افتقاد الحكومة لحلول مواجهة الجفاف يرغم المزارعين العراقيين على ترك أراضيهم
فلاحو محافظة ذي قار الأكثر نزوحًا بين مدن وسط وجنوب العراق بسبب شحة المياه والتصحر.
بغداد – الرافدين
تعددت أسباب تهجير العراقيين من مدنهم ليصبح الجفاف والتصحر من أهم أسباب ترك المزارعين لأراضيهم ومصدر رزقهم الوحيد.
وتلقت قائممقامية قضاء الجبايش في محافظة ذي قار طلبات رسمية من أهالي القضاء للهجرة إلى أماكن أخرى تتوفر فيها المياه في محافظتي بابل وواسط، بسبب تصحر مساحات من الهور، وانخفاض مناسيب المياه إلى أكثر من 70 سنتمترا في بعض الأماكن.
وقال قائممقام الجبايش، كفاح شناوة، إن انخفاض مناسيب المياه في هور الجبايش أثر بشكل عام على الثروة الحيوانية وتسبب بهجرة مربي الجاموس والصيادين إلى الأماكن التي توجد فيها المياه في بابل وواسط.
وتعرض قضاء الجبايش لشبه توقف بجريان نهر الفرات، وفقًا لشناوة الذي حذر من كارثة بيئية تلوح في الأفق، جراء انخفاض مناسيب المياه في هور الجبايش إلى 76 سنتمرًا، بعدما كانت تصل إلى 2.4 متر.
وقال مسؤولون في محافظة ذي قار التي تعتمد على الزراعة بشكل رئيس إن نحو ألف أسرة تركت منازلها خلال الأشهر الماضية، لتهاجر إلى مناطق أخرى بسبب الجفاف التي تفاقم في البلاد بشكل غير مسبوق.
وأكد علي الناشي وهو أحد مسؤولي المحافظة أن “شح المياه أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة في الأراضي، ما أدى إلى موت الحيوانات وتضرر الزراعة، الأمر الذي دفع مئات العائلات للنزوح، حيث بدأت الأسر بالبحث عن مصادر عيش أخرى في مناطق ثانية”.
وتعد مناطق محافظة ذي قار الأكثر نزوحاً للعائلات بين محافظات وسط وجنوب العراق خلال الفترة الأخيرة، بسبب الجفاف القاسي بحسب رئيس منظمة “التواصل والإخاء” الإنسانية حيدر بدران.
وقال البدران إن “300 عائلة نزحت من قضاء غمّاس في محافظة القادسية بسبب شح المياه وانقطاعها بشكل تام، حتى مياه الشرب”.
ويعاني القطاع الزراعي في محافظة البصرة منذ سنوات من مشاكل عديدة، من بينها قلة المياه التي تسببت في جفاف مناطق زراعية كانت تتميز بمنتجاتها، كذلك قلة الدعم المقدم للفلاحين واستيراد المنتجات الزراعية على حساب المنتج المحلي، والهجرة من الريف إلى المدينة، وهجرة الأراضي الزراعية وتحويلها إلى قطع سكنية أو تركها لتكون صحراء قاحلة.
وكانت مراكز ومؤسسات بحثية مختصة بخصوبة التربة والتغيرات المناخية، قد كشفت في دراسات أن العراق يخسر نتيجة الجفاف وانحسار المياه نحو 100 ألف دونم سنوياً.
وأكد مستشار وزير الموارد المائية ، عون ذياب، في تصريحات سابقة انخفاض الخزين المائي بنسبة 50 بالمائة بسبب قلة الأمطار وشح الواردات من دول الجوار.
وتعاني محافظة ديالى من موجة جفاف شديدة أدت في الربع الأول من العام الحالي إلى هجرة الفلاحين والمزارعين إلى مركز المدينة للبحث عن مصدر رزق آخر.
ومن أهم أسباب الجفاف وشح المياه استمرار قطع إيران عدداً من روافد الأنهار وتحويل مجرى أخرى ومنعها من دخول الأراضي العراقية.
وفي هذا الخصوص أكد وزير الموارد المائية مهدي الحمداني أن “العلاقة مع تركيا تحسنت بشكل كبير بما يخص ملف المياه وقاسمتنا الضرر، لكن ملف المياه مع إيران يختلف ولم تقاسمنا طهران الضرر بشأن الشح”، متهماً إيران بقطع “روافد أنهار وتغيير مجرى أخرى إلى داخل أراضيها أبرزها نهر الزاب الأسفل وأنهار سيروان والكارون والكرخة، وبذلك خالفت كل المواثيق الدولية، وبالتالي سنعاني جراء ذلك من الشح ومن الفيضانات أيضًا، لأنها ستذهب بمعظمها إلى الأراضي الإيرانية”.
لا تقف حدود الجفاف عند المحافظات الجنوبية فقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة صوراً لأراض زراعية في محافظة بابل هلكت فيها المزروعات بعد جفاف أغلب جداول المياه الرئيسة.
وكانت الأزمة المائية في المحافظة قد أحالت نحو 20 نهراً فرعياً صغيراً إلى الجفاف التام، وهو ما خلق حركة هجرة من الأرياف نحو المدن بعد أن تقلصت مساحات الزراعة لتصل إلى حد الانقراض.
ومنذ الغزو الأمريكي عام 2003 يعاني العراق من التصحر وشح الموارد المائية بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في هذا القطاع إضافة إلى الفساد والمحسوبيات التي أدت إلى التوزيع غير العادل للموارد المائية وهدرها.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم فقط من أصل 32 مليون دونم، حسب تصريح وزير الزراعة محمد كريم الخفاجي، بعد أن كانت هذه المساحات تستغل بالكامل في الزراعة وتربية الثروة الحيوانية لكن قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.