أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

إحراق حقول الحنطة في العراق يعود للواجهة مجددًا.. من المسؤول؟

حرائق حقول الحنطة وتقليص الأراضي المزروعة بسبب الجفاف والحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها على الأمن الغذائي في العراق

بغداد – الرافدين

عادت ظاهرة حرائق حقول الحنطة في العراق إلى الواجهة مجددًا بعد إعلان مديرية الدفاع المدني في وزارة الداخلية تسجيل تسعة حرائق منذ الشروع بحصاد الحنطة.

وقال مدير إعلام المديرية العميد جودت عبد الرحمن إن اثنين من الحرائق المشار إليها، تسبب بهما عطب في الأسلاك الكهربائية، وثالث مفتعل، وأربعة نتيجة قدح شرارة الجرار، وحريقان مازالا قيد التحقيق، منوهًا بأن هذه الحوادث تتكرر مع كل موسم حصاد، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر فادحة للمزارعين.

وأصدرت المديرية، جملة من الإرشادات الخاصة بموسم الحصاد لتقليل الخسائر من تكرار حوادث حريق محصولي الحنطة والشعير في الأعوام السابقة خصوصًا مع شح المحصول لهذا العام نتيجة قلة الأمطار وما يقابلها من ارتفاع في الأسعار العالمية.

وتعمّق الظاهرة من هشاشة الأمن الغذائي في العراق الذي تراجع اعتماده على الإنتاج الزراعي المحلّي بشكل ملحوظ، فضلًا عن منعها لاستقرار السكان في مناطقهم خصوصًا تلك الواقعة في شمالي وغربي العراق والتي عانت خلال السنوات الماضية من العمليات العسكرية والممارسات الطائفية للميليشيات الموالية لإيران.

ويعزو عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار البرلمانية عبود العيساوي أسباب الحرائق إلى ” “تخريب إرهابي”، أو بسبب النزاعات على الأرض، إضافة إلى وجود خلل في عوادم الحصّادات، كونها قديمة وتولد شرارة تؤدي إلى حدوث الحرائق”، لافتًا إلى أن الحنطة تمثل موردًا اقتصاديًا كبيرًا للعراق.

وشدّد العيساوي على ضرورة اتخاذ الاحتياطات الكاملة، وأن تكون هناك رقابة من الأجهزة الأمنية لرصد ما إذا كانت هناك عمليات تسلل أو تخريب، وأن يكون للفلاحين دور في مراقبة محاصيلهم، مضيفًا: “ينبغي أن تكون هناك طائرات هليكوبتر تراقب مئات الآلاف من المساحات الموجودة في البلاد”.

عودة ظاهرة إحراق حقول الحنطة جاءت متزامنة مع النقص الحاد بالخزين الإستراتيجي للمحصول

وعادة ما تحمل الحكومة في بياناتها الرسمية تنظيم داعش مسؤولية إحراق المحاصيل الزراعية في العراق غير أن سكان المدن المنكوبة التي كانت حقول الحنطة فيها مسرحًا للحرائق يوجهون أصابع الاتّهام إلى الميليشيات الموالية لإيران المنتشرة بمناطقهم لمنع استقرارهم فيها في إطار عملية التغيير الديمغرافي.

ويرى سكان تلك المدن كذلك في الدوافع المبنية على شبهات الفساد سببًا في إحراق المحاصيل الزراعية في مناطقهم، حيث يتهم البعض جهات متنفذة من سياسيين وزعماء ميليشيات ومكاتب اقتصادية بمنع البلد من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، ودفعه إلى استيرادها بصفقات تشارك فيها تلك الجهات باستخدام نفوذها في أجهزة الدولة.

وأكد مسؤول في وزارة الزراعة في تصريح صحفي، أن الوزارة تعمل بشكل حثيث على عدم تكرار سيناريو السنوات السابقة الذي نتجت عنه خسائر مادية كبيرة، وتسبب بإلحاق الضرر بالمواطنين، مبينًا أن وزارته بصدد التنسيق مع المؤسسات الأخرى المعنية بالحيلولة دون حدوث حرائق في الحقول الزراعية، وفي مقدمتها فرق الدفاع المدني التي يجب أن تكون موجودة قرب حقول الحنطة الكبيرة.

وقال هادي هاشم المتحدث باسم وزير الزراعة إن “بعض حرائق الحنطة تتم بفعل فاعل”، منوهًا بأن “الحنطة أصبحت تقارن بالذهب عالميًا”.

وأضاف هاشم، أن “هناك تهريبًا للحنطة إلى دول الجوار”، مبينًا، أن تجارًا أجانب يقومون بشراء الحنطة وبيعها خارج العراق”.

وأوضح، أنه “تم تسويق أكثر من 1.2 مليون طن من الحنطة لغاية الآن وأن الأمن الغذائي خط أحمر ينبغي على الجميع عدم تخطيه”.

وقلل الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، من خطورة حرائق الحنطة، فهي “تحصل في كل سنة ولها أسباب عدة، سواء كانت متعمدة أم لا، وهنا نتحدث عن سلعة إستراتيجية لها أهمية كبيرة أكثر من السنوات السابقة، على اعتبار أن العراق يعاني من عجز بأكثر من مليوني طن”.

وبين المشهداني، أن “الحرائق الحالية لا تشكل رقمًا مهمًا لغاية الآن، لأن مساحتها بسيطة جدًا، وهناك توقع بأن السنة الحالية ستمر بسلام.

وأشار إلى أن “الخطورة ستكون في العام المقبل، لأن الوزارة ستخفض نسبة الزراعة بشكل أكبر، والأزمة ستكون واضحة وممكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الخبز المحلي وغيرها من المتعلقات بالحنطة والشعير”.

وأضاف أن” العراق يواجه تحديات كبيرة كغيره من الدول، تتمثل في ارتفاع أسعار الغذاء، وبالتالي ليس أمامه سوى دعم الزراعة المحلية حتى تلبي حاجاتها خلال المواسم المقبلة”.

ويرى أنه” في حال بقاء المشكلة دون حل والفشل في إقناع المزارعين بتوريد المحصول إلى الصوامع، فأن تلك الكميات ستذهب إلى السوق السوداء وستكون الخسائر أكبر من المشكلة نفسها.

شح المياه وتقليص الخطة الزراعية إلى النصف يساهمان بخفض إنتاج العراق من الحنطة

وكشفت بيانات رسمية عراقية، أن خزين العراق الإستراتيجي من الحنطة لا يسد حاجة البلاد سوى شهر واحد.

وحذر تقرير لديوان الرقابة المالية نشر مطلع شهر أيار الجاري من أن الخزين الإستراتيجي للعراق من الحنطة في مخازن الشركة العامة لتجارة الحبوب لغاية نهاية شهر آذار الماضي بلغ 373 ألف طن، موزعة بواقع 269 ألف طن حنطة محلية، و104 آلاف طن حنطة مستوردة من أستراليا.

وأوضح التقرير أن الخطة التسويقية لمحصول الحنطة للعام الحالي أظهرت أن الحاجة الشهرية من الحنطة للحصة الواحدة من البطاقة التموينية تبلغ بحدود 450 ألف طن أي أن الخزين لا يسد الحاجة إلا شهرًا واحدًا من الاحتياج الفعلي.

وذكر أن معدل إنتاج الحنطة الفعلي في العراق للعام الحالي انخفض ما بين مليونين ومليونين  و500 ألف طن بسبب تقليص الخطة الزراعية جراء شح المياه في العراق.

وطالب التقرير بتوفير كميات للخزين الإستراتيجي من خلال إستيراد الحنطة وأيضًا من الإنتاج المحلي.

ووفق معطيات رسمية، حقق العراق اكتفاءًا ذاتيًا من الحنطة في الأعوام 2021 و2020 و2019، إذ تراوح الإنتاج خلال السنوات الثلاث بين 4.5 ملايين طن و4.7 ملايين طن.

وتشتري الحكومة محصول الحنطة من الفلاحين لتقوم بتوزيعه لاحقًا على المواطنين على شكل طحين، ضمن مفردات البطاقة التموينية المتبع منذ تسعينات القرن الماضي.

وحددت الحكومة الحالية سعر شراء الحنطة من المزارعين خلال الموسم الحالي، بنحو 850 ألف دينار للطن الواحد إلا أنها تتلكأ بدفع مستحقات الفلاحين بموعدها وفقًا لجمعيات فلاحية.

ويقول الفلاح من محافظة ديالى حسين المالكي، إن “أغلب المزارعين يعتبرون الاستثمار في القطاع الزراعي غير مجز بسبب الضغوط الحكومية التي تراكم الأعباء على العاملين فيه”.

وأشار المالكي، أنه “لم يحصل على مستحقات توريد الحنطة عام 2020 إلا في نهاية عام 2021، بزعم عدم وجود سيولة مالية لدى الحكومة”.

وأضاف أن” ارتفاع تكاليف الزراعة (منها الأسمدة والعمالة والطاقة)، مع بقاء أسعار المحاصيل رخيصة، ضاعف خسائر الفلاحة في العراق وأدى إلى خروج عدد كبير من القطاع في الموسم الحالي”.

ويرى الخبير الاقتصادي العراقي وضاح الطه، أن” حالة السجال القائمة بين مزارعي الحنطة والحكومة سيكون لها مردود سلبي على المخزون الإستراتيجي، بسبب صعوبة التحديد الدقيق لحاجات البلاد”.

وعن آلية الخروج من تلك الأزمة، دعا الطه الحكومة إلى “الاستجابة لمطالب المزارعين بدفع مستحقاتهم فور تسليم المحصول، أو على الأقل خلال مهلة قريبة تحددها”.

ويتأثر العراق كذلك بتقلبات السوق العالمية وارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، على الرغم من اعتماد العراق على كندا وأستراليا والولايات المتحدة في استيراد الحنطة.

ويتفق المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف مع هذا الرأي قائلًا ” مع تسارع الحرب الروسية الأوكرانية، ترتفع الأسعار حتى في الولايات المتحدة والدول الأخرى، (على خلفية) العرض والطلب”، فالدول التي كانت تشتري حنطتها عادة من روسيا وأوكرانيا تتجه للاستيراد من الدول الأخرى.

ويشرح بدوره مدير زراعة الديوانية حسن الوائلي أنه خلال الأعوام 2019 و2020، وصلت كمية الحنطة التي جرى إنتاجها إلى 5 ملايين طن، ما ضمن “الاكتفاء” الذاتي للعراق من هذا المنتج الحيوي مضيفا أنه “بسبب هذه التغيرات وشح المياه والتغيرات المناخية، كل ذلك أدى إلى تخفيض الخطة الزراعية بنسبة 50%”.

يذكر أن تقريرًا لصحيفة Financial Times، نشر منتصف الشهر الحالي، تضمن ترجيحًا بأن ينخفض إنتاج القمح (الحنطة) عالميًا للمرة الأولى منذ 4 سنوات، وفقًا لتوقعات الحكومة الأمريكية التي قامت بمراقبة موسم المحاصيل المقبل عن كثب، ما يؤكد المخاوف من زيادة تعقد الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى