أخبار الرافدين
طلعت رميح

ولحق لبنان بالعراق. للمرة الأولى!

دخل لبنان إلى مرحلة الشلل التام للسلطة، وانفتحت كل الأبواب على ممارسة العنف في الشارع. ولن يندهش أحد إذا عادت الاغتيالات إلى لبنان قريبًا.

أرقام نتائج الانتخابات البرلمانية، تقول إن الميليشيات الإيرانية المسلحة، تلقت ضربة موجعة وخطرة. ولاشك أن اللبنانيين الذين خبروا رد الميليشيات الإيرانية على تراجع شعبيتها من قبل، يتوقعون الآن أن تمنع استكمال هياكل السلطة عبر إشاعة الفوضى والاقتتال في الشوارع، وصولًا لارتكاب جرائم الاغتيال ضد القادة السياسيين للطوائف والأحزاب الأخرى.

جميع من في الداخل والخارج يترقب ما سيجري وكأنهم يرون أحداثًا سبق أن عايشوها.

أهم دلالات نتائج تلك الانتخابات البرلمانية، فقدان الميليشيات ومن يتعاونون معها الأغلبية النيابية. لم تحصل الميليشيات والمتعاونون معها إلا على أقل من نصف عضوية مجلس النواب. وإن حافظت على تمثيلها الطائفي المعتاد، إلا أنها فقدت نفوذها في التمدد، أو قل اختراق الطوائف والمجموعات السكانية الأخرى.

أسقط اللبنانيون في هذه الانتخابات كل من تحالف تأريخيًا مع تلك الميليشيات الإيرانية المسلحة، من قيادات الطوائف الأخرى. وهو أمر طبيعي بعد أن اكتشف اللبنانيون أن هؤلاء يستخدمون تمثيلهم الطائفي لتمرير أجندات إستراتيجية الهيمنة الإيرانية على المنطقة.

لم يعد للميليشيات، تمدد داخل تمثيل السنة والمسيحيين. كما أظهرت نتائج الانتخابات. وانحسر تمثيل حليفها الأبرز مسيحيًا “التيار الوطني الحر” في البرلمان لمصلحة الخصم اللدود لتلك الميليشيات حزب القوات اللبنانية.

وهكذا، فمن الآن لم يعد ممكنًا لتلك الميليشيات الادعاء بأنها تتمتع بالأغلبية، وبأن دورها ونشاطها وسطوتها داخل أجهزة الدولة، وسيطرتها العسكرية على الأرض وانفرادها بامتلاك السلاح، هو تعبير عن مصالح وآراء ومواقف وإرادة غالبية الشعب اللبناني.

صارت مواقفها المنفذة للسياسة الاستعمارية الإيرانية عارية من كل غطاء من الطوائف الأخرى في المجتمع اللبناني.

وكان الأشد إيلامًا لها عندما أظهرت تلك النتائج، تراجع الإجماع في داخل بيئتها الطائفية، إذ لم يذهب منهم للصناديق سوى أقل من 50 بالمائة.

تراجع تمثيل الميليشيات الإيرانية المسلحة في لبنان وتراجع حلفاؤها، وبسبب تلك النتائج صار ما كان مستقرًا لها من قدرة على تسمية رئيس مجلس النواب -حتى تعوّد الناس منذ تسعينات القرن الماضي على أن يتولى المنصب نبيه بري- محل رفض وصراع وضغوط ومساومات ومناورات.

وصار الوضع الذي سمح لها بتسمية وفرض رئيس للجمهورية موالٍ لها، من خلف ظهر اللبنانيين، تأريخًا من الماضي. كانت ترفض تثبيت من يخالفها وتعطل ملأ مقعد الرئيس إلا إذا كان المرشح للمنصب متعاونًا معها أو داعمًا لها.

أما قدرة الميليشيات التي تكرست لسنوات طوال، حتى صار بديهيًا أن تحدد من يشغل موقع رئيس الوزراء من بين السنة، فقد أصبحت من الماضي، هي الأخرى.

ولذلك ينتظر الجميع صراعات الشارع والفوضى وإشهار السلاح وعمليات الاغتيال.

ولذلك يقول الكثيرون لن يرى اللبنانيون بعد الانتخابات البرلمانية حتى السيء الذي عاشوا فيه خلال السنوات الأخيرة، وأن الأسوأ قادم حيث لا ترى تلك الميليشيات من الديموقراطية إلا ما يغطي على دورها، فإن تغير الحال وتراجع تمثيلها واختراقها للطوائف الأخرى، كشرت عن أنيابها ونزل مسلحوها إلى الشوارع يفرضون سطوتهم.

ستواجه الميليشيات الإيرانية المسلحة هذا التغيير السياسي بتعطيل كل شيء، ينطبق هذا على الحياة السياسية وأنظمة الحكم، كما على حياة الناس.

سيشهد لبنان في الفترة القادمة اضطرابات وعنفًا وفوضى واقتتالًا واغتيالات. وستكرس الميليشيات دورها عبر الشارع لتعويض ما فقدته بالانتخابات، وستستخدم الفوضى سلاحًا، والسلاح لإشاعة الفوضى لمنع ترجمة أصوات الناخبين والنواب إلى تغيير في السلطة وأجهزة الدولة. وستتحرك بضراوة لشد الأعصاب الطائفية داخل المجتمع، فذلك هو عنوان دورها، بل أساس وجودها، وما يجعل الإيراني ينفق على تسليحها.

ستعيق الدور السياسي للآخرين وستخيّر اللبنانيين بين الرضوخ أو الذهاب إلى الفراغ والفوضى والانفلات.

بعض صراعات الشارع ستجري لإثبات عدم تغيير التوازنات والتشديد على أن الانتخابات لا تقرر وإنما السلاح.

سيقول المعمم الإيراني الذي يمسك السلاح ويفرض مصالح إيران الاستعمارية على الشعب اللبناني، إنه كان ولازال وسيظل صاحب القرار بحكم امتلاك السلاح، شاء الشعب أم أبى.

وبعض أعمال الميليشيات سيتوجه لإنهاك المجتمع وتركيعه واستعادة تقسيمه “طائفيًا”، بعد أن أظهر مؤشرات على التحول نحو رؤية وطنية، بانتخاب نواب من خارج المجموعات الطائفية. هؤلاء يحملون مطالب الشعب ويعلنون العمل لإسقاط الحصون الطائفية التي تحمي الفاسدين.

وبعض ثالث، سيجري لإخماد التحركات العفوية المعبرة عن الضجر من الأزمة الاقتصادية الخانقة. وستتعمد الميليشيات تحويل تلك التحركات الوطنية العامة، كلما اشتعلت، إلى اقتتال طائفي.

ويا للمصادفة العجيبة! دخل لبنان إلى ذات النفق الذي سبق أن دخلته العملية السياسية للاحتلال في العراق بعد الانتخابات الأخيرة، بشكل خاص.

العراق المحتل أمريكيًا وإيرانيًا. ولاحقًا، لبنان المحتل إيرانيًا والواقع تحت النفوذ الأمريكي الصهيوني.

ألم يُقل: إن الاحتلالين الأمريكي الصهيوني والإيراني، متخادمان.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى