أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدينعربية

سيناريو الانسداد السياسي العراقي يُطبق على لبنان

حزب الله الفرع اللبناني من فيلق القدس الإيراني سيعرقل الاستحقاق الدستوري بعد فقدانه الأغلبية البرلمانية.

بيروت- فرضت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية تغيراً ملموسا في موازين القوى بالبرلمان، ما دفع بعض الخبراء للتحذير مما أسموه “عرقنة لبنان” بعد “لبننة العراق” وفق المحاصصة الطائفية التي سنها الحاكم الأمريكي بعد احتلال العراق عام 2003، وسط تخوف من فراغ حكومي ورئاسي، شبيه بما حل بالعراق مؤخراً.
ووفق نتائج الانتخابات باتت موازين الكتل البرلمانية وتحالفاتها موزعة بين عدة قوى سياسية، بعدما كان حزب الله الذي يعده غالبية اللبنانيين والعرب فرع لبناني من فيلق القدس الإيراني، والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما يستحوذون بالانتخابات الماضية (2018) على الأغلبية النيابية.
وتراجع عدد مقاعد حزب الله وحركة أمل والوطني الحر وحلفائهم من 71 إلى نحو 60، فيما المقاعد الـ 68 المتبقية موزعة على قوى مختلفة بعضها قريب من الرياض وواشنطن، والبعض الآخر مستقل.
ومع وجود ثلاث تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين، فإن “الأغلبية البرلمانية” لم تعد محصورة بيد فريق سياسي معين، إنما بات الثقل موزعاً في عدة اتجاهات، الأمر الذي يرى فيه خبراء بأنه قد “يعقد المشهد السياسي بالبلاد”.
ويتألف البرلمان من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بواقع: 27 للسنة و27 للشيعة و8 للدروز، و2 للعلويين، مقابل 34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و6 للأرمن، 1 إنجيلي، و1 أقليات مسيحية.
هذا التغير سيكون له انعكاس على الحياة السياسية اللبنانية التي ينتظرها استحقاقات عديدة في المرحلة المقبلة، أبرزها تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، وسط توقعات بدخول البلاد بدوامة من “الجمود والفراغ”.
ويصف الكاتب السياسي اللبناني خيرالله خيرالله نتائج الانتخابات بالمصيبة عندما مثلت غياب أيّ تنوّع داخل الطائفة الشيعية التي من المفترض أن تكون نموذجاً في هذا المجال. على غرار ما هو حاصل لدى الطوائف الأخرى التي لا يزال فيها من يقاوم الهيمنة ووضع اليد عليها.
وقال “نجح حزب الله شيعياً في الانتخابات فيما خسر على صعيد لبنان، أقلّه ظاهراً”.
وأضاف خيرالله الذي يعد من جيل الرواد في الصحافة اللبنانية “لم يعد سرّاً، من خلال ما أظهرته نتائج الانتخابات، أنّ حزب الله استطاع وضع يده على الطائفة الشيعية ومصادرة صوتها. يكفي الواقع المتمثّل في أنّ لديه 27 نائباً شيعياً من أصل 27 في مجلس النواب. هل صحيح أنّه يمثّل كلّ الطائفة التي تُعتبر من بين الأغنى بالرجال اللامعين من ذوي الفكر المستنير والطليعي في لبنان؟
الجواب عن هذا السؤال، وفق خيرالله، أنّ الحزب يمتلك كلّ النواب الشيعة، لكنّه ليس كلّ الشيعة. ليس كلّ الشيعة على الرغم من فرضه أمراً واقعاً، وعلى الرغم من وضوح هيمنته على حركة أمل وتحويلها إلى ملحق به منذ انتصاره على هذه الحركة في حرب إقليم التفاح أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
وأوضح إنّه انتصار كانت له ترجمته السياسيّة لبنانياً وإقليمياً، في مجال طبيعة العلاقة بين النظامين في سوريا وإيران تحديداً، نظراً إلى أنّه حوّل أمل إلى واجهة للحزب لا أكثر.
وأشار الى ان حزب الله وحركة أمل طبّقا تجربة “السلاح يحمي الفساد” في المجال الشيعي قبل نقل التجربة الناجحة إلى الحقل المسيحي حيث فرض الثنائي ميشال عون – جبران باسيل في موقع رئاسة الجمهوريّة.
وفي هذا السياق، قال المحلل والكاتب السياسي طوني بولس إن “القوى الممسكة حالياً بالسلطة وهي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر لم تعد تملك الاكثرية النيابية، وبالتالي قد تلجأ الى عرقلة الاستحقاق الدستوري”.
وتوقع بولس في حديثه لوكالة الأناضول أن “يكون هناك صدام داخل البرلمان، إذ إن القوى الجديدة التي دخلته ستحاول إثبات نفسها، كما أن الفريق المهزوم سيحاول التخفيف من الأضرار الواقعة عليه ولن يتخلى عن الحكم بسهولة”.
ورجح بولس ألا تتشكل الحكومة خلال الأشهر الخمسة المتبقية من ولاية رئيس البلاد ميشال عون، مشيرا إلى أن عون يريد الإبقاء على مكاسب فريقه السياسي (التيار الوطني الحر) خصوصا في بعض الوزارات كالطاقة والخارجية.
وتنتهي ولاية الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، في الحادي والثلاثين من تشرين أول 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهراً.
من جانبه، اعتبر الكاتب والباحث السياسي وائل نجم أن أبرز مفاجأة بالانتخابات كانت عدم فوز أية قوّة سياسية بالأكثرية المطلقة، وهذا ما سينعكس بكل تأكيد على تشكيل الحكومة.
وأضاف نجم للأناضول أنه “في ظلّ الانقسام السياسي القائم بين بقايا فريقي 8 و14 آذار، وفي ظلّ صعود قوى جديدة تمثّل المجتمع وتناصب كلا الفريقين الخصومة أو المنافسة، فإنّ تشكيل الحكومة ليس بالأمر السهل واليسير”.
هذا الواقع سيصّعب عملية تشكيل الحكومة، وقد يُدخل لبنان في دوّامة من الفراغ أو المراوحة التي ستزيد بكل تأكيد من تعميق أزمته السياسية والاقتصادية التي يعاني منها منذ نحو عامين ونصف، وفق المتحدث ذاته.
وشكّل دخول البرلمان لاعبون جدد تحت اسم قوى “التغيير”، كسراً للتمثيل التقليدي لقوى السلطة الذي كان محصوراً طيلة عقدين بين فريقي 8 آذار (حلفاء طهران ودمشق) و14 آذار (قريبة من الرياض وواشنطن).
وبرز مصطلح “قوى التغيير” بشكل لافت خلال العامين الماضيين، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد أواخر 2019 واستمرت عدة أشهر، حيث حمّل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية الفساد وطالبوها بالرحيل.
وأشار نجم إلى وجود أزمة في تكليف شخصية سُنّية لتشكيل الحكومة، وذلك بناءّ على الدستور الذي ينصّ على قيام رئيس الجمهورية باستشارات نيابية ملزمة له لتكليف شخصية لهذه المهمة.
وأجريت الانتخابات النيابية اللبنانية، في ظل مقاطعة تيار المستقبل أبرز مكون سُني في لبنان، بزعامة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي اعتبر في كانون ثان الماضي أنه “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
وإذا فرضنا أنّ هناك شخصية سُنّية وسطية ومقبولة من معظم الأطراف، فإن تبعثر القوى السياسية داخل البرلمان سيؤدي إلى تشظّي الأصوات، وهذا لن يساعد على تسهيل تشكيل الحكومة، وفق نجم.
ولفت نجم الى أن ذلك مطروح بغض النظر عما إذا كان رئيس البلاد سيدخل هذا الاستحقاق في بازار المساومات بالنظر إلى اقتراب موعد مغادرته القصر الجمهوري، وسعيه غير المعلن لتوريث صهره جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) هذا الموقع.
ورأى نجم أن استحقاق تشكيل الحكومة المقبلة، يوازي بحجمه وإشكاليته كل الاستحقاقات الأخرى، ومن غير المتوقع تشكيلها بسهولة في ظلّ التجاذبات القائمة محلياً في لبنان وخارجياً على المستويين الإقليمي والدولي.
واعتبر أنه في ظل غياب التفاهمات الإقليمية والدولية، لا سيما فيما يتصل بمفاوضات الملف النووي بين طهران وواشنطن، فإن الوضع بلبنان قد يتجه خلال المرحلة المقبلة للدخول بما يشبه الحالة العراقية حيث الشلل التام الذي أصاب الاستحقاقات الدستورية المنتظرة بعد انتخابات خريف 2021.
وفي تشرين أول 2021 أدت الانتخابات النيابية في العراق الى خسارة ميليشيات الحشد الشعبي المسيرة من قبل إيران، ولم تنجح البلاد منذ ذلك الحين الى اليوم في عملية إعادة تكوين السلطة نظراً الى الفشل بانتخاب رئيس جديد للبلاد وعدم تشكيل حكومة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى