أخبار الرافدين
كرم نعمة

انكسار الغطرسة الأمريكية

يؤرخ البعض الى انكسار الغطرسة الأمريكية في الفشل الذريع بإنتاج ديمقراطية وفق “مقياس الخاضعين لها” بعد احتلال العراق عام 2003، ووفق شعار سيء الذكر دونالد رامسفيلد “الحرب تجلب الحرية”! فسرعان ما أقر جورج بوش بعد أشهر من الاحتلال في الإجابة على السؤال الأكثر طلبا عندما أطلقه مراسل الشؤون الخارجية في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” نيك روبنسون. أعترف بوش آنذاك بسوء الأوضاع بعد احتلال العراق، فلم تستمر كذبة أن يصبح العراق “واحة الديمقراطية في المنطقة” أكثر من بضعة أسابيع.
كان ذلك بداية نهاية الغطرسة الأمريكية. لكن ثمة من يؤرخ للانكسار من الهزيمة الشنيعة في أفغانستان. وتحديدا في اللحظة التي أصيب فيها كبار مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن بالذهول من الانهيار السريع للجيش الأفغاني في مواجهة هجوم طالبان، بعد أن أنفقوا عليه من تدريب وتسليح ما كان يجعلهم يتوقعون الصمود على الأقل بضعة أشهر.
هذا الزمن الافغاني في التاريخ صحيح أيضا، ويضيف لنا المزيد من المؤشرات بشأن الانكسار الأمريكي في العالم.
ركزت كل التقييمات الاستخباراتية الأمريكية التي كانت تقدم إلى الرئيس بايدن أثناء اتخاذ قرار الانسحاب من أفغانستان، على مقدار قوة الجيش الأفغاني المدرب والمسلح أمريكيا، وصموده أمام تقدم طالبان. ولم تكن تأخذ في الاعتبار ضعف العقيدة القتالية والوطنية لهذا الجيش، وأنه يقاتل تحت حماية القوات الأمريكية وبمجرد انسحاب هذه القوات تنتهي وظيفته.
لكن التقديرات الاستخباراتية الأمريكية التي أخطأت في العراق مع الجيش الذي أسسته بعد الاحتلال، تبين لاحقا أنها أخطأت الهدف نفسه وبشكل مريع في أفغانستان.
واليوم يتصاعد السؤال عن الصراخ الأمريكي بوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يستمر في تحقيق ما يريده في أوكرانيا؟ “الصراخ غالبا ما يؤشر إلى بداية الهزيمة”.
أليس الصراخ الأمريكي عما يحدث في حرب أوكرانيا، تثبيتا لذلك الانكسار الذي بات بموجبه يصعب على المؤرخين إيجاد مؤشرات واضحة تجعل من الولايات المتحدة زعيمة العالم، كما أريد لها! بل أنها اليوم وفق صحيفة نيويورك تايمز “أمريكا تتسلح لقتال أمريكا”!
وذلك ما جعل هنري كيسنجر يقدم لبلاده ما يشبه وصيته الأخيرة وهو يقترب من عمر مئة سنة، أعطوا إلى بوتين ما يريد كي لا تدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثالثة! أنه في ذلك بوصفه الرؤيوي الأول في السياسة الامريكية، يتحسس الهزيمة الكبرى أكثر مما يفكر بهزيمة صغيرة في أوكرانيا.
أو بحسب تعبير المحلل السياسي الهولندي إيان بوروما، بأن الحرب العالمية الثانية ما زالت ماثلة في الأذهان في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ويتوق رئيس الوزراء بوريس جونسون أن ينظر إليه باعتباره وينستون تشرشل العصر الحالي. بينما عكست بعض تصريحات بايدن الأقل دبلوماسية، الرأي القائل بأن هزيمة بوتين الكاملة هي فقط التي سوف تثنيه عن خوض المزيد من المغامرات العسكرية.
ولكن، يتساءل بوروما في مقال نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، ما يمثل الهزيمة الكاملة لروسيا ما زال أمرا غامضا حتى الآن.
ماذا عن الهزيمة الواضحة للولايات المتحدة؟
فشلت الولايات المتحدة في اختراع دول على شاكلتها، فاحتلال العراق وما سمي الحرب على الإرهاب حولا حياة شعوب دول إلى مجرد علف لإنتاج عناوين عريضة في الصحف الأمريكية تحيي قوة القادة الغربيين وعملهم السريع وعزمهم.
ويبدو السؤال اليوم عما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة حقا لمراقبة العالم، والتصرف السياسي وفق فلسفة جورج بوش الابن “أمريكا تقود العالم”.
الولايات المتحدة مريضة لكنّ السياسيين الأمريكيين يرفضون إدخالها إلى غرفة العناية المركزة، منذ أن سوقت كذبة أسلحة الدمار الشامل كذريعة لاحتلال وتدمير العراق، وغابت الحقيقة بشأن الهزيمة المريعة للقوات الأمريكية في أفغانستان. وهي أكثر مرضا ومسببة للإحباط عند دول العالم التواقة للحرية والاستقرار، عندما يعول الرئيس الديمقراطي جو بايدن على ملالي إيران بوصفهم نظاما مقبولا للتحاور معهم وليس دولة مارقة. لذلك لا يتردد خبراء العلوم السياسية في إطلاق وصفة لتجنب الديمقراطية الأمريكية كي لا يصابون بأمراض أفغانستان والعراق.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى