في انتظار التفجير النووي الإيراني
تكاثرت أخبار الملف النووي الإيراني في الأيام الأخيرة. طهران ترفع بعض كاميرات المراقبة الخاصة بوكالة الطاقة النووية من بعض منشآتها، وترفض تسليم ما تصوره الكاميرات الأخرى. الوكالة تشكو من أنها لم تعد تتابع ما يجري.
بيان لمجلس الوكالة الدولية، تقدمت به الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، ينتقد تلكؤ إيران في التعاون مع الوكالة، وطهران تهدد برد فعل منسق، وفعال وفوري.
فماذا يجري؟ لا جديد فيما يجري إلا من حيث التفاصيل والوقائع والأسماء.
نحن نتابع السيناريو نفسه الذي جرى على مدار عشرات السنين بين كوريا الشمالية ووكالة الطاقة النووية والولايات المتحدة والغرب وفى الأغلب نحن في انتظار نفس الخاتمة.
منذ بداية ملف إيران النووي تطرح عشرات الأسئلة. بعضها حول الموقف الحقيقي لنظام الحكم في إيران من إنتاج السلاح النووي، وحول الطبيعة العسكرية للبرنامج. وبعضها يدور حول حقيقة الموقف الغربي من البرنامج الإيراني، وما إذا كانت الولايات المتحدة تطبق خطة احتواء مزدوج للعرب وإيران من خلال فتح مجال الحركة أمام طهران لتخويف الدول العربية، فيما تتقدم “إسرائيل” لتلعب دور الدولة الحامية للدول العربية من إيران. وبعضها يحاول فهم ما إذا كان الكيان الصهيوني يرفع سيف التهديد لإيران ويرفض التساهل الأمريكي، مرحليًا ضمن فكرة الدولة الحامية، وما إذا كان سيقطع الطريق على إيران قبل وصولها نقطة التفجير النووي والأمر الكاشف للتحركات الجارية سابقًا والآن، وما يجيب عن كل الأسئلة المطروحة والمتجددة، هو تجربة كوريا الشمالية.
إيران تطبق استراتيجية المراوغة بعيدة المدى، التي اعتمدتها كوريا الشمالية، هي تشتري الوقت وتمارس تكتيكات تأجيل الصدام إلى أن يصبح الطرف الآخر عاجزًا عن الرد على إعلان تحولها دولة نووية.
وإيران تدرك نفس ما أدركته كوريا الشمالية بشأن استراتيجية الغرب وتتحرك في داخل فجواتها. كوريا الشمالية كانت تدرك أن خصمها الأمريكي كان يستفيد تكتيكيًا من تطورات برنامجها النووي، لضمان استمرار خضوع اليابان وكوريا الجنوبية للهيمنة الأمريكية، تحت سيف التهديد بالنووي الكوري الشمالي.
كوريا الشمالية سايرت ما كان يجرى، واخترقت تلك الاستراتيجية من داخل حركتها، حتى حققت المفاجأة.
هذا هو ملخص سيناريو كوريا الشمالية، وهذا هو السيناريو المعتمد لدى إيران.
لقد تحركت السلطات الكورية الشمالية على خيط رفيع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع خصومها في مجلس الأمن، خلال مرحلة طويلة تمددت لأكثر من عشرين عامًا. كانت تتراجع وتتقدم بشكل مذهل في مرونته، حتى لحظة إعلان الحقيقة في عام 2003.
كانت خطة استراتيجية مراوغة استمرت كل تلك السنوات ووصل الحال في إحدى المناورات أن وافقت كوريا على أن تقوم هيئة الطاقة النووية بإغلاق مفاعلاتها النووية بالشمع الأحمر والتوقيع بالانضمام لاتفاقية حظر انتشار السلاح النووي. وفى كل ذلك كان برنامجها يتطور بخطوات ثابتة بعيدًا عن الأعين. وكانت تطور صواريخها بعيدة المدى وتتقن كيفية إنتاج وتحميل الصواريخ بالذخائر النووية.
وحين أنهت كل استعداداتها، وباتت جاهزة لمواجهة نتائج إعلان تحولها إلى دولة نووية وأن خصومها لم يعودوا قادرين على مهاجمتها، فضت أختام الشمع الأحمر وطردت موظفي الوكالة الدولية وأعلنت تحولها لدولة نووية.
كان أمام الولايات المتحدة ثلاثة خيارات محدودة، فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية من مجلس الأمن. لكن كوريا اعتبرت فرض أية عقوبات جديدة عليها بمثابة إعلان حرب. أو أن تقوم بتوجيه ضربة استباقية ضد المواقع النووية لكوريا الشمالية، وهو ما اصطدم بتقديرات البنتاغون بأن المعارك ستؤدي لسقوط نحو 52 ألف جندي أمريكي في مرحلتها الأولى وأن الخسائر في صفوف المدنيين في كوريا الجنوبية، ستصل إلى نحو المليون إنسان.
أو أن تكثف وجودها العسكري في كوريا الجنوبية واليابان، بما يمكنها من أن تكون في موقع أفضل في الصراع مع كوريا والصين.
كانت كوريا الشمالية، قد امتلكت ما يكفي من أدوات الردع بما يجعل الخيار العسكري في مواجهتها أمرًا مستحيلًا. وكان فرض عقوبات جديدة بمثابة إعلان حرب. ولم يعد متاحًا للولايات المتحدة سوى تكثيف وجودها وتوسيع هيمنتها على حلفائها.
وهذا بالدقة ما تفعله إيران. تقدم وتراجع وتهديد يتبعه تقهقر، فيما تطور صواريخها وطائراتها المسيرة. والأهم أن كل تحركاتها تجري في داخل فجوات الاستراتيجية الغربية.
إيران تدرك أن الولايات المتحدة مستفيدة من فزاعة البرنامج النووي لإخضاع المنطقة العربية للهيمنة الصهيونية، وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية ماسة لهذا الدور “الإسرائيلي” لكي تتفرغ هي لمواجهة الصين وروسيا. وهي تتحرك في داخل تلك المساحة.
ولذلك، لا يبقى بشأن البرنامج النووي الإيراني سوى سؤال وحيد هو: هل سيتدخل الكيان الصهيوني في الخمس دقائق الأخيرة، أم أن الخطة الاستراتيجية الغربية لا يرد فيها مثل هذا الاحتمال؟