الجفاف والإهمال الحكومي يهددان بشطب الأهوار من قائمة التراث العالمي
اليونسكو ترجح تصنيف أهوار العراق في القائمة الحمراء لعدم إيفاء الحكومة بتعهداتها وإهمالها بيئيًا وخدميًا.
ميسان – الرافدين
كشفت مصادر مطلعة عن توجه للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة يونسكو إلى شطب الأهوار والمدن الأثرية في العراق من لائحة التراث العالمي ووضعها بالقائمة الحمراء بسبب المخاطر المرتبطة بالجفاف وقلة الموارد المائية الناتجة من التغيرات المناخية، ونقص الإطلاقات التي تصل من دول الجوار، فضلًا عن التأخر في تنفيذ المشاريع التي تحافظ على البيئة الحياتية وتحقق التنمية المستدامة، وعدم تطوير المرافق اللازمة لتشجيع السياحة.
وبينت المصادر أن بيئة الأهوار تواجه انخفاضًا بمناسيب المياه التي تصل إلى أدنى المستويات، ما ينذر بتأثير بالغ الضرر على الأهوار وكل أنواع الحياة الحيوانية والنباتية، وينعكس سلبًا على طقوس الحياة العامة للسكان ويتسبب بهجرتهم.
وأضافت المصادر أن الإجراءات الحكومية من أجل الحفاظ والإبقاء على الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي خجولة جدًا، ولا ترتقي إلى مستوى الإيفاء بالالتزامات المترتبة عليها، لاسيما التوصية الأولى المتعلقة بتوفير الحد الأدنى من المياه للأهوار.
ونفت الهيئة العامة للآثار والتراث المرتبطة بوزارة الثقافة والسياحة والآثار، الخميس، التقارير التي أوردت تحذيرات بدخول “أهوار جنوب العراق” في القائمة الحمراء للائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو وإمكانية شطبها ومواقع عراقية أخرى من اللائحة العالمية، مبينة أنه لم يرد أي تحذير رسمي من اليونسكو بهذا الخصوص.
وقال مدير عام دائرة التراث العامة في الهيئة العامة للآثار والتراث إياد ناظم داود إن “عدم الإيفاء بالتوصية الأولى خارج عن إرادتنا وإذا ما صار انخفاض في الموارد المائية فالسبب الدول المغذية، وهذا ظرف طارئ، ويجري (تحذير العراق) إذا ما كان هناك طرف مباشر بالإضرار بالموقع أو أي نشاط يضر بالقيمة كإطلاق المياه الملوثة في هذا الموقع”.
وحمّلت لجنة إنعاش الأهوار المشتركة بين ذي قار وميسان بدورها، الحكومة مسؤولية إهمال ملف الأهوار مؤكدة أن مسألة إدراج الأهوار في لائحة التراث العالمي لم يتم الاستفادة منها مطلقًا بسبب الإهمال الحكومي.
وقال رئيس اللجنة، عدنان الغانمي، إن أهوار ذي قار وميسان شهدت انخفاضًا كبيرًا بمناسيب المياه، فضلًا عن ارتفاع نسب الملوحة والتي أدت إلى موت الأحياء المائية والحيوانات، واستحالة إعادة الحياة إليها من جديد.
واتهم، الغانمي، اللجنة الحكومية المسؤولة عن الأهوار بأنها كانت غير متفاعلة بشكل جدي، وأن اليونسكو وضعت شروطًا لم يتم تنفيذها مطلقًا من قبل هذه اللجنة.
ويتفق سفير العراق الأسبق في تركيا وعضو الوفد المشارك في اجتماعات لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (يونسكو) هشام العلوي، مع هذا الرأي ويرى في التقصير الحكومي سببًا في احتمالية شطب الأهوار والمدن الأثرية العراقية من لائحة التراث العالمي.
وبين العلوي، أن ” الأهوار الـ4، والمدن الأثرية الثلاث في جنوب العراق، أضيفت إلى لائحة التراث العالمي في تموز 2016 وأن اليونسكو اشترطت الحفاظ على البيئة الحياتية، وترميم مناطق الأهوار وإزالة التجاوزات، كما أكدت ضرورة الاستثمار في تحقيق أهداف التنمية المستدامة فيها، إضافة إلى تطوير البنى التحتية اللازمة لتشجيع السياحة.
وأضاف العلوي أن تطوير الأهوار والمدن الأثرية كان من المفترض أن يسير بعد إدراجها على لائحة التراث العالمي، وفق اتجاهين من خلال لجنتين، إحداها مركزية، وأخرى محلية محدودة الصلاحيات والموارد، تعتمد على اللجنة المركزية التي كان من الواجب أن تعمل بتوجيهات الحكومة في بغداد ضمن رؤية شاملة”.
وعبر العلوي عن أسفه قائلًا “هناك بُطء واضح في العمل خلال السنوات الماضية، واللجنة المحلية التي تمثل محافظات (البصرة وميسان وذي قار) أشارت إلى عدم جدية في اتخاذ الإجراءات الميدانية، لتنفيذ الشروط التي وضعت من قبل اليونسكو قبل إدراج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي”.
ويؤكد خبراء في الشأن البيئي، أن نسبة الضرر في الأهوار تجاوزت النصف في العامين الأخيرين؛ من جراء أزمة المياه والجفاف التي تضرب البلاد بعد قطع إيران للمياه بشكل كامل عن العراق، إضافة للسياسات الفوضوية للحكومة في التعامل مع هذه الأزمة.
ويوضح الخبير البيئي المتابع لمشاكل الأهوار جاسم الأسدي “قبل سنوات وتحديدًا عام 2019، كان منسوب المياه في الأهوار يصل إلى أكثر من 200 سنتمتر، لكن اليوم منسوب المياه فيها يصل إلى 88 سنتمترًا فقط”.
وعن خطر هذا المؤشر، يقول الأسدي”هذا يعني أن الأهوار فقدت معدلات كبيرة من منسوب المياه بعد أن بدأت تفقد نصف سنتيمتر يوميًا خلال هذا العام، ونعتقد أنها ستتعرض للجفاف بشكل كامل بحلول عام 2023″، مضيفًا أن “العائلات والطيور التي كانت تعيش بالأهوار وقربها هاجرت، فضلًا عن تعرض المواشي والحيوانات المائية للموت”.
وسلط الأسدي الضوء على المخاطر التي تضع الأهوار في القائمة الحمراء لليونسكو والتي يجري الحديث عنها مؤخرًا، ومن بينها “الجفاف وقلة الإطلاقات المائية للأهوار، والتلوث الذي قد يحصل، وهو تلوث متعدد الأوجه كزيادة الملوحة بشكل كبير، أو إطلاق مياه الصرف الصحي للأهوار كما يحدث الآن أو تأثير التلوث النفطي إن حصل كسر أنبوب يمر عبر الأهوار، أو تصريف مخلفات المعامل والمصانع والمستشفيات إلى الأنهار الرئيسة ثم إلى الأهوار.
ولفت إلى أن تاريخ اليونسكو يشهد على شطب أكثر من موقع من ضمنها موقع ألماني، وكان ذلك بسبب الإخلال بالالتزامات بإنشاء جسر حديدي في أحد المواقع.
ويدور العراق في حلقة متكررة من أزمات المياه بسبب التغير المناخي والتلوث وبناء السدود على الأنهار من قبل دول الجوار إذ يصنف العراق كخامس أكثر دولة معرضة لخطر أزمة المناخ، عالميًا وفقًا للأمم المتحدة.
وحذر ممثل برنامج الأغذية العالمى (WFP) في العراق التابع للأمم المتحدة، على رضا قريشى، دول الجوار من حصول تغيير بيئي ومناخي لها فى حال جفاف الأهوار، منبهًا على أن سكانها في خطر محدق حاليًا.
وبين قريشي أن “النظام البيئي المتكامل الذي وفرته الطبيعة، هو جزء من منظومة متكاملة لتنظيم درجات الحرارة والرطوبة وتوفير البيئة الملائمة لزراعة المحاصيل، ليس فقط في هذه البيئة فحسب، بل حتى في المناطق المجاورة لها”.
وأشار إلى أن موضوع المياه له تأثير مباشر في سبل عيش المزارعين ووفرة الغذاء، محذرًا من أن “الوضع إن استمر على ما هو عليه فسنواجه خطرًا محدقًا وكارثة أكثر من الوضع الحالي”.
وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، قد حثت هي الأخرى جيران العراق على بدء حوارات حول تقاسم المياه، في ظل الأزمة المائية التي يشهدها العراق منذ العام الماضي، نتيجة تراجع الإيرادات المائية التي تأتي من إيران وتركيا، محذرة من أن “التخفيض النشط لتدفقات المياه من البلدان المجاورة إلى العراق يمثل تهديدًا خطيرًا آخرًا للبلاد”.
وسبق أن أكدت السلطات الحكومية تعاون أنقرة مع بغداد في ملف المياه، بينما تتهم وزارة الموارد المائية إيران بقطع روافد المياه عن العراق ما تسبب بتفاقم أزمة شح المياه، ما دفعها لمطالبة وزارة الخارجية بتدويل قضية قطع إيران للمياه.
وبحسب تصريحات سابقة للرئيس العراقي المنتهية ولايته برهم صالح، فقد تضرر 7 ملايين عراقي من أصل 40 مليونًا، من الجفاف والنزوح الاضطراري بسبب نقص المياه فضلًا عن ” تأثير التصحر على 39 بالمائة من مساحة العراق، و54 بالمائة من الأرض الخصبة مُعرّضة لخطر فقدانها زراعيًا بسبب الملوحة الناتجة عن تراجع مناسيب دجلة والفرات”.