات، كانت الأهوار تجف صيفًا وترفد بمياه إضافية شتاءًا”.

وأضاف ذياب، أن “هناك توجهًا للمحافظة على المناطق العميقة التي توجد في هذه الأهوار، مع إمكانية إدامتها، فلا يمكن حماية جميع المساحات الموجودة في الأهوار من الجفاف، لكن المناطق العميقة مثل بركة أم النعاج الموجودة في هور الحويزة تجب المحافظة عليها بشكل مستمر، ونحن الآن بصدد العمل على ذلك”.

وبين المهندس الاستشاري في منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي خلال حديث صحفي، أن “مياه الأهوار، هي في الحقيقة، داخلية وإقليمية في نفس الوقت، وخاصة هور الحويزة الذي يعتمد على مياه من جهات متعددة.

ويلفت الأسدي، إلى أن “قسمًا من المياه كان يفترض أن تأتي من إيران عبر نهر الكرخة ورامشير والتفرعات الأخرى للهضبة الإيرانية، لكن من المؤسف أن إيران منذ بداية العام 2019 أقامت وبشكل نهائي سدة ترابية قاطعة للمياه لأكثر من 64 كم وارتفاع ستة أمتار عن مستوى سطح البحر، كما أقامت ثلاثة سدود على نهر الكرخة، ما أدى إلى قطع المياه نهائيًا على العراق”.

ويستطرد أن “إيران غيرت أيضا مجرى نهر الكارون باتجاه نهر رامشير، الذي يوازي شط العرب وحرمت مياه شط العرب من أكثر من 200 متر مكعب من المياه سنويًا”.

سياسات إيران العدائية ساهمت بحرمان الأهوار من حصتها المائية الطبيعية

وتم تغيير مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسة في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر الأراضي الزراعية في محافظة البصرة.

ويقول وزير الموارد المائية العراقي، رشيد الحمداني “طلبنا مرارًا من إيران التعاون معنا وإعادة فتح المجاري المائية نحو العراق، على قاعدة مبدأ تقاسم الضرر ولكن للأسف، لم يستجب الإيرانيون”.

ويشير الحمداني إلى أن وزارته طالبت بـ “تنظيم اتفاقية فنية مائية مستقلة عن الاتفاقية السياسية المبرمة بين البلدين في العام 1975، لكنهم لم يستجيبوا لهذا أيضًا. ولذلك اتخذت الوزارة قرارًا بتدويل مشكلة المياه مع إيران ورفعها إلى المجتمع الدولي وإلى المحاكم الدولية”.

ويواجه العراق أسوأ أزمة بيئية يمر بها، مع تأثير الشح الشديد بالمياه والتغير المناخي على الأمن الغذائي للبلد والحياة اليومية لمزارعين وأهالي قرى عراقيين، التي تضاف إلى أزمات مزمنة أخرى يعانيها البلد.

التغير المناخي وشحة المياه يثقلان كاهل العراقيين ويفاقمان من همومهم المعيشية

ويتعرض العراق الذي عرف على مر التاريخ باسم بلاد النهرين لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات القادمة من دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة “رامسر” للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران، وأصبحت سارية المفعول في العام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.

واستنادًا لمرصد مؤشر التغير المناخي الدولي Climate Change Knowledge Portal  المعني بجمع معلومات تغير المناخ ومؤسسات مرتبطة بالبنك الدولي، فإنه من المتوقع أن تسجل البلاد ارتفاعًا بمعدلات درجات الحرارة بنسبة 2 درجة مئوية وتراجع آخر بمعدلات هطول الأمطار بنسبة 9% وذلك بحلول العام 2050.

وسيكون وقع ذلك أكثر صعوبة على مجتمعات متضررة تعتمد أساسًا في معيشتها على الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك عندما لا يكون هناك دعم وإسناد من الحكومة و من بين تلك المجتمعات الأكثر تضررًا من هذه الأوضاع هم سكان الأهوار.

وتُعد الجواميس إحدى أهم الثروات النادرة لسكان الأهوار، لكنهم باتوا اليوم على وشك فقدانها إلى الأبد. فبسبب الملوحة وارتفاع درجات الحرارة، نفقت أعداد كبيرة منها وبحسب آخر التقديرات الحكومية، فقد انخفض عدد الجواميس من 1.2 مليون رأس إلى أقل من 200 ألف رأس.

وقال المزارع رحيم داوود، وهو ينظر بشكل يائس الى قطيعه من الجاموس الذي أصابه المرض ونفق قسم منه بسبب ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه لموقع ذي ناشنال الاخباري: “لقد مرت بنا سنوات جفاف وقلة أمطار سابقًا ولكننا لم نشهد مثل هكذا ارتفاع بدرجات الحرارة وجفاف مثلما مر بنا هذا العام، إنها حالة استثنائية لم يسبق لها مثيل”.

وأضاف داوود قائلًا: “لكن الجفاف قلب حياتنا رأسًا على عقب، كنا نتنقل من مكان الى مكان آخر بحثا عن مياه عذبة وعشب لماشيتنا”.

وفقد المزارع داوود بسبب الجفاف وقلة العشب وارتفاع نسبة الملوحة لحد الان خمسة رؤوس من حيوان الجاموس.

نفوق جماعي للمواشي لاسيما الجاموس بسبب جفاف الأهوار

ويرى أستاذ الجغرافيا في جامعة ذي قار حسين الزيادي أن الجاموس ركن أساسي تستند إليه الحياة في الاهوار وعصفت به مشكلات كثيرة أدت إلى هجرة مربيه وترك موطنهم الأصلي فتناقصت أعداد الجواميس. وأحد أهم الأسباب شح المياه وقلة الأعلاف، وهذا يتأتى من الإهمال الحكومي.

ويكشف الزيادي أن المساحات التي تعرضت للجفاف منذ عام 1973 وحتى 2016 كبيرة جدًا، إذ فقدت ثلثي المساحة المائية فبعدما كانت المساحة المقدرة للأهوار تبلغ 19788 كيلومترًا مربعًا بلغت أخيرًا 6852 كيلومترًا مربعًا فقط، وهذا تراجع هائل في المساحة المائية، ودليل على حجم الجفاف الذي طالها.

وانعكس تقلص المساحات المغمورة بالمياه على تكاثر الجاموس وفقًا لتقديرات مسؤول منظمة “الجبايش” للسياحة البيئية رعد الأسدي إذ تبلغ أعداد الجواميس في الوقت الحالي قرابة 35 ألفًا، بعدما كان العدد يبلغ الضعف قبل ستة أعوام تقريبًا.

ويقول عمر الشيخلي المتخصص بعلوم الأحياء والمدير الفني لمنظمة المناخ الأخضر، إن “التلوث يضرب نوعية المياه التي تصبح غير صالحة لهذه الحيوانات ويضر بنمو النباتات الطبيعية التي تعد أعلافًا طبيعية للجاموس أيضًا”.

ويشاطره الرأي كريم حطاب، رئيس اتحاد فلاحي ميسان، بقوله “حتى الأسماك في الأهوار انتحرت والثروة الحيوانية انتهت، ولا توجد مياه كافية، فلماذا يبقى الفلاحون والصيادون في أرض ميتة؟ أغلبهم نزحوا إلى المدينة حيث لا يوجد عمل”.

الجفاف يحول الأهوار إلى بيئة طاردة للأسماك ومهنة الصيد

وبشكل عام، يعاني العراق ضعفًا في حزمة التشريعات والقوانين المتعلقة بالمياه أو صيانة البيئة، فهو لا يمتلك قانونًا وطنيًا لإدارة الموارد المائية أو الحفاظ عليها، على الرغم من وجود مسودة مشروع قانون مُعطلة منذ العام 2016.

ولأول مرة، وبدءًا من العام 2020، بدأت منظمة الهجرة الدولية التي تراقب وتتابع تنامي مصفوفة النزوح الداخلي في العراق بإنتاج مصفوفات رقمية وتقارير هجرة مستقلة خاصة بالنزوح على أساس التغير المناخي وندرة المياه، وخصوصًا في مناطق وسط وجنوب العراق.

وهكذا تأكد في العام 2019 نزوح 21.314 شخصًا من 9 محافظات وسطى وجنوبية بسبب شح المياه وارتفاع نسبة الملوحة وتفشي الأمراض المنقولة عبر المياه في 145 منطقة وقبل ذلك، رُصد نزوح 20.000 شخص من التجمعات الزراعية في العام 2012.

وترجع أسباب هذه الموجات من النزوح إلى انهيار المنظومة البيئية، وأزمة الجفاف التي تضرب مساحات واسعة من العراق والتي كانت آخر صورها اختفاء بحيرة ساوة في المثنى بعد جفافها حيث تشير التقديرات إلى تناقص مستوى تدفق المياه في أنهار العراق التاريخية بعد تراجعها إلى أقل من العُشر بعد أن سجلت في العام 1920 تدفقًا بمقدار 1.350 مترًا مكعبًا/ ثانية، لتصبح أقل من 150 مترًا مكعبًا/ ثانية في العام الماضي.

ويضع مؤشر الإجهاد المائي العراق عند مستويات الندرة الخطيرة، بمعدل 3.7 نقطة من إجمالي خمس نقاط (علما أن خمسة يشير إلى أقصى مستوى للندرة).

وسيصل هذا المؤشر في العام 2040 إلى 4.6، ما يعني جفافًا تامًا وشمسًا محرقة وبيئة سامة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى