أخبار الرافدين
طلعت رميح

زلات لسان بايدن.. صحية أم سياسية؟

يومًا بعد يوم، يتأكد أن الرئيس الأمريكي الحالي، فاق كل الرؤساء الأمريكيين، في تكرار إطلاقه التصريحات بشأن سياسة بلاده الخارجية والتراجع عنها في اليوم التالي وأحيانًا قبل أن يغادر منصة التصريحات.
ما من مؤتمر صحفي تحدث فيه خارج النص المعد سلفًا، إلا وأطلق تصريحات تشكل تغييرًا في السياسة الخارجية الأمريكية المعتمدة. وسرعان ما يجرى “إصلاح” التصريحات أو “التراجع عنها” أو إعادة تفسيرها.
ووصل الأمر في إحدى المرات أن خرج من المؤسسات الرسمية الأمريكية من يقول إن الرئيس كان يعبر عن مشاعره، وليس هناك تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية، ما يعنى أن الرجل لم يعبر عن سياسة الدولة التي هو رئيسها وإنما بصفته الشخصية.
البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع باتوا ثلاثتهم في وضع اليقظة الدائمة للتعامل مع مطبات تصريحات بايدن، ففي الأيام الأخيرة أوقع بلاده في ورطه.
خلال المؤتمر الصحفي في اليابان بحضور قادة حلف أكواد أطلق بايدن تصريحات بشأن تايوان أعلن فيها استعداد بلاده للدفاع عن جزيرة تايوان باستخدام القوة العسكرية في مواجهة غزو صيني محتمل.
بكين ردت فورًا ليس فقط بالتصريحات، التي توعدت ملاقاة بن آوى بالسلاح، بل أيضًا بإجراء مناورات جوية مشتركة مع روسيا بالطيران الاستراتيجي في سماء بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، كما ردت بإجراء مناورات بحرية وجوية قرب جزيرة تايوان.
وفى اليوم التالي تراجع بايدن قائلًا إن سياسة بلاده تجاه تايوان القائمة على الغموض البناء، لم تتغير على الإطلاق. كانت وقائع كثيرة جرت من قبل على هذا النحو.
سبق أن تحدث بايدن عن الإطاحة الرئيس الروسي، فقال “بحق السماء هذا الرجل لا يمكنه البقاء في السلطة”. بعدها سارع البيت الأبيض بالقول إن بايدن لا يحث على الإطاحة ببوتن، وإن السياسة الخارجية الأمريكية لا تستهدف تغيير النظام في روسيا.
وسبق أن صرح متهمًا روسيا بارتكاب إبادة جماعية في أوكرانيا. وتكرر النفي وإعادة التفسير، ووصل الأمر حد دخول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الخط، معلنًا الاختلاف مع ما قاله بايدن .
فكيف يفسر الأمر؟ هناك مروحة واسعة من التفسيرات.
أحد التفسيرات الرائجة تعيد تضارب التصريحات إلى كبر سن بايدن “79 عامًا” وافتقاده القدرة على الرد على الأسئلة غير المعدة إجاباتها سلفًا من مساعديه. ويدعمون تفسيرهم بوقائع ظهور الرجل في مواقف محرجة، سجلتها لقطات فيديوية عدة. إحداها ظهر فيها الرئيس تائهًا لا يعرف أين يذهب، ومرة ظهر وهو يصافح الهواء، وأخرى وهو يغط في النوم وغيره يتحدث…
هذا التفسير يلتقي مع ما كان حذر منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كان حذر الأمريكيين من وصول بايدن للسلطة، ووصفه بالنائم.
ويعزز هذا التفسير زلة لسان جورج بوش الأبن “75 عامًا” التي هي أقرب للمثل الشعبي المصري الشهير “اللص سيئ الحظ الذي يضع أقدامه في أواني الطعام بالمطبخ، فيوقظ أهل المنزل”.
أراد بوش اتهام روسيا بارتكاب جرائم شنيعة في أوكرانيا لكن لسانه زل ونطق العراق بدلًا من أوكرانيا فدان نفسه بنفسه.
وثاني التفسيرات أن ما يجرى ليس زلات لسان، بل هي بالونات اختبار يطلقها بايدن لمعرفة رد فعل الخصوم، ليأتي من بعده قادة المؤسسات الرسمية الأمريكية ليتعاملوا مع ردود الفعل. ولا شك أن في الأمر شيئًا من هذا وذاك.
غير أن بايدن وقبله ترامب يواجهون وضعًا لم يسبقهم إليه أحد من الرؤساء الأمريكيين.
التوازن الدولي تغير لغير مصلحة أمريكا، وكلاهما لم يستطع التكيف مع هذا الواقع الجديد. هم عاشوا مرحلة رأوا فيها جورج بوش الأبن يقرر القتل والإبادة في العراق وأفغانستان فلا يقف في وجهه أي رئيس دولة أخرى في العالم.
عاشوا حالة انفراد الولايات المتحدة بإدارة العالم تعودوا أن يروا أمريكا تقول وتفعل ما تشاء، دون أن يراجعها أحد. تعودوا أن لا أحد يستطيع عرقلة مصالح أمريكا. ونظروا للرئيس الأمريكي باعتباره رئيس العالم يتصرف في ثروات الأرض والبشر كما يشاء.
لكن الواقع تغير. وهم يرفضون هذا التغيير ويتمردون عليه نفسيًا. لا زالوا يعيشون في الزمن الماضي وبعقلية الماضي.
لا يستطيعون قبول أن أمريكا لم تعد سيدة العالم وأن رئيس أمريكا هو رئيس كل رؤساء العالم. ولذلك تنفلت منهم تلك الزلات، ليعود قادة أجهزة الدولة يصوبوا زلاتهم.
زلات لسان بايدن سياسية وليست صحية فقط.
وإن كانت صحية فكونه رئيسًا للولايات المتحدة، هو في حد ذاته عنوان لما وصلت إليه أمريكا من تراجع.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى