أخبار الرافدين
كرم نعمة

صلاة رئيسي في الكرملين وخامنئي في البيت الأبيض

تقدم وسائل الاعلام الإيرانية الرئيس إبراهيم رئيسي، كمثال للورع الديني، وتنشر صوره يؤدي الصلاة أينما حل، في إيران وخارجها. وليس مهما بالنسبة إلينا الرسالة المتوخاة من ذلك، حيال الأسئلة المستمرة بشأن تاريخ رئيسي الدموي.
ومثل غيري لا نملك الحق في التشكيك بصلاة رئيسي، لكن كأي مراقب يمكن وضعها في دلالة المؤشرات السياسية أكثر من أي سبب ديني آخر غير معنيين به في هذا المقال. فرئيسي متهم في عمليات قتل جماعية موثقة بحق سجناء في إيران، وسيرته تصنفه ضمن كبار القتلة المتشددين في النظام الثيوقراطي في طهران. ومطالب محاكمته كقاتل مازالت قائمة، لكن من حق القتلة أيضا أن يؤدوا الصلاة.
مازال الاحتفاء في وسائل الاعلام الإيرانية، وبعد أشهر من تلك الصلاة التاريخية لرئيسي في الكرملين، بالصورة التي التقطت للرئيس الايراني وهو يؤدي الصلاة، ونشرتها بوصفها فتحا سياسيا وليس حدثا هامشيا ضمن تفاصيل زيارته الى موسكو. ومن الصعوبة بمكان افتراض ان هذا الحدث الهامشي يمتلك نوعا من التأثيرات، وإن كانت اعتبارية على مجريات العلاقة الحقيقية بين موسكو وطهران. فاذا كانت موسكو في أوج شيوعيتها سمحت للقذافي بالصلاة في الكرملين، فما الذي يحول دون ان تنظر موسكو البوتينية الى صلاة إيراني معمم زائر بوصفه رئيس دولة.
لأن عين التاريخ لا يمكن أن تغفل مثل تلك الالتقاطات، لذلك فتحت على وسعها لتؤرخ لصلاة رئيسي في الرواق المدجج بالفخامة، حيث مرت هناك أنواع الخمور على الكرملين منذ أيام القياصرة.
الحق، لا أحد ينكر على الإيرانيين الاحتفال بدلالة أن رئيسهم أدى الصلاة في الكرملين، الذي كان في يوما ما قلعة الشيوعية الكافرة، وإن كان بوتين مؤمنًا وليس كما ليونيد بريجنيف مثلا. لكن مثل هذه الصلاة النادرة مقدمة لصلاة أكبر كان قد وعد بها قادة الحرس الثوري الايراني للمرشد علي خامنئي في البيت الأبيض، وهكذا تبدو بالنسبة إليهم صلاة رئيسي في الكرملين مقدمة لصلاة مرتقبة لخامنئي في البيت الأبيض بعد تحريره من الشيطان الأكبر!
لا يمكن في كل الأحوال اعتبار صلاة الرئيس الإيراني في الكرملين نسخة طبق الأصل من صلاة معمر القذافي في نفس تلك الأروقة. كان القذافي يتهكم آنذاك على الشيوعية “سمى المنتسبين إليها بالقطيع الأحمر”، مع انه كان يلجأ اليها كحامية ومصدر للسلاح حيال الامبريالية الأمريكية.
وضع بريجنيف يده على خده في محاولة إيجاد تفسير في وعيه بصفته الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، للواقعة التاريخية التي تحدث أمامه في الكرملين.
لقد قطع القذافي الكلام في حوار سياسي بغاية الأهمية وقال للسيد بريجنيف: لقد حان موعد الصلاة وفق ديننا الإسلامي وعليّ أن أؤدي الصلاة الآن!
لم ينتظر القذافي أي رد من رئيس مجلس السوفييت الأعلى، وسأل أفراد الوفد الليبي المرافق له عن اتجاه القبلة، وبالفعل أدخل القذافي الصلاة إلى الكرملين في واقعة تاريخية بنكهة سياسية.
ليس لدينا معلومات عمن صلى بعد القذافي في الكرملين، لكن هناك قائمة مثيرة من الاحتفالات الباذخة سفحت فيها زجاجات الخمور الثمينة، الى ان وصلنا الى صلاة الرئيس الإيراني.
كان لافتاً أن الصحف الروسية الكبرى تعمدت الإشارة أثناء زيارة رئيسي إلى استطلاعات للرأي داخل إيران أظهرت أن غالبية الإيرانيين “لا يثقون بروسيا ويفضلون الحوار مع واشنطن على الاتصالات مع موسكو”.
كل ذلك لا يحول دون أن تغبط وسائل الاعلام الإيرانية نفسها على نشر صورة الرئيس وهو يصلي في الكرملين. فهي ليس أي صلاة عندما تكون هناك، مثلما تساعد على ضخ دماء جديدة في استمرارية “الحالة الثورية” كإيديولوجية قائمة لدى النظام.
لكن في النهاية يوجد الكثير من الإيرانيين الذين فقدوا صبرهم حيال انهيار اقتصادي وتدني المعيشة وتفاقم صعوبات الحياة، من لا يهتمون بصلاة رئيسهم في الكرملين. فهم ينتظرون أكثر من ذلك، من الطعام الى استعادة الكرامة المستلبة. فصلاة الرئيس في الكرملين لا تمدد الصبر الذي آخذ بالنفاد. ويقول الإيرانيون إن الأرقام وصور مزاعم الانتصارات السياسية في المنطقة لا تعنيهم عندما تتآكل قوتهم الشرائية بسبب تضخم يبلغ 43.4 في المئة.
فمثلما وضعت موسكو طاولة طويلة بين بوتين ورئيسي بذريعة المحافظة على التدابير الصحية، ستبقى المسافة طويلة بين الرئيس الإيراني والشعب الإيراني، لا تقربها صورة الصلاة وان كانت نادرة، ولا التصريحات بشأن الاتفاقيات الاقتصادية بين إيران وروسيا والصين، فكل هذه ستنغض عليها عقود التسلح باهظة الثمن التي ستصل الى عشرة مليارات دولار المدفوعة من قوت الإيرانيين الجائعين، على حساب طموحات النظام للسيطرة والتدخل الخارجي.
كانت زيارة الرئيس الإيراني الى موسكو نوعا من الدراما الجيوسياسية في لحظة حرجة لواشنطن، مع انه لم يتضح بعد مدى استعداد روسيا لبيع إيران المزيد من الأسلحة الحديثة التي طالما سعت إليها طهران. الا عندما تعرف طبيعة الثمن السياسي الذي ستقدمه إيران.
في النهاية روسيا المشغولة في الحرب الأوكرانية، لا تريد إيران النووية، مثلما لا تريد أن ترى طهران تحت القصف، فبوتين أذكى من أن يهمل تجزئة خلافاته مع الغرب، عندما يتعلق الامر بإيران. أيضا لا تزال هناك مجموعة من الخلافات بين روسيا وإيران. لا يمكن أن نتجاهل هنا العلاقة الروسية “الإسرائيلية” الوثيقة، وماذا يعني ذلك لتلك العلاقة عندما تكون إيران حاضرة أيضا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى