أخبار الرافدين
كرم نعمة

هل تتذكرون العريبي وزير سياحة المالكي؟

يبحث العراقيون برمتهم عن مصنع سياسي أو مصدر قرار حكومي أو قضائي يثقون به للتعويل عليه في مدونتهم التاريخية، لكنهم لا يجدون إزاء بؤس العملية السياسية القائمة غير ما وصفته في يوم ما بالعمائم الطائفية والغربان التي ترتدي ربطات العنق وتتجول في المنطقة الخضراء.
السياسيون في مصنع اللاسياسة العراقي، أشبه بطفل يلصق كل شيء يحدث بشكل خاطئ وفاسد بالنظام السابق “لا تنس هنا أن أثر ذلك النظام صار في العربات المتأخرة من قطار التاريخ ونحن نقترب من عقدين على سقوطه”، بينما لم يعد أحد من العراقيين لا يدرك أن الرثاثة السياسية القائمة منذ عام 2003 سببها تراجع منسوب الوطنية وجهل سياسيي اليوم وفسادهم وخضوعهم.
عندما اجتاحت عمليات النهب مدن العراق بعد الاحتلال الأمريكي أضاف وزير الدفاع الأمريكي سيء الذكر دونالد رامسفيلد إلى مدونة مصنع الكذب السياسي ذريعة قيمتها بجماليتها الكاذبة عندما كان رده “الحرية غير مرتبة” و”الأشياء تحدث”. بينما أكثر ما استطاع أن يصل إليه ذهن باقر جبر صولاغ بوصفه منظّر المجلس الأعلى الإسلامي القادم من إيران لحكم العراق، والذي تقلد مناصب وزارات الإسكان والداخلية والمالية، إلى دعوة “امنحونا بعض الوقت لنجعل من العراق جنة”!
أكتشف العراقيون بعد أشهر قليلة ماذا تعني تلك الجنة وفق مفهوم صولاغ عندما تقلد منصب وزير الداخلية وكشف عن سجونه السرية المخصصة للانتهاكات والتعذيب الشنيع.
اليوم “الجنة” نفسها مستمرة بمفاهيم واقعية يديرها سياسيو الرثاثة القائمة والمستمرة.
في حقيقة الأمر، إن جميع المسؤولين الذين يتقلدون مناصب حكومية عليا، يشعرون بضعفهم أمام أنفسهم، ويريدون أن يصدقوا أنهم يتقلدون فعلا هذا المنصب الرفيع في إدارة الدولة، الأكثر من ذلك أنا لا أشك أن من يمتلك منهم وعيا مقبولا يتساءل مع نفسه عمّا إذا كانت هناك دولة بالفعل في العراق، وأين هي إن لم تكن دولة افتراضية تختصرها المنطقة الخضراء المحمية.
لست متطرفا في التوصيف عندما أعوّل على الوعي هنا، هل تتذكرون محمد عباس العريبي وزير السياحة والآثار في حكومة نوري المالكي الذي كان لا يفرّق بين ضخامة الرئيس وفخامة الرئيس؟ مازال مصنع اللاسياسة في العراق يخّرج مثل تلك النماذج ضحلة الوعي. وعلينا أن نترقب معادلا للعريبي في الحكومة الجديدة التي تعد لها أحزاب إيران في العراق.
إذا كان رئيس الجمهورية برهم صالح يحسب على نخبة السياسيين هناك، فإن كل الذين يعرفون صالح عن قرب يؤكدون أن كلامه في المجالس الخاصة، تهكم على ما يعلنه في مجالسه السياسية المعلنة، لأنه يدرك أن قيمة ما يصدره على الورق ينتهي بمجرد نشره. فهو رئيس سلطة افتراضية غير قادرة على مصادرة بندقية من ميليشيا خارجة عن القانون. ماذا عن القانون أصلا، فكلمة اللاقانون تتردّد أكثر بكثير في العراق. أنظر ان مقتدى الصدر خاطبه في آخر تغريدة بالقول بـ “بما يسمى برئيس جمهورية العراق” هذا يعني يوجد رئيس غيره وفق مفهوم الصدر!
وعلى نحوٍ مشابه، يبدو من قبيل المهزلة الاعتقاد بسلطة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. فهو غير قادر على الاستفادة من المصانع السياسية كمصدر للحوكمة الرشيدة. ليس لأنه لا يريد ذلك، بل لأن لا سياسة في العراق أصلا بوجود اللادولة وسلطة الميليشيات.
ربما أعاد عليه أحد المقربين منه تحذير وينستون تشرشل بوصفه درسا سياسيا في غاية الأهمية عن مخاطر استرضاء المعتدي. لكنه – لسوء حظ العراقيين – طالما انصاع لذلك المعتدي حتى عندما وصل إلى أطراف منزله بعد اعتقال الميليشياوي المحترف قاسم مصلح. قادة الميليشيات طالما توعدوا بـ”قطع أذن الكاظمي”.
لدينا نماذج سياسية أخرى من هذا المصنع الرديء. رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي يجسد بامتياز المحاصصة الطائفية في إدارة الدولة بغية الذهاب المتعمد إلى اللادولة.
يتباهى أنصاره في ترويج تسجيل مصور له رافضا استخدام مفردتي السنة والشيعة في قرارات البرلمان، وتلك كوميديا صلفة تسخر من عقول العراقيين، بمجرد أن نعرف أن الحلبوسي لم يوضع في منصبه هذا إلا وفق طائفته. بينما يخون وعي أولئك المروّجين له الالتفات باتجاه ليس بعيدا عن مبنى مجلس النواب كي يروا مباني الوقفين السني والشيعي في العراق!
في الواقع إن التاريخ سيشعر بالقرف السياسي لمجرد أن تناط به مهمة كتابة فصل عن المفاهيم السياسية التي سيتركها أولئك الذين يرتدون ربطات العنق في المنطقة الخضراء.
هل ينبغي إلقاء المسؤولية على الغربان المتجولة في المنطقة الخضراء وحدهم؟ ماذا عن مسؤولية العراقيين برمّتهم؟
ربما يوفر عليّ عناء الإجابة المريرة ما كتبه الزميل فاروق يوسف “عراق جديد لم يولد بعد أكثر من ثماني عشرة سنة من اللعب بالأوراق وخلطها. حتى بعد أن تم تحطيم آثار النمرود وسرقة آثار أور واللعب بمحتويات المتحف العراقي وإهانة شارع الرشيد من خلال تحويله إلى مزبلة وقطع رأس أبي جعفر المنصور لا يزال هناك عراق صعب. يُخيّل إلينا أنه لم يمت”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى