أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

كل الحلول محفوفة بالمخاطر أمام إنهاء الحرب في أوكرانيا

الكاتب الهولندي إيان بوروما: روسيا بعيدة عن التحطم، وأوكرانيا مهما كانت شجاعة جنودها وفعالية أسلحتها بعيدة أيضا عن الهيمنة.

لندن– يرى الكاتب السياسي الهولندي إيان بوروما أنه ليس هناك شيء يخلق الفوضى أكثر من الحرب. ويقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن” الدبلوماسية تؤدي إلى السلام، والسلام أمر مرغوب فيه لكل البشر”.
ومع ذلك رفض المسؤولون الأوكرانيون بغضب المقترحات، وآخرها من جانب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر البالغ من العمر 99 عاما، بالقبول بعودة الوضع إلى ما كان عليه، مع السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الأوكرانية.
وقال أحد كبار مستشاري زيلينسكي غاضبا إن أوكرانيا لا تتاجر بسيادتها. واقترح زيلينسكي نفسه بأن يقوم الأمريكيون الذين يعارضون دعم بلاده بالبدء في قراءة بعض ذكريات الحرب العالمية الثانية حيث إن أي استرضاء لبوتين لن يؤدي سوى إلى تشجيعه على غزو المزيد من الدول الأوروبية.
ويقول بوروما في مقال رأي نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن ذكريات الحرب من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين ما زالوا يحاولون إيجاد فرصة للدبلوماسية سرعان ما يتم وصفهم بالداعين للاسترضاء بصورة تتسم بالجبن.
وقد قوبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالسخرية لمحاولته التحدث بصورة منطقية بالنسبة لبوتين، كما تم انتقاد المستشار الألماني أولاف شولتس للإبطاء في فرض حظر تام على استيراد النفط والغاز الروسيين.
وفكرة تشبيه بوتين بأدولف هتلر مجرد صورة تعكس دعاية بوتين بأن روسيا تحارب النازيين في أوكرانيا. وهذه الحرب، رغم أنها مروعة بما فيه الكفاية ليست مثل الحرب العالمية الثانية. ومطلب الحلفاء عام 1945 باستسلام ألمانيا واليابان غير المشروط هو النموذج الخطأ للتطبيق في أوكرانيا.
وحتى في ذلك الوقت، كان هناك خلاف بالنسبة لهذا المطلب. فقد كان البريطانيون وبعض الأمريكيين يريدون منح اليابانيين شروطا معينة، مثل الاحتفاظ بإمبراطورهم، وهو وعد كان من الممكن أن ينهي الحرب بصورة أسرع وينقذ عددا لا حصر له من الأرواح. وكان الصقور في هذا الأمر في الغالب من الديمقراطيين الذين اعتقدوا أن الاستسلام الياباني التام هو فقط الذي سوف يمكن الحلفاء من إقامة ديمقراطية في اليابان.
وعززت حقيقة أن هذا الأمر تم بالفعل وأصبحت اليابان مثل ألمانيا الغربية دولة ديمقراطية وحليفا قويا للولايات المتحدة، اعتقاد بعض الأمريكيين بعد سنوات كثيرة بإمكانية تحقيق نفس الشيء في أفغانستان، والعراق، وربما في روسيا الآن.
ومع ذلك لم يتحقق أي شيء من ذلك، فالعراق تحول الى دولة فاشلة سياسيا يديرها لصوص الدولة بحماية الميليشيات الطائفية، ويعيش العراقيون اليوم في أسوأ نماذج البلدان الفاسدة، مع أن ثروتهم النفطية يمكن أن تجعلهم من الشعوب المرفهة، إلا ان ذلك لم يحصل.
وينطبق الأمر على أفغانستان وبعد سنوات من الاحتلال الأمريكي ومن ثم عملية الهروب الشنيعة للقوات الأمريكية.
ومع ذلك فإن الظروف مختلفة تماما اليوم. ففي عام 1945، كانت القوات المتحالفة على وشك هزيمة الأعداء المحطمين تماما. ورغم ما يبدو من عجز القوات المسلحة الروسية، فإن روسيا بعيدة تماما عن التحطم. وأوكرانيا مهما كانت شجاعة جنودها وفعالية أسلحتها الغربية بعيدة تماما عن أن تكون مهيمنة.
وأيا من الجانبين ليس في وضع يسمح له بطلب استسلام غير مشروط. كما أن فكرة أن أي هزيمة للجيش الروسي في أوكرانيا سوف تسفر عن تحول ديمقراطي في روسيا بعيدة تماما عن التصور أيضا. وبطبيعة الحال، ليس هناك أمر مستحيل. لكن الظروف في روسيا برئاسة بوتين لا تشبه من قريب أو بعيد الظروف في ألمانيا واليابان بعد انهيارهما. فالدولتان تم احتلالهما عام 1945 على يد الحلفاء، الذين ساعدوا الألمان واليابانيين على استعادة المؤسسات الديمقراطية التي كانت موجودة من قبل “ولم ينطبق هذا بطبيعة الحال على المناطق التي احتلها الجيش الأحمر السوفيتي”.
وليست هناك فرصة في أن يتم احتلال روسيا. وليس من المرجح تماما أن تصبح روسيا بعد تعرضها للإذلال دولة ليبرالية في القريب العاجل. كما إن مطلب أوكرانيا بأن تسحب روسيا كل قواتها من الأراضي الأوكرانية موقف مشروع من حقها تبنيه. لكنه موقف، وليس إنذارا. ومن الممكن، بل وينبغي التوصل لحلول وسط بمجرد بدء المفاوضات.
وقد يعني هذا موافقة أوكرانيا على ألا تكون عضوا في حلف شمال الأطلسي “الناتو”. أو احتفاظ روسيا ببعض السيطرة على دونباس وشبه جزيرة القرم.
وكما أوضح المؤرخ البريطاني نيل اشيرسون لا ينبغي الخلط بين وحدة الأراضي والسيادة الوطنية. وهناك كثير من الدول فقدت أراض بعد الحروب دون أن تفقد استقلالها الوطني.
ومن المؤكد أن الحلول الوسط يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر. وسوف يكون زيلينسكي معرضا لهجمات من جانب القوميين داخل اوكرانيا إذا تنازل عن أي أراض. ولكن الأمر يرجع له ولحكومته بالنسبة لتحديد المخاطر التي تستحق قبولها من أجل إنهاء حرب تدمر دولتهما.
ومن غير المفيد القول، وفق إيان بوروما، بأنه لا قبول لأي تنازلات وأن أي شيء أقل من هزيمة بوتين سوف يكون هزيمة للديمقراطية. فأوكرانيا ليست مخلبا في حرب عالمية بين الخير والشر.
واختتم بوروما رأيه بالقول إن مساعدة أوكرانيا على صد غزو وحشي أمر أساسي. ومنح الأوكرانيين الوسائل اللازمة للقيام بذلك مشروع سليم.
وينبغي أن يكونوا في أقوى وضع ممكن للتفاوض. ولكن ليس من حق أحد خارج أوكرانيا أن يملي عليهم ما ينبغي أن يكون عليه موقفهم النهائي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى