أخبار الرافدين
تقارير الرافديندولية

هل تعلّم حلفاء واشنطن الدرس من فشل احتلال العراق والتساهل الأمريكي مع إيران

الباحث الأمريكي جون الترمان: لا مبالاة الشرق الاوسط تجاه أوكرانيا تحذير لأمريكا.

واشنطن – يرى الباحث الأمريكي جون الترمان أنه قد مر الآن أكثر من شهرين على ما ظهر من تضامن دولي بالنسبة للغزو الروسي لأوكرانيا، عندما صوتت أكثر من 140 دولة لصالح قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو لإنهاء الهجوم الروسي، مع امتناع 35 دولة عن التصويت. وقد يعتقد أي مراقب عادي أن ذلك التصويت كان دليلا على أن النظام الدولي القائم على القواعد والذي تعززه الولايات المتحدة منذ 75 عاما ما زال حيا وعلى ما يرام.

ويقول الترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في مقال نشره المركز إن أزمة أوكرانيا، في الواقع، تحذير واضح تماما بأن استثمارات الولايات المتحدة في النظام الدولي لم تسفر عن نفع كثير. فقد أنفقت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات وضحت بأكثر من مئة ألف من جنودها، ولكن بالنسبة لكثير من دول العالم، يتم حساب أي قرار لدعم الولايات المتحدة أو بعض مظاهر القانون الدولي على أساس قيمته الحالية. فالدعم الدولي للعقوبات لا يوجد تقريبا خارج أوروبا وشمال شرق آسيا، وخارج تلك المناطق لا توجد أي رغبة في أي عمل آخر للتأثير على تصرفات روسيا.

ويؤكد الترمان أن هذا الأمر واضح في الشرق الأوسط أكثر من أي مكان آخر. فالولايات المتحدة لها عدد قليل من الحلفاء الرسميين في الشرق الوسط.

وكان التهديد السوفيتي المتصور وراء الجهود الأمريكية المبكرة لارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة، حيث سعت لعرقلة الجهود السوفيتية للوصول إلى احتياطيات النفط وحرمان الاتحاد السوفيتي من أن امتلاك ميناء في المنطقة.

ومع تفكك الاتحاد السوفيتي، تحول قدر كبير من التركيز الأمريكي على المزيد من الجهد العام لتعزيز الاستقرار. وكان تأمين تدفقات الطاقة العالمية، وردع إيران، وحماية الدول المجاورة هو أحد جانبي المعادلة؛ وكانت حماية حكومات المنطقة من تهديدات الإرهاب العابر للدول والذي له جذور في مجتمعاتها هو الجانب الآخر.

ويضيف الترمان أن الجهد الأمريكي الدائم كان هدفه هو تغليف المنطقة في نظام قائم على القواعد تقوده الولايات المتحدة.

وطوال عقود، كرست الولايات المتحدة المال والدماء لتحقيق ذلك الهدف. ومع ذلك، فإنه وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يرى شركاء أمريكا في الشرق الأوسط اهتماما كبيرا بتعزيز النظام القائم على القواعد الذي بررت به الولايات المتحدة

جهودها في المنطقة. وبدلا من ذلك، يتجنب شركاء أمريكا الانحياز لأي جانب في أي تنافس بين الدول العظمى، مدعين بأن مصالحهم الاقتصادية والأمنية مع روسيا تحول دون تحالفهم مع الولايات المتحدة.

ويقول البعض إن هذا هو نتيجة ما قامت به الولايات المتحدة في حرب العراق والذي لم يهتم كثيرا بالمشروعية، بينما يقول آخرون إنه نتيجة لنهج إدارة جو بايدن المفترض أنه متساهل تجاه إيران، أو نتيجة لموقفه الذي تحوم حوله الشكوك بالنسبة لحقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، فإنه من المرجح كثيرا أن ذلك يعكس الاعتقاد بأن الولايات المتحدة أصبحت قوة منحسرة في المنطقة.

وبهذه الطريقة، تتطلب الأدوار المتغيرة بين القوى الخارجية تبني دول المنطقة استراتيجية تَحَوُّط أكثر دقة. فالحكومات تشعر أن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها رغم كل شيء، وأن أساس أي التزام أمريكي دائم لا يعتمد على كيفية تصرفها تجاه روسيا. ويمكن رؤية مواقف مماثلة في الجنوب العالمي.

ويقول الترمان إنه يتعين أن يدق جرس الإنذار بالنسبة لواضعي السياسة الأمريكيين. ففكرة أن هناك دعما واسع النطاق لنظام قائم على القواعد تقوده الولايات المتحدة تكمن في جوهر كيفية رؤية الولايات المتحدة نفسها تواجه تحديا جديدا من جانب الصين. ومع ذلك، فإنه بالنسبة لمعظم دول العالم، بما في ذلك الدول وثيقة الصلة بالولايات المتحدة منذ عقود، يبدو الحفاظ على حكم القانون في أوكرانيا أمرا لا يعنيها كثيرا. فهي سوف تسعى لتدعيم علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة، لكنها ليست مهتمة بالانحياز لأي طرف في صراعات القوى العظمى، وتشعر بأنه ليست هناك حاجة لذلك.

ومن المهم القول إن الصين نوع مختلف تماما كقوة عظمى، ونوع مختلف كمنافس عما هو الحال بالنسبة لروسيا. فالعلاقات الاقتصادية الصينية مع معظم دول العالم- بما في ذلك الولايات المتحدة- تُقزِم علاقات تلك الدول مع روسيا. وبالنسبة لاستثناءات قليلة في شمال شرق آسيا، يبدو أن الخوف من التعرض لتهديد روسي مماثل وليس الترابط مع الولايات المتحدة هو أفضل تفسير لوقوفها ضد العدوان الروسي. وكلما كانت الدول أكثر بعدا من روسيا، كلما قل اهتمامها.

ويقول الترمان إن هذا يثير تساؤلا مهما للغاية وهو هل هناك ما يدعو للاعتقاد بأن العالم سيقف إلى جانب الولايات المتحدة في أي صراع مستقبلي مع الصين؟

ويرى الترمان أن اللامبالاة العالمية تجاه تصرفات روسيا في أوكرانيا تمثل انتصارا للدبلوماسية الصينية، التي ترى أنه ليست هناك حاجة لأن تختار الدول بين العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة وبين منافسيها من القوى العظمى.

ومن المحتمل أن يكون تفكير الولايات المتحدة بأن 75 عاما من القيادة العالمية سوف توفر لها ميزة في أي مواجهة مع الصين، تفكيرا خاطئا، إذا اعتبرنا مواقف دول الشرق الأوسط تجاه أوكرانيا مؤشرا على ذلك. وما زالت قوة النيران والقوة الاقتصادية مهمة في المعركة، ولكن من المحتمل أنه حتى بعض أقرب أصدقاء أمريكا سيظلون بعيدا عن أي صراع.

 

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى