تركيا ترى الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي يفتقر إلى القوة

لندن – رغم تحقيق تركيا لاستفادة كبيرة من وراء عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ربما قد تضع التطورات الجارية على الساحة العالمية بعض الصعوبات أمام أنقرة.
ويقول الباحث التركي جاليب دالاي، مدير البحوث في منتدى الشرق بإسطنبول، في تقرير نشره المعهد الدولي للشؤون الملكية “تشاتام هاوس” إنه مع تصميم المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف شمال الأطلسي للتعامل مع بيئة أمنية عالمية تحددها منافسة القوى العظمى، كان من المهم بالنسبة لأنقرة ضمان عدم التقليل من أهمية قضية الإرهاب.
ويضيف دالاي أنه إذا وضعنا جانبًا الموضوعات العالمية الرئيسية مثل المناخ أو أمن الإنترنت أو المنافسة على الفضاء، فإن التهديدات الأمنية
التقليدية التي تتمحور حول الدولة هي التي تحدد في نهاية المطاف روح هذه الوثيقة.
وللمضي قدمًا، من المرجح أن تستخدم أنقرة هذه الوثيقة، ومذكرتها الثلاثية الجديدة مع السويد وفنلندا، للضغط على حلف الناتو وأعضائه لتقديم المزيد من الدعم في معركتها ضد حزب العمال الكردستاني والامتناع عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية السورية وحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بها.
ومع ذلك، وبما أن “حزب الاتحاد الديمقراطي، وحدات حماية الشعب” محظور فقط كمنظمة إرهابية من قبل تركيا وليس من أي دولة أخرى في حلف شمال الأطلسي، فمن المرجح أن تستمر هذه القضية في إرباك العلاقات، خاصة مع الولايات المتحدة باعتبارها الشريك الرئيسي للجماعة.
بالإضافة إلى ذلك ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، من المفهوم أن الجناح الشرقي أصبح محورا أساسيا لعمل الناتو.
ولكن من وجهة نظر روسية، لا ينظر إلى الشرق والجنوب على أنهما فضاءان منفصلان، بل كمساحة واحدة، وتركيا لاعب رئيسي في كلا الفضائين.
وتعد أنقرة قوة رئيسية في منطقة البحر الأسود، لكن تركيا وروسيا تواجهان كل منهما الأخرى بالفعل في العديد من النزاعات بمنطقة البحر المتوسط، ولا سيما سوريا وليبيا.
ويقول دالاي إنه في مواجهة استمرار عدم الاستقرار والفوضى الإقليميين، وانهيار الدولة، وتزايد آثار الأقدام الروسية والصينية، تريد تركيا أن يظل حلف شمال الأطلسي ملتزما بالجناح الجنوبي والجوار الجنوبي. وكان التركيز القوي على الجوار الجنوبي، في الشرق الأوسط وأفريقيا، في المذكرة المفاهيمية متسقا مع هذا التفضيل.
وبصفتها عضوا في حلف شمال الأطلسي، ترحب تركيا بالمناقشات حول الأمن الأوروبي التي تجري على مستوى الناتو بدلا من مستوى الاتحاد الأوروبي، وهي تعتقد أن الغزو الروسي لأوكرانيا أظهر أن فكرة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي خالية من المحتوى والقوة، على الأقل في الوقت الحالي.
ويبدو أن الغزو قد كتم هذه المناقشات، حتى أن فرنسا البطل الرئيسي للفكرة تتحدث عن هذه المفاهيم الآن بشكل أقل كثيرا. وباستثناء بولندا،
كانت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتحديدا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا هي التي كانت أكثر استعدادا في وقت مبكر من تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، وخاصة الصواريخ والطائرات المسلحة بدون طيار.
وللمضي قدما، من المرجح أن يبرز اختلاف في وجهات النظر والسياسات بين دول حلف الناتو الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول الحلف غير الأعضاء في التكتل، في التعامل مع الأمن الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون النقاش داخل الاتحاد الأوروبي أكثر وضوحا من حيث دور ومكانة الجهات الفاعلة الأوروبية الأربعة من خارج الاتحاد الأوروبي، وهي المملكة
المتحدة، وتركيا والنرويج وأوكرانيا. لكن دور تركيا في الأمن الأوروبي بالمناقشات على مستوى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك دورها المحتمل في
السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، لا يزال غير محدد.
ومع ذلك، فإن تجربة سنوات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وإمكانية وجود رئيس آخر شبيه بعقلية ترامب في الولايات المتحدة تعني أن التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي والأمن الأوروبي لم يعد من الممكن اعتباره أمرا مفروغا منه.
وفي مثل هذا السيناريو، ستضطر دول الاتحاد الأوروبي إلى لعب دور أكبر في الأمن الأوروبي ويؤكد السيناريو نفسه بشكل أكبر على أهمية الحوار المنظم بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول البنية الأمنية الأوروبية.
ومع العضوية المرتقبة للسويد وفنلندا، ووجود قادة أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية في مدريد، والتركيز على المنافسة المنهجية مع الصين في المفهوم الاستراتيجي، أصبح حلف شمال الأطلسي أكثر أوروبية في تكوين عضويته ولكنه أكثر عالمية في طموحه من خلال إقامة المزيد من
الروابط بين أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية وآسيا والمحيط الهادئ. ومن المرجح أن تؤدي عولمة حلف الناتو هذه إلى خلق المزيد من الحاجة إلى
ركيزة أوروبية أقوى داخل الحلف، وبالتالي زيادة الحاجة إلى إجراء حوار أمني على مستوى أوروبا بين الاتحاد الأوروبي والقوى الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأخيرا، وكما هو متوقع، فإن روسيا تقع بشكل لا لبس فيه في فئة العدو في المفهوم الاستراتيجي، الأمر الذي قد يضع ضغطا على علاقة تركيا المعقدة مع روسيا، حيث طور كلا البلدين تعاونا تنافسيا من خلال مناطق صراع مختلفة- سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ في السنوات الأخيرة. ومن شأن تمزق هذه العلاقات أن يحمل تكلفة كبيرة بالنسبة لأنقرة، ولكن من غير المرجح أيضا أن يظل نوع العلاقة بين أنقرة وموسكو الذي طورته قبل غزو أوكرانيا مقبولا.