أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

كم تحالف سيخوض الحرب العالمية؟

دخل العالم مرحلة الصراعات والحروب والتغييرات الكبرى، ولم يعد السؤال المطروح، ما إذا كان العالم مهددًا بوقوع حرب عالمية أم لا، إذ الحرب العالمية بدأت مرحلتها الأولى بالفعل. والأسئلة المطروحة الآن تدور حول ما إذا كان تصاعد الحرب والأسلحة المستخدمة فيها، سيؤدي إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي أو الاستراتيجي، وحول طبيعة وتشكيلة الأحلاف التي ستخوض تلك الحرب، وحول النظام الدولي القادم. الحرب العالمية جارية بالفعل في مرحلتها الأولى. وقد أفصحت التطورات الجارية عن نمط تلك الحرب، إذ الجاري والمتفاعل الآن هو نمط جديد مختلف من الحرب لا يشبه الحربين الأولى والثانية ويمكن وصفه بنمط الحرب الهجين.
كانت حرب تفكيك يوغسلافيا وإنهاء انقسام الدول “ألمانيا واليمن وغيرها” وعملية تفكيك الاقتصادات المركزية، إنهاءً لبقايا الحرب الباردة بين القطبين السوفيتي والأمريكي. وجرت حروب العراق وأفغانستان على خلفية فرض نظام القطب الواحد وجرت حرب روسيا على جورجيا، في الاتجاه المضاد.
لكن حرب أوكرانيا هي بداية الحرب العالمية الثالثة، وسيكون الأمر شديد الوضوح، إذا ما انطلقت حرب حول تايوان. ولذلك لم تكن مصادفة أن التقى قادة روسيا والصين قبل بداية الحرب، ليعلنا في بيان مشترك، أن التعاون بينها أصبح بلا حدود. وأن تتصاعد حركة بناء الأحلاف العسكرية في آسيا، وأن تدفع الولايات المتحدة بقواتها العسكرية إلى دول شرق أوروبا، وأن تزيد الدول ميزانيات التسلح.
هنا يثار التساؤل حول سبب القول إن الحرب العالمية جارية؟ ولما لا نقول إن الحرب الأوكرانية مجرد حرب مثل سابقاتها؟
والإجابة تتطلب أولًا، تحديد مفهوم ومضمون المقصود بالحرب العالمية.
الحرب العالمية شكل فعالياتها هو العمل العسكري لكن الأهم في مفهوم وجوهر الحرب العالمية، هو استهداف إجراء تغييرات كبرى في توازنات القوى على صعيد الوضع الدولي، وإعادة تشكيل النظام الدولي.
كان الأهم في الحرب العالمية الأولى أن حدث تغيير ضخم في التوازنات الدولية بإنهاء وجود الإمبراطوريات العثمانية والألمانية والنمساوية والمجرية وتشكيل الدول المنتصرة عصبة الأمم بصفتها نظامًا دوليًا جديدًا.
وكان الأهم في الحرب العالمية الثانية، أن ظهر الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بصفتيهما دولًا عظمى وأن تشكلت الأمم المتحدة كنظام دولي.
هذا هو جوهر الحرب العالمية في كلتا الحالتين. وهذا هو جوهر الحرب في أوكرانيا وتايوان وبحر الصين الجنوبي، إذ نحن أمام حرب وصراع حول التوازنات الدولية وحول نظام القطب الواحد، وحول بناء نظام دولي جديد.
حرب أوكرانيا وحرب تايوان إن اندلعت، تطرح تلك التغييرات وتستهدفها إذ إن الدولتين الساعيتين لتغيير النظام أحادي القطبية، هي المشتبكة في الأزمتين، في مواجهة الغرب الذي يهدف للحفاظ على التوازنات الحالية وعلى النظام الدولي الخاضع لسيطرته.
ومع الوضع في الاعتبار، أننا في بدايات الحرب، فليس شرطًا أن تجري الحرب العالمية الثالثة وفق النمط الذي شاهدناه في الحربين الأولى والثانية. وإذا كنا شاهدنا معارك الدبابات والزحف واحتلال الأرض في الحربين الأولى والثانية فالأمور تختلف كليًا في الحرب الثالثة.
لا أحد سيزحف لغزو وروسيا ولا لغزو فرنسا ولا الصين ستغزو اليابان ولا اليابان ستغزو الصين.
لم تعد للجغرافيا أهميتها الحاسمة على صعيد احتلال الدول الكبرى لبعضها، كما كان الحال خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية لأسباب كثيره منها وجود وانتشار السلاح النووي التكتيكي والاستراتيجي، ولأن الصواريخ قادرة على القيام بمهام التدمير عن بعد، ولأن أدوات الحرب صارت شاملة ومنها ما قد يفوق تأثيره الفعل العسكري، كما هو الحال في إرباك وتعطيل شبكات الإنترنت والأقمار الصناعية التي باتت عصب الدولة والصناعة والجيوش، بل حتى المجتمعات.
لقد أفصحت التطورات الجارية حتى الآن –وبشكل خاص بعد التهديد الروسي بالسلاح النووي- أن الحرب العالمية الثالثة لن تكون كسابقاتها وأنها ستسير وفق نمط الحرب الهجين التي تشمل كل أنواع الحروب الاقتصادية والمالية والسياسية والاقتصادية وحرب العملات وحروب التصدير والاستيراد والحرب السيبرانية.
والملمح الأهم الذي يجرى العمل عليه الآن لتتحدد مسارح الحرب، هو بناء الأحلاف المساهمة والداخلة في تلك الحرب إذ اعتاد الاستراتيجيون رسم جبهات الحرب وفق ملامح الأحلاف الداخلة فيها، ما يجرى أمامنا هو صراع دولي شامل بين جبهتين غير مكتملتين. جبهة تقودها الولايات المتحدة على عدة محاور وعبر تشكيل عدة تحالفات في مختلف أنحاء المعمورة وبشكل خاص في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وإفريقيا. في آسيا هناك حلفان عسكريان، أو كما يقال أمنيين الآن، أحدهما إيكوس والثاني أكواد، وحلف الأطلنطي في أوروبا ومحاولة بناء ما يسمى بالناتو الشرق أوسطي.
وفى الجبهة الأخرى روسيا والصين وفق تحالفات وجبهات تشكلت وتتعزز ممثلة في ميثاق شنغهاي ودول المنظومة الأمنية للدول الآسيوية العائدة للعباءة الروسية، ودول البريكس.
لكن كل تلك الجبهات لم تأخذ شكلها النهائي بعد وحرب أوكرانيا وأزمة تايوان هما أحد أدوات تفعيل عملية تشكيلها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى