أخبار الرافدين
تقارير الرافدينعربية

السلام الهش في ليبيا على المحك

الوضع في طرابلس فوق برميل متفجر، باشاغا يعد بعدم استخدام القوة والدبيبة يدعو قيادة الأركان للتأهب.

إسطنبول- فشل اجتماع لجنة المسار الدستوري الليبي في التوصل إلى اتفاق، سبقه انهيار لقاء مقرر بين رئيسي مجلسي النواب والدولة، ثم انتهاء المدة الزمنية لخارطة الطريق، ومطالبة خصوم عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة، بتسليم السلطة.. عوامل تجعل السلام الهش في البلاد على المحك.
وعادت مسألة شرعية حكومة الوحدة الوطنية لتطرح مجددا بحدة أكبر، بعد انتهاء المهلة التي وضعتها خارطة الطريق التي رعتها الأمم المتحدة، في الحادي والعشرين حزيران الجاري.
ويتزامن ذلك مع تحشيد عسكري في العاصمة طرابلس وبعض المدن المحيطة بها، يقابله حراك داخلي ودولي، متعدد الأطراف لنزع فتيل الأزمة قبل أن ينهار اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في الثالث والعشرين من تشرين الأول 2020، بين الجيش الليبي وقوات الشرق بقيادة خليفة حفتر.
“لقد انتھى رسميا الآن تفويض الأمم المتحدة لتحديد مسار الانتخابات. لذلك، وبصفتي رئيس وزراء ليبيا، المنتخب على النحو الواجب من قبل مجلس النواب، سأقود الآن كل الجھود المبذولة لإجراء الانتخابات في ليبيا في أقرب فرصة ممكنة”.
هذه الكلمة ليست للدبيبة، وإنما لغريمه فتحي باشاغا، وهي جزء من رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يطالبه فيها ضمنا بالاعتراف بشرعيته، رئيسا للحكومة الليبية.
ودخلت القاهرة الجدل الليبي، بعد أن اعتبرت وزارة خارجيتها أن “تاريخ الثاني والعشرين من يونيو 2022، موعد انتهاء خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي وولاية حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنبثقة عنه”.
لكن الأمم المتحدة وبشكل غير معتاد، حثت “القادة الليبيين على الامتناع عن استخدام تاريخ الثاني والعشرين من يونيو كأداة للتلاعب السياسي”، وهو الموقف الذي أشادت به حكومة الوحدة، لأنه يعني استمرار الاعتراف الدولي بشرعيتها.
على صعيد آخر، حشد الدبيبة قوات عسكرية وأمنية بالعاصمة، بعد أنباء عن تمركز كتائب من مدينة الزنتان بقيادة أسامة الجويلي بالقرب من الضواحي الغربية لطرابلس، بالإضافة إلى كتيبة النواصي المتمركزة في قلب طرابلس والداعمة لباشاغا أيضا.
فالوضع في العاصمة الليبية فوق برميل متفجر، رغم تأكيد باشاغا، أنه لن يستخدم القوة لدخولها، إلا أنه سبق وحاول التسلل إليها من الشرق والغرب والجنوب، وآخر محاولة تسببت في مقتل أحد المسلحين الداعمين له.
وفي حركة لها دلالتها في هذا التوقيت، زار الدبيبة، الأربعاء، المقر الجديد لقيادة الأركان، واستقبله محمد الحداد، قائد الأركان، الذي سبق له وأن دعا عناصر الجيش لاتخاذ الحياد في أي صراع سياسي، في إشارة إلى التنافس بين الدبيبة وباشاغا، على رئاسة الحكومة.
فموقف الدبيبة، الواضح، عدم تسليم السلطة لباشاغا، وهذا ما أعلنته وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، لسفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، بأن حكومة الوحدة “مستمرة في عملها”.
هذا يعني استمرار الصراع على السلطة وعلى الشرعية والاعتراف الدولي، وهذا السبب الذي أثار غضب لجنة الخارجية في مجلس النواب بطبرق من لقاء وزير خارجية الكونغو جون كلود جاكوسو، بالدبيبة في طرابلس، بصفته مكلف بالملف الليبي بالاتحاد الإفريقي.
فزيارة الوزير الكونغولي لطرابلس تؤكد استمرار اعتراف الاتحاد الإفريقي بشرعية الدبيبة، رئيسا للحكومة.
كما زارت وزير الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، الدوحة، والتقت بنظيرها القطري محمد بن عبد الرحمان، في خطوة لتأكيد أن حكومة الوحدة مازالت تحظى باعتراف المجتمع الدولي.
بالمقابل توجه، باشاغا إلى لندن، حيث أجرى لقاءً مع نائبين في البرلمان البريطاني، ولقاء مغلقا في مقر وزارة الخارجية، دون أن يكشف عن أسماء الشخصيات التي التقاها، ما يؤكد أن اللقاء ليس رسميا، وأن لندن مازالت تعترف بحكومة الدبيبة، إلى أن يثبت العكس.
والحراك الذي تقوم به السفيرة البريطانية لدى ليبيا، عقب افتتاح مقر السفارة في طرابلس بعد 8 سنوات من الإغلاق، يكشف عن رغبة لندن في لعب دور أكبر في ليبيا خلال المرحلة المقبلة.
وراهنت المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز، على إحداث اختراق في الأزمة من خلال إنجاح المسار الدستوري، لوضع قاعدة دستورية تكون أساسا للانتخابات المقبلة.
وإن كانت نجحت ويليامز في جمع ممثلين عن مجلسي النواب والدولة في القاهرة خلال ثلاث جولات، آخرها كانت بين الثاني عشر والتاسع عشر من حزيران، إلا أنها أخفقت بالخروج باتفاق رغم حجم التفاؤل الذي حملته تغريدة للمستشار الأممية عن “اللمسات الأخيرة”.
ومختلف الاجتماعات والملتقيات التي رعتها الأمم المتحدة بين الشرق والغرب الليبيين، كانت كلمة السر في عدم التوصل إلى اتفاق شامل ينتهي بانتخابات هي “خليفة حفتر”.
فأنصار قائد الجيش الليبي في الشرق خليفة حفتر يريدون تفصيل شروط وقوانين على مقاسه بشكل لا تجبره على التخلي عن لباسه العسكري، كما أنه يملك جنسية أمريكية ولا يريد التنازل عنها.
أما خصومه في الغرب الليبي فيرفضون ما يعتبرونه حكم العسكر، ويطالبون بدولة مدنية، وأن يكون مشروع الدستور أو القاعدة الدستورية عاما ولا يوضع على مقاس أفراد بعينهم.
أما بقية النقاط الخلافية فليست جوهرية للطرفين، لذلك تم تحقيق تقدم في التوافق بشأن غالبيتها.
لكن ما عجل بفشل الجولة الثالثة للمسار الدستوري، انهيار لقاء كان سيجري بين عقيلة والمشري في القاهرة، بعد عدم الاتفاق على جدول الأعمال.
فينما كان عقيلة يرغب في بحث مسألة السلطة التنفيذية (تغيير حكومة الوحدة وربما المجلس الرئاسي أيضا)، أصرّ المشري على عدم الخروج عن موضوع المسار الدستوري، ما أجهض اللقاء.
فالمشري، كاد أن يدفع ثمن اتفاقه مع عقيلة، وتقديم تنازلات له في ملف تشكيل حكومة جديدة مقابل الحصول على مكاسب في الملف الدستوري.
وتسبب هذا الاتفاق في غضب الحاضنة الشعبية للمشري في المنطقة الغربية، وانقسام حاد بين أعضاء مجلس الدولة، وتشكل حكومة موازية بقيادة باشاغا، ما أعاد الانقسام إلى البلاد دون أن يحسم ملف القاعدة الدستورية أو الاستفتاء على مشروع الدستور الجاهز منذ 2017.
ولا يريد المشري أن يلدغ من نفس الجحر، لذلك اقترح أن يُعقد اللقاء مع رئيس مجلس نواب طبرق في مدينة غدامس الليبية (جنوب غرب) بدل القاهرة، رغم أن مكان انعقاد الاجتماع لم يكن سبب فشله.
بينما تتحرك المستشارة الأممية باتجاه تسهيل انعقاد هذا الاجتماع، الذي كان فشله مقدمة لعدم توافق لجنة المسار الدستوري بالقاهرة، ولإنقاذ الموقف السياسي من مزيد من التدهور.
وأعلنت وليامز أن كلا من عقيلة والمشري وافقا على الاجتماع بمقر الأمم المتحدة بجنيف، يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من حزيران بغية مناقشة “مسودة الإطار الدستوري بشأن الانتخابات”، دون الحديث عن بحث مسألة “السلطة التنفيذية”.
بالمقابل، بدأت تتعالى بعض الأصوات للخروج للشارع لإسقاط مجلسي النواب والدولة، باعتبارهما يقفان حجرة عثرة أمام الذهاب إلى الانتخابات، للبقاء في السلطة.
فيما يذهب آخرون إلى فكرة عودة الملكية “الدستورية”، والاحتكام إلى دستور الاستقلال 1951، بعد تعديل بعض مواده، ليكون الأساس الذي تجرى عليه الانتخابات، وللحفاظ على وحدة البلاد من الانقسام والتفتت.
إذ أن المجتمع المدني ممثلا في أحزاب سياسية وناشطين، بدأوا يبحثون عن حلول وخيارات غير تقليدية تتجاوز المؤسسات الحالية (مجلسي النواب والدولة) لإنهاء 11 سنة من المراحل الانتقالية وتوجه نحو انتخابات تحقق الاستقرار.
وإن كانت هذه الأطراف لا تملك قوة عسكرية أو سلطة سياسية، فإن لجوؤها إلى الشارع قد يدفع السياسيين والعسكريين إلى التنازل، ففي 2013 أجبرت المظاهرات المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) على عدم التمديد لنفسه مجددا، وكذلك مظاهرات 2020 في طرابلس وبنغازي ومدن أخرى أطراف الصراع على التوافق عل حكومة وحدة، ووقف قفل النفط.
فالوضع محتقن سياسيا وعسكريا، لكن الحراك الأممي والدولي، من شأنه تخفيف هذا الاحتقان.
وموافقة البرلمان التركي على المذكرة الرئاسية بشأن تمديد مهام القوات العاملة في ليبيا 18 شهرا، اعتبارًا من الثاني من تموز المقبل، من شأنه أن يكون ضمانة لعدم تكرار مآسي الهجوم على طرابلس في 2019.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى