أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

زعزعة استقرار المنطقة مستمر بعد الفشل في العراق وإطلاق يد إيران

باحثون: القمع المصحوب بتدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتدخّل الدولي في عدد من العواصم العربية، يفاقم العنف ويعيد شبح التطرّف.

إسطنبول- الرفدين

يجمع محللون سياسيون وباحثون متخصصون على أن الشرق الأوسط، لا يترقب سنوات من الاستقرار بسبب الأخطاء الأمريكية منذ احتلال العراق وإطلاق يد إيران في المنطقة للهيمنة على مقدرات دول الاقليم.

ويرون أن التدخلات العسكرية الغربية المتواصلة في الشرق الأوسط لم تجلب سوى الدمار والانقسام، وأن شعوب المنطقة هم الذين يستطيعون علاج هذا المرض وليس أولئك الذين طوروا هذا الفيروس التقسيمي.

واعتبرت الباحثة مهى يحيَ مديرة مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، أن الشرق الأوسط على المحك مجدّدًا، وإن المنظومة السلطوية الجديدة التي تسود اليوم غير مُقدّرٍ لها أن تنعم بالاستقرار. فعلى عكس ما اعتبره الكثير من الباحثين “السلطوية المستدامة” التي طبعت المنطقة في المرحلة السابقة لانتفاضات العام 2011، يُرجَّح أن يؤدي المزيج الراهن من القمع المحلّي، مصحوبًا بتدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتدخّل الدولي في عددٍ من العواصم العربية، إلى زعزعة استقرار المنطقة على نحو متزايد، وتفاقم العنف، وعودة شبح التطرّف.

فيما أعتبر سايمون جينكينز أحد أهم كتاب صحيفة الغارديان المتخصص بالمنطقة العربية، أن ما تشهده دول المنطقة هو “أفدح خطأ منذ ظهور الفاشية” بعد ان ساعدت السياسات الأمريكية والبريطانية في تقويض السياسة العلمانية في الشرق الأوسط بعد احتلال العراق، وأسهم الغرب في فتح باب الصراع الطائفي الذي يمزق المنطقة.

وكتبت جينكينز أنه “لا توجد فكرة أكثر إثارة للفزع من تقديم المزيد من السلاح للحرب الطائفية” في إشارة الى ما يجري في العراق وسوريا واليمن.

وقال إن الأنظمة الديكتاتورية التي تم اسقاطها عبر الجيوش والسلاح الأمريكي، كان لها أخطاء فادحة، ولكنها حالت بين تفشي الصراعات الطائفية في بلدانها.

ويشير الباحثون إلى أن السياسة الأمريكية والغربية في الحريق الهائل الذي اندلع في الشرق الأوسط تصب في القالب التقليدي للسياسة الاستعمارية “فرق تسد”، حيث تقوم القوات الأمريكية بقصف جماعة معارضة بينما تدعم أخرى، سواء في العراق أو سوريا واليمن.

وتواجه الحكومات السلطوية في الشرق الأوسط، التي نخرها الفساد وسوء الإدارة وأضنتها الأزمات الاقتصادية، صعوبات جمّة في تأمين المزايا الاجتماعية-الاقتصادية التي كانت تساعد في السابق على تهدئة شعوبها.

وباتت الجهات المسلحة، سواء أجهزة الأمن القومي أو الميليشيات المدعومة من إيران، تضطلع بأدوار سياسية واقتصادية أكبر من أي وقت مضى في الكثير من الدول. في وقت يعاني المواطنون العاديون الأمرّين تحت وطأة العنف المتزايد من جهة، والموارد المتضائلة من جهة أخرى، تمامًا كما كانت عليه الحال في دول عدّة قبل انطلاق انتفاضات العام 2011، وفي العراق وسورية قبل صعود داعش.

وكتبت مهى يحيَ “أصبح المواطنون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مخيّرين بين الحرية أو الاستقرار. ولكن على عكس الجيل السابق من القادة السلطويين العرب الذين كان يمكنهم على الأقل توزيع مزايا اقتصادية واجتماعية على مواطنيهم مقابل الحصول على الإذعان السياسي، إن الحكّام العرب الجدد لا يسعهم أن يعدوا مواطنيهم بتحقيق الازدهار أو الاستقرار. ففي ظل الرياح الاقتصادية العاتية الناجمة عن تفشّي وباء كوفيد-19 وعن الظروف غير المشجّعة على مستويَي الطاقة والمناخ في المدى البعيد، باتت الدول العربية عاجزة بشكل متزايد عن الوفاء بجانبها من الصفقة السلطوية”.

ويعاني لبنان والعراق ضائقتَين اقتصاديتَين شديدتَين، فيما تغرق ليبيا وسورية واليمن في مستنقع الحروب الأهلية وتُكابِد أزمات إنسانية خطيرة. وحتى الدول التي تنعم باستقرار نسبي، مثل مصر وتونس، تواجه مشاكل اقتصادية، فيما على دول الخليج التي كانت سابقًا بالغة الثراء، أن تستعدّ للتعامل مع قرب أفول حقبة النفط. ربما منح الغزو الروسي لأوكرانيا دول الخليج متنفّسًا مؤقّتًا، لكن أنظمتها الريعية ستُصبح غير مستدامة في نهاية المطاف.

ويترافق كل ذلك مع ارتفاع مستوى الدين العام نسبةً إلى الناتج المحلّي الإجمالي في جميع أرجاء المنطقة، في ظل تدنّي معدّلات ​​الإنفاق على الخدمات العامة.

في غضون ذلك، لم تتوانَ إيران عن توسيع نطاق نفوذها في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق ولبنان واليمن، فيما عمدت الصين وروسيا وتركيا ودول الخليج إلى تكثيف نشاطها في عدد من الدول الأكثر ضعفًا في المنطقة. وتُسهم هذه التوجهات تدريجيًا في إعادة نظام بشار الأسد إلى الحضن العربي.

وترى يحيَ التي سبق وان صدر لها “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن” ودراسة بعنوان “صيف الحراك المدني: الطوائف والمواطنون في لبنان والعراق” أن ما يجري حاليا أبعد من مسألة انتقام المنظومة القديمة. معتبرة أن عودة الأنظمة السلطوية في أرجاء الشرق الأوسط مرتبطة على نحو وثيق بالانكفاء الأميركي المتواصل في المنطقة والتحولات الجيوساسية الناجمة عن ذلك.

وساهم انبعاث المنظومة السلطوية القديمة من رمادها، من دون عودة الصفقة السلطوية الضمنية التي قامت عليها الأنظمة العربية في السابق، وتولّت الحكومات بموجبها تحقيق بعض النمو الاقتصادي مقابل تنازل المواطنين على مضض عن حرياتهم المدنية والسياسية. فاليوم، لا تزال الأنظمة السلطوية في مختلف أرجاء المنطقة تمارس القمع وتُمعِن في انتهاك حقوق الإنسان وتقويض القيم الديمقراطية، إنما من دون أن توفّر في المقابل فرص عمل أو منافع اقتصادية تُذكَر. وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط نتيجة الحرب في أوكرانيا يحسّن الآفاق الاقتصادية لبعض الحكومات السلطوية في الشرق الأوسط على المدى القريب، فإن الكثير من الأنظمة العربية لا تزال تعاني من التداعيات الناجمة عن وباء كوفيد-19 وتواجه ظروفًا اقتصادية معاكسة في المدى الطويل، ومن ضمنها أزمة مناخية مُحدقة ستضرب منطقة الشرق الأوسط أكثر من غيرها.

ولا يُمكن اعتبار أن هذه المنظومة السلطوية الجديدة ستُحقّق الاستقرار في العالم العربي، بل تُمثّل ترتيبات هشة قد تبدأ بالتداعي في المستقبل القريب.

يُشار إلى أن فك الارتباط الأميركي التدريجي في الشرق الأوسط فاقم الانزلاق الحاصل نحو السلطوية. فقد تخلّت واشنطن على مدى العقد الماضي عن مزاعم كانت تسعى إليها من قبل، مثل إحداث تحوّل ديمقراطي فيها، واستبدلتها بأولويات متواضعة أكثر تتمثّل في ضمان الاستقرار الإقليمي، ومنع إيران من حيازة أسلحة نووية، ومكافحة الإرهاب الذي من شأنه تهديد الأراضي الأميركية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى