أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الجزائريون في مواجهة نفوذ فرنسا الثقافي على بلادهم

الرئيس عبد المجيد تبون: لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يغيب عن أذهاننا الوضع المزري الذي كانت عليه بلادنا غداة الاستقلال.

 الجزائر_ بالتوازي مع معركة الجزائر المستقلة لإجبار فرنسا على الاعتراف بجرائمها خلال فترة الاستعمار (1830 ـ 1962)، تخوض الدولة العربية إلى اليوم “حرب هوية” شاقة ضد النفوذ الثقافي الذي تركته باريس.

وتحتفل الجزائر هذه الأيام بالذكرى الستين للاستقلال في 5 تموز 1962.

وفي 3 تموز الجاري، كتب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مقالًا في مجلة الجيش التابعة لوزارة الدفاع جاء فيه: “لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يغيب عن أذهاننا الوضع المزري الذي كانت عليه بلادنا غداة الاستقلال، على كل الأصعدة بدون استثناء سيما في مجال التعليم”.

الاحتلال الفرنسي حرم السواد الأعظم من الجزائريين من حقهم في التعليم

وتابع أن التعليم “حُرم منه السواد الأعظم من الجزائريين، 90 بالمائة أميين (بعد الاستقلال)، لكن ذلك لم يكن ليمنع الشعب الجزائري من مواجهة هذا الوضع ورفع تحديات كبرى في ظرف سنوات قليلة”.

وقال المؤرخ الجزائري عامر رخيلة، إن “فرنسا دخلت الجزائر عام 1830 (بعد نهاية الحقبة العثمانية) ووجدت نسبة الأمية في البلاد في حدود 10 بالمئة وخرجت منها عام 1962 وتركت نسبة الأمية 90 بالمئة”.

وتابع: “فرنسا منذ البداية كان لها هدف باعتبارها استعمارًا استيطانيًا هو جعل شعب الجزائر أوروبيًا، ولكنها وجدت الإسلام والعربية عائقين أمام مشروعها وهو ما أدى بها إلى التضييق عليهما مقابل نشر الفرنسية”.

وأشار إلى أنه “ظهر في الجزائر مع بداية الاستعمار التعليم الحر الذي وضعه الأهالي لمواجهة الإدارة الاستعمارية والحفاظ على الهوية”.

وبعد 6 عقود من الاستقلال ما زالت الجزائر تخوض معركة هوية للقضاء على إرث ثقافي كبير للاستعمار الفرنسي، بداية بتعريب التعليم في سبعينيات القرن الماضي ووصولًا إلى مشروع جديد هذا العام بتدريس الإنجليزية لأول مرة في المرحلة الإعدادية من التعليم.

وكشف تقرير للمنظمة الدولية للفرانكفونية لعام 2022 أن حوالي 15 مليون جزائري (من بين 45 مليونا) أي ما يمثل ثلث الشعب يتحدثون اللغة الفرنسية.

وفي كانون الثاني 1991، أصدرت السلطات الجزائرية قانونا يقضي بتعميم استخدام العربية في المعاملات كلها داخل القطاعات الحكومية، لكن تطبيقه بقي معلقا لأسباب يقول معارضون إنها تعود لنفوذ ما يُسمى “اللوبي الداعم لفرنسا” بالبلاد.

وخلال عام 2021، أطلقت السلطات الجزائرية حملة ضد استعمال اللغة الفرنسية في المؤسسات الحكومية بإعلان عدة وزارات حظر التعامل بها شفهيا أو في الوثائق الداخلية والخارجية.

كما أعلن مجلس الوزراء، عبر بيان في 19 حزيران الماضي، أن الرئيس تبون “أمر باعتماد اللغة الإنجليزية بدءا من الطور الابتدائي (الإعدادية)، بعد دراسة عميقة للخبراء والمختصين”.

وفُهمت الخطوة على أنها للحد من نفوذ اللغة الفرنسية التي تدرس في المرحلة الابتدائية منذ عقود.

وفي أغسطس آب 2020، أعلن تبون افتتاح “جامع الجزائر”، الذي تقول السلطات إنه ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين في السعودية.

جامع الجزائر الأعظم يحمل رمزية دينية مضادة للتوجه الاستعماري الصليبي

وكان اختيار مكان المسجد في حي المحمدية بالعاصمة الجزائر له دلالة رمزية كونه شُيد على أنقاض مقر أكبر مدرسة للتبشير بالمسيحية شُيدت في عهد الاستعمار عام 1886 باسم الكاردينال الفرنسي شارل لافيجري.

وقال أستاذ الفلسفة في جامعة الشلف غربي الجزائر ميلود بلعاليه، إن “جامع الجزائر الأعظم يحمل، فضلًا عن البعد الثقافي والاقتصادي والسياحي، رمزية دينية مضادة للتوجه الاستعماري الصليبي”.

وتابع: “ليس من باب الصدفة أن يُشيد على امتداد واجهة بحرية شهدت في الماضي مقاومات شرسة ضد الاحتلال الصليبي، وضد محاولات توطين الديانة المسيحية الكاثوليكية بزعامة شارل لا فيجري”.

وأردف: “جامع الجزائر الأعظم هو بمثابة قلعة رمزية تحمل دلالة انتصار الإسلام على الصليب في أرض الجزائر، وفي مكان أخذ تسميته من اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث صارت تعرف بحي المحمدية بدل لافيجري”.

وبشأن جهود الدولة منذ الاستقلال لترميم عناصر الهوية التي استهدفها الاستعمار قال بلعاليه إن “الجزائر لا تزال تسعى إلى تحصين هويتها الثقافية والتاريخية من خلال المراهنة على عنصري اللغة العربية والدين الإسلامي إيمانا منها بأنهما روح الأمة”.

وفي 29 حزيران الماضي، نشر رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر) عبد الرزاق مقري بيانا يرد فيه على نائب فرنسي قام بتمجيد الحقبة الاستعمارية جاء فيه: “جهاد المجاهدين الميامين ضد الاستعمار(الفرنسي) لا يزال متواصلا”.

وأضاف مقري أن “معركة الجزائر لا تزال قائمة، ولن تنتهي حتى يتحقق الاستقلال التام ثقافيًا واقتصاديًا وفي كل المجالات لكي يدرك أمثال هؤلاء أننا هزمناهم على كل الأصعدة”.

واستدرك: “لا تزال مظاهر التبعية (للثقافة الفرنسية) مستمرة، نراها عند مسؤولين في مؤسسات الدولة، وعند نخب في المجتمع يتحدثون بينهم ومع أبنائهم بالفرنسية”.

واستطرد: “بل نراها عند ذلك المواطن البسيط الذي لا يحسن التكلم بجملتين باللغة الفرنسية ولكن يكتب لافتة محله ومتجره بالفرنسية ويهمل لغة آبائه وأجداده”.

وقال رخيلة في هذا الشأن إن “الفرنسية أحب من أحب وكره من كره لها وجود قوي في الجزائر كرصيد ثقافي ولغوي واجتماعي وارتباطات مع فرنسا التي بها قرابة 6 ملايين مهاجر جزائري”.

وتابع: “أنا من أنصار تعميم الإنجليزية كلغة عالمية في كل المجالات، ولكن لا يمكن المزايدة بالقول إن الإنجليزية تحل محل الفرنسية”.

واعتبر أن “هذا الأمر ما زال بعيدا لأن أهل التعليم أيضًا يؤكدون أن ذلك غير ممكن وهذا لا يستقيم مع الواقع الجزائري الراهن”.

وأردف: “منذ الاستقلال عام 1962 والمسألة اللغوية مطروحة وبين السبعينيات والتسعينيات كان الطرح المتعلق بالحد من نفوذ الفرنسية ظرفيًا ومرتبطًا بوقوع توترات في العلاقات مع فرنسا وليس مبنيا على عمل علمي أو أكاديمي”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى