أخبار الرافدين
تقارير الرافديندولية

ماذا لو انهارت باكستان تحت وطأة شحة الغذاء والفساد الحكومي؟

الباحث الأمريكي مايكل روبين: انهيار سريلانكا يثير القلق في منطقتها، لكن انهيار باكستان يقلق العالم.

واشنطن – يرى الباحث والمحلل الأمريكي الدكتور مايكل روبين أن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في موجات صدمات اقتصادية ليس فقط في أوروبا، ولكن أيضًا في دول الشرق الأوسط الكبير. فباكستان، التي يعاني اقتصادها بالفعل من الضعف بسبب عقود من الفساد، وسوء الإدارة، والحكم غير المستقر، كانت معرضة للخطر بوجه خاص.
وعلى الرغم من أن الكثير من الدول تعتمد على الحبوب الروسية أو الأوكرانية أو واردات الطاقة الخارجية، فإن باكستان تحتاج الاثنين.
وعلى سبيل المثال، كانت باكستان في الفترة من تموز 2020 وكانون الثاني 2021، ثالث أكبر مستهلك لصادرات القمح الأوكرانية بعد إندونيسيا ومصر. كما أن ارتفاع أسعار النفط أرهق باكستان بشدة، حيث أدى إلى ارتفاع تكاليف وارداتها بأكثر من 85 بالمائة، إلى حوالي خمسة مليارات دولار، فقط في الفترة ما بين 2020 و2021.
ويقول روبين، أحد كبار زملاء معهد أمريكان انتربرايز والمحاضر في كلية الدراسات العليا في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية إنه بالنسبة لباكستان، تعد هذه عاصفة شديدة. ففي نهاية العام المالي في باكستان في الثلاثين من حزيران 2022، بلغ عجزها التجاري خمسين مليار دولار تقريبًا، بزيادة 75 بالمائة عن العام السابق. ولولا حظر حكومة شهباز شريف لاستيراد أكثر من 800 سلعة رفاهية غير أساسية في أيار الماضي، ربما كان رقم العجز سيكون أعلى من ذلك.
وحتى الطبقة المتوسطة في باكستان عاجزة عن تحمل التضخم. ففي حزيران ارتفع التضخم إلى أكثر من 20 بالمائة، وهو الأعلى في الماضي القريب.
وأدى إنهاء الدعم حسب توجيهات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز، حتى أكثر من الارتفاع الذي سببته زيادة أسعار النفط في العالم.
كما أن انعدام الأمن الغذائي منتشر في البلاد. ووفقًا لبنك باكستان، فإن “الاعتماد على الواردات بالنسبة لزيوت الطعام ووجبات البذور الزيتية للوفاء بطلب الاستهلاك المحلي زاد في العقدين الماضيين”. كما أن زيادة عدد السكان تزيد من الحاجة إلى الواردات في ظل تعثر المشروعات المحلية لانتاج فول الصويا وزيت النخيل.
من ناحية أخرى، تواصل الروبية الباكستانية فقدان قيمتها بالنسبة للدولار الأمريكي، حيث انخفضت بنسبة أكثر من 30 بالمائة خلال العام الماضي. وبالمقارنة انخفضت الروبية الهندية حوالي 6 بالمائة فقط. وانخفاض الروبية الباكستانية يلحق الضرر بالطبقة الوسطى بوجه خاص. ومع ذلك، يستثمر الأثرياء أموالهم في التعاملات العقارية المربحة بدلا من استثمارها في نشاط يمكن أن يساعد في الحصول على دخل من الإيجار وأيضًا توفير فرص العمل.
ويقدر يوسف نزار، وهو أحد كبار المخططين الاستراتيجيين السابقين في قطاع الأسواق الناشئة لمجموعة سيتي جروب أن احتياطي العملة الأجنبية في باكستان انخفض إلى النصف منذ شباط الماضي إلى 6.3 مليار دولار، وهو يماثل ما عانته إيران في ظل حملة ما يسمى بـ” الضغط الأقصى”. ومع ذلك، فإنه بالنسبة لباكستان يعتبر الانخفاض الشديد من صنعها.
ويقول نزار إن باكستان تلقت مساعدات إنقاذ من صندوق النقد الدولي أكثر من أي دولة أخرى. وهذا يوضح عدم استعداد أو عدم قدرة كبار مسؤولي باكستان لتنفيذ إصلاح جاد.
ويضيف روبين أن الصبر الدولي نفد. ولم يعد صندوق النقد الدولي يثق في الوعود الباكستانية بتنفيذ إصلاح، وليس على استعداد لتبديد أمواله.
ويوضح عدم استعداد باكستان لتنفيذ الاصلاحات التي طلبتها مجموعة العمل المالي الدولية مدى ارتباط جهاز المخابرات الباكستانية بالأوجه الغامضة للأمور المالية في باكستان.
ومن أسباب تجنب القادة الباكستانيين المتعاقبين الإصلاح هو اعتقادهم بأنه من الأسهل قبول الروايات الخيالية التي تنسجها الصين. ومع ذلك، فإنه من الواضح الآن أن الصين التي أبعد ما تكون منقذة لباكستان، تستغل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي وافق عليه بحماقة نواز، شقيق شهباز شريف، كآلية لاستعباد باكستان. فبدلًا من تعزيز النمو في باكستان أصبح هذا الممر عبئًا عليها.
وتواصل باكستان مواجهة انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، ويتم تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني المنتظر أن يساعد في هذا الأمر بصورة متقطعة، على الرغم من أن باكستان كانت خلال الأربعة أعوام الماضية أكبر متلق في العالم للمنح والمساعدات الصينية.
وقد حذر البنك الدولي من أنه من الممكن أن تواجه باكستان في القريب العاجل “عدم استقرار اقتصادي كلي”. وسوف يستتبع ذلك عدم استقرار مجتمعي. فالقطاع الخاص لم يوفر فرص عمل كافية لاستيعاب العمالة في باكستان. وبدأ الغضب يبلغ ذروته، وتشير زيادة الجرائم إلى حدوث انهيار مجتمعي.
ويختتم روبين تحليله بأن انهيار سريلانكا يثير القلق في المنطقة، لكن انهيار باكستان لا بد أن يقلق العالم كله. فطوال عقود كان فشل الدولة في باكستان سيناريو مروعًا. وتشعر باكستان والعالم الأوسع نطاقًا برياح هذا السيناريو في ظل العنف والتطرف والفقر الذي يغمر كراتشي العاصمة السابقة والمركز التجاري، وفقدان السلطات الباكستانية السيطرة على مناطق على طول الحدود مع أفغانستان.
ومن حق الولايات المتحدة والهند وإيران الشعور بالقلق إزاء أمن الترسانة النووية في باكستان. وتعيش النخبة الباكستانية في حالة لامبالاة، معتقدين أن الوضع الراهن الذي يعيشون فيه معزولين عن المجتمع الأوسع نطاقًا هو وضع دائم. والحقيقة أنه ليس كذلك. فالفقاعة تتهاوى، ولن تكون النتيجة طيبة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى