أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الحمى النزفية.. خطر داهم يهدد مدن العراق

توجس يسود محافظات عراقية خشية انتشار المرض المعدي، وسط مطالبات من الجهات الحكومية بتفعيل الرقابة الصحية على محال بيع اللحوم.

بغداد – الرافدين

سجلت وزارة الصحة الحالية في العراق 18 إصابة ووفاة 4 أشخاص بالحمى النزفية، إثر موجة للمرض اجتاحت محافظات عراقية عدة على مدى الأسبوعين الماضيين وفق تصريح للدكتور هيثم العبيدي مدير قسم تعزيز الصحة في دائرة الصحة العامة، وسط تحذيرات من تفشي المرض وتفاقم أعداد المصابين.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، في تصريح رسمي، إن “عدد الإصابات بمرض الحمى النزفية بلغ 18 إصابة في عموم العراق و4 وفيات”.

وأفاد بأن “الإصابات هذا العام متفرقة في عدد من المحافظات وأن ذي قار هي الأكثر إصابة بالمرض”.

ودعا البدر إلى “أخذ الحيطة والحذر، واتباع الإرشادات الوقائية التي تجنب الإصابة بهذا المرض الخطير”.

وأعلنت الوزارة، إرسال وفد رفيع إلى المدينة برئاسة مدير عام دائرة الصحة العامة، حيث تم اتخاذ عدة إجراءات بالتنسيق مع الحكومة المحلية في المحافظة والوزارات والجهات الأخرى.

ويشير أخصائيون إلى أن ذي قار سجلت منذ منتصف العام الماضي ثلاثين إصابة توفي من بينهم 10 أشخاص، وأطلقت الجهات المعنية في المحافظة حملة رقابية في أسواق بيع اللحوم الحمراء.

وذكر إعلام وزارة الصحة في بيان، أن “الفرق الرقابية الصحية في قطاع الناصرية الأول تواصل حملاتها الرقابية لمتابعة محلات القصابة وبيع اللحوم الحمراء الواقعة في أسواق وأحياء المدينة، للإشراف الميداني على توفر الشروط الصحية والوقائية اللازمة لصحة وسلامة المواطنين”.

وأكدت دائرة صحة محافظة ذي قار استمرار خلية الأزمة المُكوّنة من قبل المحافظ في العمل للسيطرة على المرض، فيما دعت لتدخل القوات الأمنية لتطبيق إجراءات العزل على المناطق المصابة.

وتسود محافظة ذي قار حالة من القلق والتوجس من انتشار المرض المعدي، وسط مطالبات من الجهات الحكومية بتفعيل الرقابة الصحية على محال بيع اللحوم، ومنع ظاهرة نحر المواشي بطرق بدائية وفي الأماكن العامة، مما يتسبب بتلويثها ونشر الأمراض.

وذكر طبيب بيطري في المحافظة أن “هذا المرض بدأ انتشاره العام الماضي، وسجلت المدينة عدة وفيات وإصابات، فضلًا عن مدن أخرى، لكن الغريب أن الإجراءات الرسمية من وزارة الصحة لم ترقَ إلى المستوى الوطني المطلوب في مواجهة هذا المرض، وتعزيز دوائر البيطريات بالمستلزمات الأساسية، وكذلك إطلاق فرق رقابية لمتابعة مواقع ذبح الحيوانات ومدى ملاءمتها لتوصيات السلامة”.

ويضيف الطبيب، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن “هذا المرض في بدايته غير خطير، لكن ربما لو انتشر بشكل أسرع فإنه سيصعب السيطرة عليه ومقاومته، خاصة مع غياب اللقاح اللازم له”، مشيرًا إلى أن “البنى التحتية الطبية في العراق غير جاهزة لمزيد من الضغط، فبالإضافة إلى مصابي فيروس كورونا سيصعب احتواء أي فيروس آخر، والمصابين به كذلك”.

والحمى النزفية، مرض فيروسي يصل معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة به، إلى 40 بالمائة من المصابين، وفق منظمة الصحة العالمية.

وينتقل الفيروس عن طريق الدواجن أو حيوانات الماشية إلى الإنسان، بينما ينتقل من إنسان إلى آخر بسبب الاتصال المباشر بدم الشخص المصاب أو إفرازاته أو أعضائه أو سوائل جسمه الأخرى.

وتشمل بعض أنواع الحمى النزفية الفيروسية؛ حمى الضنك وحمى الإيبولا وحمى لاسا وحمى ماربورغ والحمى الصفراء.

وذكر مصدر في مستشفى بيطري بمحافظة ذي قار، حدوث انتشار سريع وخطير وارتفاع في الإصابات لمرض الحمى النزفية في المدينة، فيما طالب بدعم مالي عاجل.

وقال مدير المستشفى عماد الخفاجي، إن “إمكانيات المستشفى البيطري محدودة لذلك طالبنا دائرة البيطرة في بغداد ومحافظ ذي قار بتوفير الدعم المادي لشراء مادة الدلتامثرين المكافحة لحشرة “القراد” الناقل الرئيس لفيروس الحمى النزفية للحيوان”.

وأضاف “دائرتنا تقوم بحملات الرش والتغطيس لمرتين بالسنة الواحدة وبشكل مجاني، لذا نحن بانتظار شراء هذه المادة لكي يقوم مستشفانا والمستوصفات التابعة لها بالحملة في عموم المحافظة”.

وقال مدير شعبة الوبائيات في قسم الصحة العامة بمحافظة ذي قار، حيدر حنتوش، إن الدائرة عملت على إجراء تحريات كاملة عن المصابين في مناطقهم بهدف البحث عن أي حالات مشتبه فيها بين أفراد العائلة، مشيرًا إلى أن السيطرة على المرض تكون عن طريق دوائر البيطرة من خلال معالجة حشرة “القراد”، وهو الوسيط الناقل للمرض، ورجح أن يكون سبب انتشار المرض جلب قطعان مواشٍ من دول الجوار، سواء أكانت قانونية أو غير قانونية، مبينًا أن هناك دولًا مجاورة للعراق مثل تركيا وإيران موبوءة بالمرض.

وتحوي محافظة ذي قار معظم حالات الإصابة في العراق حتى الآن، وتشتهر المحافظة بتربية قطعان الجاموس، لا سيما في أهوار المحافظة، حيث تقدر أعدادها بنحو 80 ألف رأس.

وكان مدير مركز الأمراض الانتقالية في العراق الدكتور صباح مهدي، قد بين في وقت سابق، أعراض مرض الحمى النزفية وكيفية الوقاية منه.

وقال الدكتور مهدي إن أعراض المرض، هي ارتفاع درجة الحرارة لدى المصاب، نحول عام، آلام في العضلات، غثيان وتقيؤ، ظهور البقع النزفية تحت الجلد وأماكن زرق الإبر وفي الفم والأنف بعد خمسة أيام من المرض، خصوصًا وأن المعدل العام لحضانة المرض من يوم واحد إلى 14 يومًا”.

وأضاف، أن أهم طرق الوقاية من المرض، “رش المنازل بالمبيدات الحشرية، تعقيم الدور، مراقبة الحالات المشكوك فيها وإحالتها على الفحص المبكر في أسرع وقت ممكن”.

وينتقل الفيروس عن طريق الدواجن أو الماشية إلى الإنسان، بينما ينتقل من إنسان إلى آخر؛ بسبب الاتصال المباشر بدم الشخص المصاب أو إفرازاته أو أعضائه أو سوائل جسمه الأخرى.

وبحسب وزارة الصحة الحالية، فإن “الأشخاص الأكثر إصابة بمرض الحمى النزفية هم مربو الماشية؛ كالأبقار والأغنام والماعز وغيرها، فضلًا عن العاملين في مجال الجزارة“.

وعلى الرغم من وجود قوانين عدة تنظم عملية ذبح الحيوانات في المجازر الخاصة بعد فحصها وختمها وتأكيد خلوها من الأمراض، فإن عملية الذبح العشوائية منتشرة في مناطق العراق كافة، وداخل الأحياء السكنية.

ويعزو أسباب انتشار المرض في جنوب البلاد للإهمال الحاصل لمناطق الأهوار والحقول الزراعية المحيطة بها، وكذلك الحال بالنسبة لغابات الموصل التي شهدت إصابة أحد المواطنين سنة 2018.

وكان العراق قد سجل 3 وفيات فقط نتيجة للحمى النزفية سنة 2018 في محافظتي واسط والموصل بعد غياب لأكثر من 8 سنوات.

ومع استمرار حالة القلق من تفشي المرض، أصدرت وزارة الزراعة العراقية، ليل الخميس، بيانًا أكدت فيه سيطرتها على بؤر مرض “الحمى النزفية”، وقال المتحدث باسم الوزارة، حميد النايف، إن “الدوائر البيطرية تواصل عملها في جميع المحافظات للحد من انتشار مرض الحمى النزفية، وأن وزير الزراعة وجّه بتجهيز كافة المستوصفات البيطرية في جميع المحافظات بالمبيدات الخاصة بمكافحة حشرة “القراد”، وهي الوسيط المسبب لمرض الحمى النزفية”.

وأضاف “تم التأكيد على استمرار حملات المكافحة المستمرة التي تقوم بها دوائر البيطرة في مكافحة وتغطيس الحيوانات ومكافحة الحظائر”، مؤكدًا أن “تلك الحملات حدّت من انتقال هذا المرض للإنسان، وأصبح الوضع تحت السيطرة تمامًا”.

ودعا مربي الحيوانات إلى “الالتزام بالإرشادات البيطرية الخاصة بخلو الحيوانات من القراد، فضلًا عن إخبار الجهات البيطرية عن وجود حشرة القراد، من أجل مكافحتها وإنهاء وجودها، والمحافظة على الثروة الحيوانية من أي أمراض قد تحدث مستقبلًا”، مشددًا على “المواطنين تطبيق الإجراءات الصحية، وشراء اللحوم من المجازر المرخصة قانونيًا، والإخبار عن أماكن تربية الحيوانات داخل منازل المواطنين والساحات في كافة المدن العراقية”.

وعلى الرغم من إعلان “السيطرة على المرض” إلا أن الأنباء التي ترد من المحافظات الجنوبية بالعراق، ما زالت تؤكد تسجيل حالات إصابة أو اشتباه بالمرض، إذ سجلت محافظة بابل أول حالة وفاة بالمرض مساء الجمعة عقب إعلانها الخميس عن تسجيل 3 إصابات، ومثلها في محافظة ذي قار التي تعد الأكثر تضررًا من المرض، وسط تشكيك بالأرقام المعلنة من قبل السلطات حول عدد الإصابات والوفيات نتيجة عدم إجراء مسوحات ميدانية بالقرى المصابة والاعتماد على من يصل إلى المستشفيات الحكومية منهم فقط.

في السياق ذاته، أعلنت عدة محافظات عراقية ومنها نينوى وكركوك وديالى والبصرة وواسط وميسان، وغيرها فضلًا عن محافظات شمال العراق إجراءات متسارعة للوقاية من المرض والحد من انتشاره.

وقال مدير صحة محافظة كركوك نبيل حمدي، إن “المحافظة ستشرع بحملة للوقاية من الحمى النزفية، لا سيما بعد ظهور حالات الإصابة بالمرض في محافظة ذي قار”.

وأعلنت وزارة الزراعة في حكومة كردستان العراق، في بيان لها، أنها “اتخذت إجراءات للحد من المرض، من بينها وجوب أن يكون ذبح الحيوانات في المجازر الرسمية بفحوصات وختم البيطرة الرسمي، وأن تجري عملية فحص الحيوانات قبل وبعد عملية الذبح، وفحص الملابس الخاصة والأدوات الخاصة بالذبح في المجازر الرسمية”.

من جهته، دعا عضو نقابة الأطباء العراقيين، سنان العلواني، إلى عدم الاطمئنان للمرض، والذي يحتاج إلى فترة لإنهائه، مؤكدًا، على “أن تكون هناك فترة بين إجراء المكافحة الشاملة، والتأكد من عدم تسجيل إصابات جديدة، للتحقق من انتهاء المرض والسيطرة عليه”.

وأضاف “قد تكون وزارة الزراعة حجمت من انتقال المرض، إلا أنه من الضروري جدًا استمرار الحملات الوقائية والمكافحة، والتشديد على منع الجزر العشوائي غير المرخص”، محملًا وزارة الزراعة والأجهزة الحكومية الأخرى، “مسؤولية استمرار تلك الإجراءات، وعدم التهاون بتطبيقها”.

تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد علاج لأنواع الحمى النزفية الفيروسية، لكن توجد لقاحات لعدد قليل منها لذلك، فيما تظل الوقاية أفضل وسيلة لمواجهته إلى أن يكتشف العلماء لقاحات إضافية لها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى