أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

هل اقتربت الحرب النووية؟

يبدو العالم أقرب من أي وقت مضى للدخول في حرب عالمية باستخدام السلاح النووي. هذا ما تشئ به الاخبار والتصريحات وتشير اليه التقديرات المتداولة حول التطورات المحتملة للحرب الجارية على الارض الاوكرانية.
واذ يظهر على سطح الاحداث ان الروس هم من سيبادرون الى استخدام هذا السلاح المدمر للحياة الانسانية والحضارات ولإمكانية العيش على الارض، باعتبارهم من هدد باستخدام هذا السلاح، ومن اندفع من الاصل لخوض الحرب على اوكرانيا، فيمكن القول ايضا، ان من يدفع لاستخدامه وربما من سيكون المبادر هو الولايات المتحدة وبريطانيا، باعتبارهما من يقومان بدفع التهديد الجاري في الحرب الاوكرانية الى درجة التهديد الوجودي لروسيا، وباعتبار ان الولايات المتحدة اول من استخدم هذا السلاح في نهاية الحرب العالمية الثانية، لتحقيق اهداف استراتيجية تتعلق بدورها الاستعماري المستقبلي في السيطرة على اسيا، لأهداف عسكرية تتعلق بهزيمة اليابان.

غير ان المتأمل لما يجري، يدرك ان كل التهديدات وخط سير الحركة والتصريحات والاستعدادات الجارية حتى الآن، ورغم انها تشئ بان الاوضاع وصلت مرحلة الخطر وباتت تهدد باندلاع حرب نووية، الا انها لم تخرج في مجموعها عن فكرة الردع المعتمدة في التعامل مع استخدام السلاح النووي.
فما يجري، ما هو مؤكد حتى الان، أن حالة ونموذج الحربين العالميتين الاولى والثانية لن تكون النموذج المعتمد في الحرب بين الناتو وروسيا. ستكون الحرب بين روسيا وحلف الأطلنطي -إن وقعت- حربا نووية.
لن يكون هناك مسارح قتالية برية ممتدة ومتمددة عبر القارات. ولن نشهد تدحرج كره لهب الحرب من حرب موضعيه في هذا البلد الى البلدان الأخرى، لتصبح حربا عالمية تشمل اراضي اوروبا وتمتد لقارات اخرى، تستخدم فيها المدفعية والطائرات والدبابات ويجرى خلالها غزو متبادل للأرض وتستمر لسنوات كما كانت الحربين العالميتين الاولى والثانية.
ذلك أن روسيا لا تستطيع خوض مثل تلك الحرب، في ظل التوازنات الاستراتيجية الراهنة، إذ النتيجة محسومة بهزيمتها وانتصار الأطلنطي، وذلك ما يدفعها لتكرار التهديد باستخدام السلاح النووي للردع.
والحال نفسه بشأن الحرب بين الصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة اخرى.
مع اختلال توازن القوى التقليدية لمصلحة الأطلنطي على حساب روسيا، ومع اختلال توازن القوى التقليدية لمصلحة امريكا وحلفائها في اسيا، على حساب الصين، لن يكون هناك بديل امام روسيا والصين عن استخدام السلاح النووي.
لكن الحرب النووية هي الاخرى لا تزال مستبعدة، اذ لا فائز فيها ولا نجاة لأي طرف يدخلها من التدمير الشامل، إذ هي حرب صفرية. ولذلك فما يجري –حتى الان- من التلويح والتهديد لا يخرج عن القاعدة المعتمدة بان السلاح النووي هو سلاح ردع وليس سلاحا يمكن استخدامه.
لقد خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليعلن اصداره امرا برفع درجة الاستعداد للأسلحة النووية في بداية احتلال اوكرانيا. وفى ذلك اشاره خطر، لكن على الأغلب انه استهدف ردع الولايات المتحدة والأطلنطي من التدخل المباشر في الحرب. استهدف بوتين تحديد إطار المعركة وتضييق مساحة توسعها لتبقى بين روسيا واوكرانيا بما يضمن له النصر.
رسالة بوتين كانت واضحة: لن تدخل روسيا في حرب برية وجوية مع حلف الناتو وهى تدرك انها ستخسر مثل تلك الحرب، ولن يكون امامها سوى استخدام سلاحها النووي.
واذ خرج وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، ليؤكد ان التهديد جدي. وان كان في ذلك اشارة خطر، بان روسيا لا تهدد في الفراغ او لمجرد التهديد، فيمكن القول بانه شدد على جدية التهديد، سعيا لدفع المتهورين على الطرف الاخر لضبط لغتهم التحريضية. جاء تصريح لافروف لمواجهة تنامى الحديث عن نقل المعركة الى الارض الروسية –وفق تصريحات بريطانية رسمية- ولمواجهة دعوات تزويد اوكرانيا بأسلحة هجومية، وللرد على التصريحات الأمريكية عن اضعاف روسيا، كما ورد على لسان وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته للعاصمة الأوكرانية كييف. رسالة لافروف أن روسيا لن تقبل بالانجرار الى معركة استنزاف تتوسع وتتطور عبر الوقت الى حرب على الأرض الروسية. وأن روسيا سترد باستخدام السلاح النووي.
وضمن هذا الإطار، يمكن فهم ما قاله الرئيس الروسي من ان القرارات اتخذت بشأن استخدام السلاح النووي، وفهم ما جرى من تجربة إطلاق صاروخ سارمات. بوتين يبلغ الخصم بما هو مقدم عليه حتى لا يخطئ الحسابات. ويقول للغرب ان لا مهرب من الإبادة الشاملة.
لكن كل ذلك لا يعني ان احتمال اندلاع تلك الحرب غائب عن الواقع. العالم بالفعل على شفى الحرب النووية، اذ تتوفر عوامل موضوعية يمكن ان تنقل الأطراف من الانتقال من الردع الى استخدام الأسلحة النووية. لقد صارت المهددات وجودية وتتعلق بتغيير النظام الدولي وانهاء الهيمنة الغربية.
قال بوتين ما فائدة العالم بدون روسيا. وتتحدث روسيا عن تغيير النظام الدولي. وتتحدث الولايات المتحدة وبريطانيا عن تقويض روسيا وتتحدث بريطانيا عن تمدد الحرب الى الارض الروسية وعن أن روسيا تمثل تهديدا للنظام الدولي القائم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى