أخبار الرافدين
د. سعاد ناجي العزاوي

كيف سيواجه العراق مشكلة شحة المياه والتصحر

يوجد على سطح الكرة الأرضية أكثر من 263 مجرى مائيًا دوليًا يولد نحو 60 بالمائة من تدفق المياه العذبة العالمية ويغطي ما يقرب من نصف سطح الأرض. هذه الأنهار الدولية تعبر أراضي 145 دولة وتشكل موطنًا لحوالي 40 بالمائة من سكان العالم. والأنهار المشتركة بين دولتين أو أكثر من الدول المتشاطئة تطرح مستويات مختلفة من الخلافات بشأن حصص مياه الأنهار، حيث لا يمكن تفسير النزاعات حول مياه الأنهار المشتركة دون فهم علاقات القوة وأهمية تحديد مواقع الدول المتنافسة في أعلى مجرى النهر وأسفله.
وفي المناطق القاحلة وشبه القاحلة مثل الشرق الأوسط، تمثل المياه مصدرًا لسلطة الدولة، وتؤثر ندرة المياه بشكل كبير على التنمية والأمن القومي لهذه الدول.
لقد كان العراق منذ آلاف السنين بلاد ما بين النهرين “Mesopotamia” التي كانت السبب الأساس لنشوء أقدم الحضارات الإنسانية فيه مثل الأكدية والسومرية والبابلية والاشورية، لكنه يواجه اليوم ندرة المياه والجفاف والتصحر بسبب الانخفاض المستمر في تدفق مياه نهري دجلة والفرات إلى الأراضي العراقية.
ويرجع سبب هذه الندرة إلى حد كبير إلى بناء عشرات السدود على منابع النهرين “Headwaters” في تركيا وإيران، مع آثار التغير المناخي على الكرة الأرضية.
ففي عام 2018، حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن العراق يفقد حوالي 25000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة للتصحر سنويا.
لقد أدى إنشاء وتشغيل حوالي 100 سد وخزان مائي كبير على منابع دجلة والفرات “وهما نهران دوليان تشترك في حوضيهما أربع دول” في كل من تركيا وإيران في أقل من أربعة عقود، إلى إعاقة تدفق الوارد المائي للنهرين بشكل كبيرقي العراق وتسبب في تدهور شديد للأراضي وبيئة حوضي النهرين بما في ذلك جفاف الأراضي الرطبة “الأهوار” في جنوبي العراق.
لقد تم مؤخرًا نشر دراسة تم من خلالها تحليل بيانات معدلات التدفق أو الوارد المائي لنهري دجلة والفرات الصادرة من سجلات وزارة الموارد المائية في العراق للفترة “1960-2018” بالارتباط مع تواريخ ملء وتشغيل السدود ومحطات توليد الطاقة الكهرومائية على منابع النهرين في تركيا وإيران.
أشارت نتائج هذه الدراسة إلى وجود علاقة ارتباط وثيقة بين تشغيل هذه السدود ومحطات توليد الطاقة الكهرومائية وبين تناقص الوارد المائي السنوي في الأراضي العراقية خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأدى هذا الاختلال وتناقص الواردات المائية السنوية ضمن الأراضي العراقية الى حدوث آثار بيئية واقتصادية واجتماعية خطيرة بما في ذلك جفاف حوالي 65 بالمائة من مساحات مناطق الأهوار جنوبي العراق منذ السبعينات حتى الآن، مع استمرار تدهور وضياع الأراضي الزراعية الخصبة إلى التصحر وانحسار الغطاء النباتي الأخضر وغابات النخيل من المنطقة والسهول الفيضانية للنهرين في العراق. كذلك أدى هذا الانخفاض في الواردات المائية الى زيادة تكرار أيام العواصف الترابية لأكثر من 220 يومًا في السنة بينما كانت 24 يومًا لغاية التسعينات من القرن الماضي حسب التقرير الإستراتيجي لوزارة البيئة في العراق لعام 2016. يضاف لذلك هجرة ملايين المزارعين ومربي المواشي من مدن البصرة والناصرية والعمارة وديالى التي تأثرت بجفاف الأراضي إلى المدن الكبرى واضطرارهم العيش في عشوائيات لا تتوفر فيها أبسط مستلزمات المعيشة الإنسانية.
لقد تناقصت واردات نهري دجلة والفرات وشط العرب من حوالي 100 مليار متر مكعب سنويًا لغاية السبعينات من القرن الماضي إلى أقل من 40 مليار متر مكعب سنويًا في الوقت الحاضر.
إن هذا الوضع الخطير يتطلب أن تقوم كافة الأطراف وأولها الدولة بالبدء بمجموعة حلول وإجراءات جدية لإيقاف هذا التدهور الذي ينبأ بحدوث كارثة لمستقبل العراق البيئي والسكاني والاقتصادي. ومن هذه الحلول توقيع بروتوكولات تقاسم الحصص المائية بين الدول المتشاطئة بين حوضي دجلة والفرات وشط العرب وإنهاء مشاكل الإهدار والتسرب من الشبكات وإكمال مشاريع بزل الأراضي الزراعية والري بأساليب وتقنيات حديثة مثل الرش والتنقيط وسن قانون استخدام والحفاظ وصيانة الثروة المائية السطحية والجوفية في العراق وضمان تنفيذه بعقوبات وغرامات تتناسب مع طبيعة الخروقات والتجاوزات، مع ضرورة قيام منظمات المجتمع المدني والإعلام والمؤسسات التعليمية والتربوية بتنفيذ حملات توعية عن أهمية وإجراءات تقنين استخدامات المياه في حياة السكان اليومية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى