أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدين

شيوعيو العراق كوميديا سياسية بدأت بالخضوع للاحتلال ثم التحالف مع الأحزاب الطائفية

الحزب الشيوعي العراقي يبحث عن صوته وسط الرثاثة السياسية القائمة عبر شعارات العلمانية وحقوق المرأة.

بغداد– تحول الحزب الشيوعي العراقي إلى مزحة كوميدية تاريخية بعد احتلال العراق عام 2003، ليس لأنه انشق على نفسه بقيادتين، بل لأنه قدم نفسه كخادم مطيع للإمبريالية الأمريكية المحتلة للعراق، الذي رفع ضدها الشعارات البراقة.

وانهارت فكرة “الوطنية الشيوعية” التي ينادي بها الحزب عبر تاريخه عندما شارك زعيمه آنذاك حميد مجيد موسى في مجلس الحكم المنحل الذي عينه الحاكم الأمريكي بول بريمر، ليكون أداة ليس فقط بيد المحتل الأمريكي، بل أحد هوامش الأحزاب الطائفية التي استحوذت على الحكم.

واستمر انهيار الحزب الشيوعي العراقي عندما تحالف مع التيار الصدري وشارك في قائمة انتخابية واحدة، قبل أن يقاطع الانتخابات الأخيرة، لتتحول “الشيوعية العراقية” إلى كوميديا سياسية تاريخية قل نظيرها في التناقض والازدواجية.

وكان الحزب الشيوعي العراق طرفًا فاعلًا مهمًا في في تاريخ العراق قبل أن يأفل نجمه. مع ذلك، يسعى الشيوعيون إلى استعادة أمجاد ماضيهم بدفاعهم عن حقوق المرأة والعلمانية في بلد يبقى “فصل المسجد عن الدولة” فيه مجرّد فكرة.

واحتفل أقدم حزب عراقي في ربيع 2022 بعيد تأسيسه الـ88 بحفل أقيم على ضفاف نهر دجلة في بغداد.

ورفعت الرايات الحمراء بشعار المنجل والمطرقة، بحضور المناصرين القليلين للحزب اليوم. فالحزب الشيوعي لم يعد يملك أي نائب في البرلمان بعد مقاطعته الانتخابات الأخيرة، في حين كان له نائبان في البرلمان السابق. أما عدد أعضائه، فقليل.

ويشكّل استقطاب المناصرين لهذا الحزب العلماني امتحانًا صعبًا ومعقدًا إذ إن عليه أن ينافس الأحزاب الكبرى التي تتخذ من الدين والطائفة هوية وعقيدة.

وترى المحللة السياسية مارسين الشمري أن “خطاب فصل المسجد عن الدولة لا يزال ضعيفًا في العراق”.

ويهيمن حزبان طائفيان كبيران على المشهد السياسي في هذا البلد. فمن جهة، هناك رجل الدين مقتدى الصدر وتياره، ومنافسوه في تحالف الإطار التنسيقي الذي يضمّ تشكيلات سياسية من الميليشيات الموالية لإيران.

أما السنة، فلديهم، كما الأكراد والمسيحيين والتركمان، أحزابهم الخاصة.

مقابل هذا الواقع، كان الحزب الشيوعي طرفًا مهمًا في محطات تاريخية عديدة في العراق. فبين عامي 1940 و1950، رفع الشيوعيون شعارات “العدالة الاجتماعية ومناهضة الامبريالية وإعطاء صوتٍ للمحرومين”، كما يوضح طارق إسماعيل، المحلل السياسي في جامعة كلغاري الكندية.

وكانت تلك المواضيع ذات وزن في العراق الذي كان قد نال استقلاله للتو ويصارع الفقر. وهذه الشعارات نفسها رفعها المتظاهرون المناهضون للنظام في تشرين الأول 2019.

في ستينات القرن العشرين، كان عدد أعضاء الحزب الشيوعي العراقي يبلغ نحو 15 ألف شخص، وكان وازنًا في كلّ المنعطفات التاريخية التي مرت بها البلاد. وكان دعمه لعبد الكريم قاسم أول رئيس للبلاد، في ثورة 14 تموز 1958 التي أسقطت الملكية، حازمًا.

ويضمّ الحزب حاليًا “بضعة آلاف” من الأعضاء، كما يشرح رئيسه رائد فهمي. وهدف الحزب حاليًا ليس الوصول إلى الحكم، بل طرح الأفكار وتحفيز النقاش حول العلمانية والعدالة الاجتماعية وحقوق النساء.

وهذا تحدٍّ كبير في بلد تهيمن فيه الذكورية والتقاليد العشائرية.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في بيان بمناسبة يوم المرأة العالمي إنه “على الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق المساواة والتكافؤ بين الجنسين، لا تزال هناك عوائق كبيرة في العراق”.

كذلك، لا تمثل النساء سوى 13 بالمئة من عدد السكان الناشطين مهنيًا في العراق، وهي واحدة من أدنى النسب في العالم، وفق البنك الدولي.

على الرغم من هذا الواقع، يرى رائد فهمي (71 عامًا) أن الأوضاع تتغير. ويقول من مكتب الحزب “بالنسبة لدور النساء، الأمر صعب لكن هناك تقدّمًا. نرى بعض الشباب الذين لديهم موقف أكثر انفتاحًا”.

وتؤيد زينب عزيز (53 عامًا)، هذه القضايا وتقول إنها قريبة من أفكار الحزب. وتقول إن “الأحزاب الدينية التي تسيطر على البلاد تجعل الحياة صعبة على النساء والشباب الذين يتوقون إلى الحرية”، مشددة على أن “الحزب الشيوعي هو أول من دافع عن المرأة”.

مع ذلك، فقد فوّت الشيوعيون فرصتهم الأولى. ففي تشرين الأول 2019 أثناء الحركة الاحتجاجية الواسعة ضد النظام التي تعرضت لقمع دموي من قبل ميليشيات الحشد الشعبي، ولم يتمكن الحزب الشيوعي العراقي الذي كان بإمكانه أن ينادي بشعارات العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، من إسماع صوته.

وترى مارسين الشمري أن “تلك كانت فرصة ضائعة للحزب الشيوعي الذي كان بإمكانه بسهولة البناء على الشعور المناهض للإسلامية الطائفية والخروج كبطل التقدمية والعلمانية”.

وأضافت أن الحزب يمثّل “الحرس القديم للمجتمع المدني وحركة تشرين”

واقع الحال أن قلة يجذبهم هذا الخطاب ويدخلون صفوف الحزب، لكن بحسب فهمي، فإن الحزب يستفيد من علاقاته مع النقابات والجمعيات وفي أوساط الطلاب. وهؤلاء ليسوا بالضرورة هدفًا سهلًا.

ويشكّل الشاب عبدالله غالب (22 عامًا) استثناءًا. فهو يعرّف عن نفسه بأنه شيوعي لأن “الفساد والبطالة منتشران في العراق” ويرى أن “الحزب الشيوعي يدعم الناس العاديين”.

 

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى