أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

انهيار القضاء في العراق تحت وطأة التهديد وتشكيل لجان تحقيق تطمس الحقيقة

السلطة القضائية في العراق متهمة بالتستر على الفاسدين وشريكة بتمرير الصفقات السياسية وإغلاق القضايا الكبرى.

بغداد – الرافدين

أثار التأجيل المتكرر لمحاكمة المتورطين بتنفيذ مجزرة جسر الزيتون جملة من التساؤلات حول استقلالية القضاء في العراق ودوره في التستر على مثل هذه القضايا التي ينتظر الرأي العام موقفًا حازمًا تجاهها.

وجاء تأجيل محاكمة الفريق جميل الشمري والرائد عمر نزار وعدد من الضباط الآخرين المتهمين بتنفيذ المجزرة التي راح ضحيتها نحو 70 متظاهرًا في الثامن والعشرين من تشرين الثاني عام 2019 متزامنًا مع تأجيل القضاء لمحاكمة المتهم بقتل المستشار السابق لحكومة مصطفى الكاظمي، هشام الهاشمي للمرة الثالثة بسبب تعذر إحضاره وسط شكوك حول مغادرته البلاد.

ومنذ ذلك الحين، لم تقدم السلطات أي توضيح رسمي عن سبب التأجيل على مدى أكثر من خمسين يومًا، حتى جاءت الجلسة الأخيرة يوم الثلاثاء الماضي التي لم تأت بأي جديد، إذ صدر قرار بتأجيل المرافعة إلى أجل غير مسمى، وبذات المبرر”أي لتعذر حضور المتهم أحمد الكناني المنتسب في وزارة الداخلية الحالية”.

ويعيد هذا التسويف للأذهان ما جرى مع القيادي بميليشيا الحشد قاسم مصلح في شهر أيار من العام 2021، حينما اعتقلته القوات الحكومية بتهمة الوقوف وراء عمليات قتل ناشطين مدنيين في النجف، من بينهم الناشط إيهاب الوزني.

ودفع هذا الأمر يومها عناصر الميليشيات الولائية إلى محاصرة المنطقة الخضراء، ملوحين باقتحامها في حال عدم إطلاق سراح مصلح، وهو ما اضطرت الحكومة للاستجابة له لاحقًا.

اتهامات للسلطة القضائية باللجوء إلى تأجيل محاكمة المجرمين لتسويف قضاياهم

وأعربت عائلة الشهيد الناشط الكربلائي إيهاب الوزني عن خيبة أملها نتيجة عدم الوصول لنتائج حقيقية بشأن اغتيال ابنهم على الرغم من مرور عام على الحادثة.

واستنكر ذوو الوزني عدم جدية الجهات الحكومية والأمنية والقضائية في الكشف عن قتلة الناشط إيهاب الوزني.

كما استنكر ناشطون ظهور القيادي بميليشيا الحشد قاسم مصلح برفقة رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي خلال زيارة الأخير لمقار ميليشيا الحشد في محافظة الأنبار، مؤكدين أن إطلاق سراح مصلح المتهم بقتل إيهاب الوزني غير قانوني وتم وفق صفقة حزبية.

وبرر مجلس القضاء الأعلى إطلاق سراح مصلح بالقول إنه “لم يقدم أي دليل ضد” مصلح في جريمة قتل إيهاب الوزني، لا سيما وأنه “أثبت بموجب معلومات جواز السفر أنه كان خارج العراق عند اغتيال الوزني”، مضيفًا أن “محكمة التحقيق لم تجد أي دليل يثبت تورطه في تلك الجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر لذا جرى الإفراج عنه”.

من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي، عماد حامد في تصريح صحفي إن “الإفراج عن مصلح بحجة عدم كفاية الأدلة كان مثار استغراب، فكيف يجري اعتقاله وفق المادة 4 إرهاب من دون توفر أدلة على تورطه في قتل الناشطين، أو أي جريمة لها علاقة بالإرهاب؟”.

ويتفق مع هذا الرأي الباحث في وحدة الدراسات السياسية الإستراتيجية راسام، حاتم الفلاحي، أن “إطلاق سراح مصلح يبين مدى ضعف الحكومة ومؤسساتها الرسمية، ويبين بأن الكلمة للسلاح وليس للقانون والقضاء المسيس”.

وكتب الفلاحي على حسابه في تويتر “إذا كان الاحتكام للقضاء فلماذا جرى تطويق المنطقة الخضراء ومقرات حكومية بما فيها تهديد رئيس الوزراء؟ كما أن تصريح مصدر حكومي حول ضغوطات تعرض لها القضاء فيما يخص إطلاق سراح مصلح لا يعفي الكاظمي من المسؤولية، ولا يعفي القضاء أيضا الذي هيمنت وسيطرت عليه ميليشيات تعمل فوق القانون”.

القضاء يفرج عن قاسم مصلح على الرغم من اعتقاله وفقًا للمادة 4 إرهاب

وتحاول الحكومة دائما الهروب إلى الأمام من خلال تشكيل لجان تحقيقية في الأحداث التي تثير الرأي العام دون أن تقدم تلك اللجان نتائج تذكر فيما بعد بتنسيق مع القضاء الذي يكون شريكًا في طمس الحقيقة وفقًا لمراقبين.

ويشير تقرير صادر عن قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، إلى أن لجان التحقيق في العراق تعد أداة من أدوات الفساد وطمس الحقيقة.

ويذكر التقرير أنه منذ 2003؛ لم يُحَل إلى القضاء في العراق أحد من مرتكبي الانتهاكات أو المتورطين بملفات الفساد من العملية السياسية، وإذا شكلت لجنة للتحقيق بشأن جريمة نكراء أو قضية فساد كبرى ارتكبها هؤلاء، فإنها تكون عملية صورية لامتصاص النقمة الشعبية.

ولا تقتصر المساومات السياسية على إعطاء صك الغفران للقتلة والجناة المتورطين بسفك دماء المتظاهرين كما يقول مراقبون، بل تتعدى ذلك لتشمل تجار المخدرات الذين يمكن لهم الخروج من السجن مقابل صفقة فساد مالي.

وسبق وأن أفرج عن جواد الياسري نجل محافظ النجف المستقيل لؤي الياسري الذي ضبط متلبسًا بالاتجار بالمخدرات عام 2018، بعد عفو خاص أصدره الرئيس برهم صالح، إثر مساومة سياسية مع أبيه قضت بالتخلي عن منصبه مقابل العفو عن ابنه بمرسوم جمهوري قبل أن يذهب منصب المحافظ إلى ماجد الوائلي المنتمي للتيار الصدري.

وعلى الرغم من تراجع الرئيس الحالي برهم صالح عن قرار العفو في سابقة هي الأولى من نوعها وإلقاء اللوم على موظفين أدنى منه للخروج من هذا المأزق إلا أن هذا التراجع لم يعد مجديًا بعد هروب نجل لؤي الياسري إلى خارج العراق.

ويثير القانون الخاص بجرائم الإرهاب في العراق، الصادر عن الجمعية الوطنية العراقية غير المنتخبة عام 2005، جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية، المحلية والأممية، لا سيما في ظل تقارير متفاوتة وثقت وقوع شخصيات عديدة، لم تتورط في أية أنشطة تتصل بالعنف أو “الإرهاب”، تحت وطأة هذا القانون إذ خضع بعضهم للسجن، بينما البعض الآخر للإعدام، بحسب ما تنص عليه تشريعات هذا القانون.

وبحسب تقارير حقوقية أممية؛ فإن آلاف الضحايا تعرضوا للقمع بسبب هذا القانون، الذي يضم ست مواد تخص قضايا الإرهاب، جرى استخدامها من جانب الميليشيات الولائية، ضد الصحفيين والحقوقيين المعارضين لنشاطها السياسي والميداني، وذلك على مدار نحو 17 عامًا، منذ تاريخ صدور القانون، بدعوى وقوع العراق في حالة من الانفلات والسيولة الأمنية.

ويشير مركز جنيف الدولي للعدالة، إلى أن الحكومة العراقية “لا تتوانى البتة في تبرير عمليات الإعدام، رسميًا، بحجة مكافحة الإرهاب حيث تفتقر نصوص القانون إلى وضوح كامل، وهو عرضة إلى تفسيرات تستند غالبًا إلى المبررات غير القانونية، بل الشخصية والمسيسة، كما لا تنسجم كثيرا مع الأفعال التي يمكن أن تفرض عقوبة الإعدام عليها، مع تعريف أشد الجرائم خطورة”.

القضاء متهم بإصدار أحكام إعدام خلال فترة وجيزة في مخالفة للسياقات القانونية

ووثق مرصد “أفاد” الحقوقي، المختص بمتابعة القضايا الحقوقية، وأوضاع المسجونين العراقيين، مجموعة من الشهادات التي ترصد التجاوزات غير القانونية بحق المواطنين، وذلك عبر إفادات مباشرة من معتقلين سابقين، أو من ذويهم إذ نشر عبر الصفحة الرسمية له في موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك مقطع فيديو لسيدة تروي أنه تم “اعتقال ابنيها عام 2011، ولم يفرج عنهما، كما لم توجه ضدهما أية قضايا أو تهم بيد أنه في عام 2015، حكم عليهما بالإعدام دون سند قانوني”.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن عدد السجناء لا يتجاوز 35 ألف معتقل، في حين أن مركز أفاد الحقوقي يؤكد أنّ حصيلة المعتقلين، المتواجدين في سجون العراق التابعة للحشد الشعبي، ولوزارتي الدفاع والداخلية، يبلغ نحو 70 ألف سجين، فضلًا عن آلاف المختطفين، والمفقودين، والمغيبين بصورة قسرية.

وينفي رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان وجود “تسهيلات وتسويات جنائية للهاربين خارج العراق من المطلوبين بقضايا الإرهاب أو الفساد، وأن هذه التهم تسقط لمجرد حضورهم واستخدام المحاكمه الجزائية نفس أدلة الاثبات”.

ويرى رئيس المركز الوطني للبحوث والدراسات المحامي كامل الحساني ثغرة في ذلك ويتساءل: لماذا إذن يحاكم المطلوبون الهاربون إبتداءًا إذا كانت المحاكمه الجزائية تستخدم بالحكم الحضوري نفس دليل الاثبات بالحكم الغيابي؟”.

ويضيف الحساني أن فائق زيدان يهيمن على السلطة القضائية في العراق ويتحكم في جميع القرارات.

ويتهم القضاء في العراق بالازدواجية والكيل بمكيالين فهو يسارع لإصدار أشد العقوبات ضد المواطنين والمتظاهرين على الرغم من افتقار الأدلة في كثير من الأحيان بينما يغض الطرف عن الأدلة الدامغة في كثير من الجرائم المكتملة الأركان لمتنفذين وزعماء ميليشيات.

وينطبق هذا الرأي على الحكم الذي قضت به محكمة الجنايات في محافظة واسط، ضد 4 متظاهرين أدينوا بحادثة قتل أحد الضباط خلال تظاهرات ثورة تشرين 2019 على الرغم من تأكيد ذويهم بأن اعترافاتهم بشأن الحادثة قد انتزعت تحت وطأة التعذيب.

ويؤكد الحكم الصادر من محكمة السماوة في المثنى بالسجن عامًا واحدًا على طفل سرق علبة مناديل ذات الرأي، في وقت يحكم فيه هذا القضاء على وزير البلديات والأشغال العامة الأسبق لمدة عامين بسبب هدر وسرقة مبلغ بقيمة 25 مليون دولار في عام 2007.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى