أخبار الرافدين
تقارير الرافدينعربية

ميقاتي ملياردير لبناني يقود حكومة دولة توشك على الإفلاس

التوافق على تكليف نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة اللبنانية لا يعني أن الطريق باتت سالكة لإنقاذ البلاد.

بيروت – في غمار أزمة سياسية واقتصادية متفاقمة، كلفت الرئاسة اللبنانية، الخميس، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، المعروف بدوره الوسطي والتوافقي بتشكيل حكومة جديدة، ستكون الرابعة له منذ عام 2005.
وكان ميقاتي يتولى منصب رئيس وزراء لبنان اعتبارا من العاشر من أيلول 2021 وحتى الثالث والعشرين من أيار الماضي، مع ولاية مجلس النواب الجديد، عقب الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في الخامس عشر من من الشهر ذاته.
إذ تُعتبر الحكومة مع بدء أعمال البرلمان الجديد مستقيلة، وتُحصر صلاحيات الوزراء في نطاق تصريف الأعمال الإدارية، وفقا لأحكام الدستور اللبناني.
ويقوم النظام السياسي في لبنان على توزيع المناصب الرئيسية على الطوائف، حيث يتولى رئاسة الجمهورية مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة مسلم سُني، ورئاسة البرلمان مسلم شيعي.
وحال المصادقة عليها ستكون هذه الحكومة الأخيرة في عهد ولاية رئيس البلاد ميشال عون الحالية التي تنتهي في الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2022.
وبحسب الدستور اللبناني في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.
وهذا التكليف كان متوقعا منذ أيام، وجاء بعد يوم طويل من استشارات نيابية ملزمة في قصر الرئاسة بمنطقة بعبدا شرق العاصمة بيروت.
حيث تنافس ميقاتي مع السياسي نواف سلام الذي شغل منصب سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك بين تموز2007 وحتى دكانون الأول 2017.
وحصل الملياردير ميقاتي (66 عاما) على دعم 54 نائبا من أصل 128 يمثلون إجمالي مقاعد مجلس النواب، في حين لم يسم 46 نائبا أحدا، أما سلام فنال 25 صوتا، بينما حصل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على صوت واحد.
ويشهد لبنان منذ نحو عامين ونصف، أزمة اقتصادية حادة تعد الأسوأ في تاريخه، أدت إلى انهيار مالي ومعيشي وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.
وميقاتي نائب برلماني عن مدينة طرابلس (شمال) منذ عام 2018، وجاء إلى السياسة من قطاع رجال الأعمال.
وتولى حقيبة وزارة الأشغال العامة والنقل في ثلاث حكومات متعاقبة بين 1998 و2004، وانتُخب في عام 2000 نائبا عن طرابلس حتى 2005.
وللمرة الأولى، كُلف ميقاتي برئاسة حكومة تشرف على الانتخابات النيابية في 2005، ولم يترشح حينها للبرلمان، ثم أعيد انتخابه نائبا عامي 2009 و2018.
وأُعيد تكليفه رئيسا للوزراء في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011، وصدر مرسوم بتسميته رئيسا لمجلس الوزراء في الثالث عشر من حزيران من العام نفسه.
وبسبب خلاف حاد داخل مجلس الوزراء بشأن انتخابات نيابية وتعيينات أمنية، قدم ميقاتي استقالة حكومته في الثالث والعشرين من آذار 2013، وتابع مهامه رئيسا لحكومة تصريف أعمال حتى الخامس عشر من شباط 2014.
وخلال ولايته الحكومية بين 2011 و2013، اتبع ميقاتي سياسة النأي بالنفس كسياسة حكومية بوجه الحرب في الجارة سوريا، وقال وقتها إن “هدف هذه السياسة هو الحفاظ على وحدة لبنان”.
وولد ميقاتي عام 1955، وأكمل دراسته في الجامعة الأمريكية ببيروت، واستكمل دراسات عليا في فرنسا وجامعة هارفرد بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي تشرين الأول الماضي، برز اسم ميقاتي بعد ادعاء النائب العام لدى محكمة الاستئناف في جبل لبنان، القاضية غادة عون، بارتكابه جرم “الإثراء غير المشروع”، عبر الحصول على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان.
ونفى ميقاتي صحة هذا الاتهام، واضعا نفسه تحت القانون، ولم يصدر أي قرار قضائي نهائي في القضية.
وعادة ما تستمر عملية تشكيل الحكومة في لبنان عدة أشهر؛ جراء خلافات بين القوى السياسية.
ودعا ميقاتي الفصائل السياسية المختلفة في البلاد الى تنحية خلافاتها جانبا والتعاون لتخفيف الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد.
وفي كلمة ألقاها في القصر الرئاسي في بعبدا عقب تكليفه بتشكيل حكومة جديدة دعا ميقاتي البرلمان إلى إقرار اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أسرع وقت ممكن، قائلا انه الفرصة الوحيدة لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي.
وقال الملياردير الذي يواجه طريقا صعبة لتشكيل حكومته الرابعة إن لبنان ليس لديه “ترف الوقت والتأخير والغرق في الشروط والمطالب” التي تقدمها الأطراف المتنافسة على المناصب الوزارية.
وأضاف “لقد أصبحنا أمام تحدي الانهيار التام أو الانقاذ التدريجي انطلاقا من فرصة وحيدة باتت متاحة أمامنا في الوقت الحاضر”، في إشارة إلى الاتفاق مع صندوق النقد الذي يعد بدعم لبنان بثلاثة مليارات دولار شرط أن يشرع بتطبيق إصلاحات كثيرا ما أجلتها النخبة الحاكمة.
وأوضح “على مدى الأشهر الماضية دخلنا باب الانقاذ من خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووقعّنا الاتفاق الاولي الذي يشكل خارطة طريق للحل والتعافي، وهو قابل للتعديل والتحسين بقدر ما تتوافر معطيات التزام الكتل السياسية، وعبرها المؤسسات الدستورية، بالمسار الاصلاحي البنيوي”.
وأدى الانهيار الاقتصادي المستمر منذ نحو ثلاث سنوات إلى فقدان الليرة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها وزيادة الفقر وشل النظام المالي وتجميد أموال المودعين جراء أسوأ أزمة منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
وقال ميقاتي وهو مسلم سني وفق ما يقتضيه النظام الطائفي في لبنان “أضعنا ما يكفي من الوقت وخسرنا الكثير من فرص الدعم من الدول الشقيقة والصديقة، التي لطالما كان موقفها واحدا وواضحا.. ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”.

وحث ميقاتي البرلمان على إقرار القوانين التي أحالتها إليه الحكومة السابقة والتي من شأنها أن تمهد الطريق لاتفاق نهائي مع صندوق النقد بما في ذلك تعديلات على قواعد السرية المصرفية وضوابط رأس المال.
لكن مع وجود انقسامات عميقة بين النخبة الحاكمة في لبنان، فمن المعتقد على نطاق واسع بأن ميقاتي سيجد صعوبة في تشكيل حكومة، مما يتسبب في شلل سياسي قد يعيق الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي للإفراج عن المساعدات.
ويتوقع محللون وسياسيون أن تزداد عملية تشكيل الحكومة تعقيدا بسبب الصراع الذي يلوح في الأفق بشأن من سيخلف عون، رئيس الدولة المسيحي الماروني المتحالف مع حزب الله، عندما تنتهي ولايته في الحادي والثلاثين من تشرين الأول.
وبدا البرلمان – الذي ينتخب الرئيس الجديد – منقسما بشدة عقب الانتخابات العامة التي أجريت الشهر الماضي، إذ فقد حزب الله المدعوم من إيران وحلفاؤه أغلبيتهم وحقق الوافدون الجدد ذوو العقلية الإصلاحية مكاسب قوية وحصل حزب القوات اللبنانية المسيحي الموالي للسعودية على مقاعد.
وقال سامي الجميل رئيس حزب الكتائب المسيحي “نأمل ألا نقع في منطق عدم وجود حكومة قبل رئيس”.
أضاف “لا أحد يستطيع الصمود لمدة أربعة أشهر أخرى في ضوء الوضع الذي نحن فيه”.
وأبرمت حكومة ميقاتي مسودة صفقة تمويل من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار في نيسان، بشرط تنفيذ الإصلاحات التي تعرقلها الفصائل الحاكمة في لبنان منذ فترة طويلة.
ويُنظر إلى صفقة مع صندوق النقد على نطاق واسع على أنها سبيل لتخفيف الأزمة المالية، لكن الفصائل السياسية لا تزال منقسمة بشأن التفاصيل، ومنها ما يتعلق بكيفية تقاسم خسائر تقدر بنحو 70 مليار دولار في النظام المالي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى