أخبار الرافدين
تقارير الرافديندولية

الغرب يبحث عن نصف انتصار على روسيا، وشعور واهم بالقضاء على بوتين

ازدواجية الغرب حيال روسيا تبدأ بدق طبول الحرب وإدانة بوتين وهزيمته من دون التخلص منه.

واشنطن – يرى الأكاديمي والدبلوماسي السابق السنغافوري كيشور محبوباني أن هناك شعورًا جديدًا كاسحًا بالانتصار يجتاح العواصم الغربية، ولا سيما واشنطن.
ويرجع ذلك من وجهة نظر محبوباني إلى أن تلك العواصم ترى أنه تم احباط الغزو الروسي غير المشروع لأوكرانيا، وأن الأوكرانيين يخوضون معركة مجيدة للدفاع عن حريتهم.
وقد ظهر تضامن جديد بين أمريكا وأوروبا. كما أن العقوبات الغربية المشتركة شلت الاقتصاد الروسي وعزلته. ومن المؤكد أن الصين ترتجف إزاء فكرة فرض عقوبات مماثلة عليها.
ويقول محبوباني زميل معهد أبحاث آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية إن الوصف سالف الذكر الخاص بالشعور الغربي بالانتصار قد يكون مبالغًا فيه، ولكن ليس إلى درجة كبيرة.
وأوضح أن هناك مشكلة واحدة أساسية فيما يتعلق بالذهنية الانتصارية: وهي أنها تؤدي إلى تفكير جيوسياسي خاطىء.
وكما بدد الغرب لحظة ” نهاية التاريخ” التي أتيحت له بعد الحرب الباردة، من الممكن أن يفعل ذلك مرة أخرى ما لم يعترف ( وخاصة الولايات المتحدة) بأن بعض الحقائق الجغرافية السياسية الصعبة لم تتغير.
وسرد محبوباني في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية أمثلة على تلك الحقائق.
أولًا، أن الغرب ما زال يمثل 12 بالمائة فقط من عدد سكان العالم. ويمثل باقي العالم 88 بالمائة.
وحقيقي أن غالبية أعضاء الأمم المتحدة صوتت لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، كما ينبغي عليها ذلك. ولكن الدول التي امتنعت عن التصويت مثلت أكثر من نصف سكان العالم.
وبنفس القدر من الأهمية، فإنه ببساطة لا تعتبر معظم نسبة الـ 88 بالمائة أن قضية أوكرانيا هي قضية الخير ضد الشر، وقضية الدول الديمقراطية ضد الدول الاستبدادية. ولكنهم يرون أيضًا بدلًا من ذلك مشروعًا غربيًا موازيًا لاستنزاف روسيا وشلها.
واعترف وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن علانية بذلك. وبالنسبة لكثير من الدول في العالم، ومن بينها أصدقاء للولايات المتحدة ، مثل الهند، لا يخدم استنزاف روسيا مصالحها الوطنية.
وثانيًا، كانت الطلقات التي أطلقها الغرب ضد روسيا وخاصة العقوبات الاقتصادية (مصادرة أصول البنك المركزي الروسي) رهيبة حقًا. وكانت مؤثرة للغاية.
ويثق الصينيون تمامًا أن عقوبات مماثلة ستفرض عليهم في يوم من الأيام. وسوف يكون من الحماقة، إن لم يكن من الاستهتار تمامًا، ألا تخطط الصين دفاعاتها ضد أي عقوبات مماثلة. ومن ثم، إذا ما تم إطلاق طلقات مماثلة على الصين، بعد عشر سنوات مثلًا، فإنها ستكون طلقات فارغة.
فاعتماد الصين على الدولار الأمريكي سوف يتضاءل تدريجيًا. وبطريقة أو أخرى سوف يظهر عالم مواز من الدول المرتبطة بصورة أكثر قربًا بالاقتصاد الصيني.
وثالثًا، سيكون من غير الحكمة عدم حذو معظم الدول حذو الصين في تحقيق بعض التأمين في مواجهة العقوبات المدمرة المحتملة. كما يتضح قصر نظر الغرب في التعامل مع روسيا في جهوده غير الحكيمة لمحاولة استبعاد روسيا من المشاركة في اجتماع مجموعة العشرين المنعقد حاليًا في إندونيسيا.
وتمثل الدول التي لم تؤيد استبعاد روسيا 40 بالمائة من سكان العالم. وكما قال السفير الاندونيسي ناجورا سواجاي مؤخرًا ”ممارسة ضغوط كبيرة على إندونيسيا أمر غير عادل في الوقت الذي تحاول فيه إنقاذ مجموعة العشرين وأهميتها للجميع وخاصة الدول النامية”.
وباختصار، بدلا من أن يفوز الغرب بانتصار واضح تمامًا، حتى لو فشل الغزو الروسي لأوكرانيا تمامًا، سوف يتعين عليه التعامل مع عالم فوضوي، سوف تلجأ فيه معظم دول العالم للولايات المتحدة والصين لتأمينها.
والأمر الأكثر حكمة الذي ينبغي على معظم صانعي السياسات في واشنطن عمله هو التخلي عن هذه الذهنية الانتصارية وإجراء بعض الحسابات الجغرافية السياسية الهادئة والصعبة. وأي تقييم هادىء سوف يكشف أن الجهود الأمريكية البريطانية لإضعاف روسيا واسقاطها تمامًا غير حكيمة .
ففي نهاية المطاف، لن تختفي روسيا. ووجود روسيا غاضبة ومعزولة لا يخدم المصالح الأوروبية. فروسيا ستظل دولة جارة لأوروبا طوال آلاف السنوات المقبلة. وسوف تكون لها بالفعل علاقات جيدة مع معظم دول العالم، خارج الغرب (الذي يمثل نسبة 20 بالمائة) .
ويضيف محبوباني أنه من المهم تأكيد أن معظم باقي العالم ( نسبة الـ 88 بالمائة) يشعر بالصدمة حقًا لعدم دعوة أي أصوات غربية مهمة لتحقيق السلام في أوكرانيا.
وبدلًا من ذلك فإنهم يسمعون فقط طبول الحرب. وهم يتفقون على ضرورة إدانة بوتين على غزوه لأوكرانيا. ولكنهم يعتقدون أيضًا أن بذل جهد كامل لهزيمة بوتين والتخلص منه أمر غير حكيم.
والحقيقة هي أن أي سلام فوضوي يحفظ النظام العالمي أفضل من عدم الاستقرار الذي تسفر عنه أي حرب مطولة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى