أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدين

التسريبات الصوتية أحرقت ورقة المالكي ومزقت حزب الدعوة

عشائر وسط وجنوب العراق تتخوف من تداعيات الخلافات بين الصدر والمالكي واحتمالات الدخول في اقتتال داخلي.

بغداد- تتجه العملية السياسية في العراق نحو المزيد من التعقيد على خلفية سجالات حادة في أعقاب تسريبات صوتية لرئيس ائتلاف “دولة القانون” ورئيس الوزراء الأسبق (2006-2014) نوري المالكي، ما يهدد بدخول العراق في نفق الاقتتال الداخلي.
وانشغل العراقيون، خلال الأيام الأخيرة، باهتمام كبير وعلى مختلف المستويات السياسية والإعلامية والاجتماعية بتسجيلات مسربة منسوبة للمالكي مع شخصيات قيادية في المشهدين الأمني والسياسي، بينما تحول نفى المالكي وحزب الدعوة صحة التسجيلات إلى نوع من التهكم والسخرية من قبل الرأي العام.
وأعلن القضاء العراقي فتح تحقيق في هذه التسريبات، وذلك بعد تقارير إعلامية محلية عن تقديم شكاوى إلى الجهات القضائية تتهم المالكي بتهديد الأمن الداخلي والسلم المجتمعي.
وهذه التسريبات بأجزائها الخمسة نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي علي فاضل، وهو ناشط عراقي مقيم خارج البلاد، وتمثل جانبا من تسجيل مدته نحو 90 دقيقة، بحسب فاضل.
وتتضمن التسجيلات هجوما ورد على لسان المالكي على مدينة النجف مقر إقامة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بالإضافة إلى وصف عناصر ميليشيا الحشد الشعبي والقوات الأمنية بالجبناء.
كما تتضمن حديثا عن ضلوع في مؤامرة بالتنسيق مع إحدى المرجعيات الشيعية الإيرانية لافتعال اقتتال داخلي من خلال تهديده بتسليح بين 10 و15 مجموعة لاقتحام النجف، بجانب قضايا أخرى لا تزال قيد اهتمامات الشارع العراقي مع تخوف قيادات المجتمع من الانحدار نحو اقتتال داخلي.
ويرى خبراء أن هذه التسجيلات أطاحت بأي فرصة لترشيح المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة في هذا التوقيت على الأقل، فيما يرى آخرون أنها قضت على مستقبله السياسي، بل وتهدد وجود حزبه الدعوة ومستقبله ووحدته.
وحظيت التسجيلات باهتمام التيار الصدري ورئيسه الذي أشار إليها عبر تغريدات دعا فيها المالكي إلى “الاعتكاف” واعتزال الحياة السياسية.
واعتبر الصدر أن المالكي لا يمكنه قيادة العراق بعد التسريبات والأفكار “الهدامة” التي تضمنتها، وبالتالي عليه الاعتذار من الشعب العراقي وتسليم نفسه إلى الجهات القضائية.
وبهدف “إطفاء الفتنة”، دعا الصدر كبار “عشيرة” المالكي وقيادات حزبه وقوى “الإطار التنسيقي” المتحالفة معه إلى إصدار “استنكار مشترك” لما تضمنته التسجيلات المنسوبة إليه.
وتتخوف عشائر وسط وجنوب العراق، التي تدعو إلى التهدئة، من تداعيات الخلافات بين الصدر والمالكي واحتمالات الدخول في اقتتال داخلي وانعكاسات ذلك على المجتمعات المحلية.
وإثر عدم تمكنها من تشكيل حكومة أغلبية وطنية، جراء رفض قوى الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية، قدمت الكتلة البرلمانية للتيار الصدري استقالتها من البرلمان وبات “الإطار التنسيقي” يمتلك أغلبية برلمانية تتيح له تشكيل الحكومة.
ومنذ الاستقالة، شهدت الساحة السياسية حراكا غير مسبوق عبر سلسلة من الاجتماعات لقيادات قوى “الإطار التنسيقي” واجتماعات أخرى بين هذه القيادات وقيادات من الكتل السياسية الأخرى، على أمل التوافق لانتخاب رئيس للجمهورية وتسمية مرشح “الإطار” لرئاسة الحكومة المقبلة.
وأعلنت قوى “الإطار التنسيقي”، أكثر من مرة، أنها بصدد إعلان مرشحها لرئاسة الحكومة خلال ساعات أو أيام، لكنها لم تف بوعودها في ظل تقارير إعلامية عن خلافات داخلية حول تسمية مرشحها.
وعلى ما يبدو فإن التسريبات أتاحت للصدر فرصة “الإطاحة” بطموحات المالكي عدوه التقليدي لرئاسة الحكومة، بل وإخراجه من المشهد السياسي.
وشهدت محافظات في وسط وجنوب العراق احتجاجات أمام مقرات ومكاتب حزب الدعوة مؤيدة للصدر ومناوئة للمالكي، ما دفع صالح محمد العراقي، الذي يوصف بأنه “وزير الصدر”، إلى دعوة أنصار التيار الصدري لوقف احتجاجاتهم.
ويرى مؤيدون للمالكي وأعضاء في حزب الدعوة أن توقيت التسريبات له هدف واضح ومحدد وهو إبعاد المالكي وحزبه عن تشكيل الحكومة، وهو أحد أهداف التيار الصدري الذي عرقل تشكيل الحكومة لأكثر من ثمانية أشهر لرفضه إشراك المالكي وحزبه في أي تحالف أو كتلة تقود الحكومة. غير ان قيادات في حزب الدعوة والاطار التنسيقي طالب المالكي بالتنحي، في محاولة للحفاظ على مكتسباتها من “غنيمة” تشكيل الحكومة.
وفي أوساط فصائل ميليشيا الحشد الشعبي والميليشيات المسلحة الحليفة لإيران لا يزال المالكي يحتفظ بعلاقات مع مراكز صنع القرار فيها، مكتب المرشد الإيراني، والحرس الثوري ووزارة الأمن والاستخبارات.
وتمر عموم الأحزاب والميليشيات الولائية في العراق بحالة من التشظي والانقسامات السياسية غير المسبوقة داخل قوى “الإطار التنسيقي” وخارجها، إضافة إلى حالة من “الخصومة” المعلنة بين التيار الصدري ومعظم قوى “الإطار”، الذي يمثل التجمع الأوسع للميليشيات المسلحة والسياسية خارج التيار الصدري وقوى أخرى ليست ذات ثقل.
وتعود الخلافات والعداء بين الصدر والمالكي إلى سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق عندما شغل المالكي منصب رئيس الوزراء في ولايته الأولى (2006- 2010) وقاد خلال الأشهر الأولى من 2008 حملة عسكرية لفرض القانون بدعم من القوات الأمريكية، تحت مسمى “صولة الفرسان” لفرض القانون في البصرة ومحافظات الجنوب الأخرى.
ومن أبرز ما جاء في التسريبات “المنسوبة” للمالكي الدفع نحو الاقتتال الداخلي ومهاجمة الصدر وإسقاط مشروعه هو وحليفاه الحزب الوطني الكردستاني وتحالف السيادة، وهو رهان يرى المالكي أنه سيُبعد العراق عن “الدائرة الحمراء”.
واتهم المالكي، وفق التسريبات، الصدر بقتل “المدنيين” في العاصمة بغداد أثناء الحرب الأهلية (2006-2008)، ووصفه بأنه “جاهل لا يفهم بالسياسة”، ما أثار غضب رئيس التيار الصدري ومؤيديه.
وفي كل الأحوال، فإن التسريبات أضافت المزيد من التعقيد في المشهد السياسي وباتت مسألة تشكيل الحكومة أكثر تعقيدا مع فشل قوى “الإطار التنسيقي” في أحدث اجتماعاتهما الثلاثاء، في الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة، بالرغم من وعود عديدة من قيادات “الإطار” بقرب تسمية مرشحهم.
وأعلنت كتل الإطار الثلاثاء، في بيان، أن المالكي، وزعيم تحالف “الفتح”، هادي العامري، انسحبا من السباق لرئاسة الوزراء.
وفي محاولة لاسترضاء الصدر، قال “الإطار” إن قادته اتفقوا على “قبول ترشيح وزراء من الكتلة الصدرية وفق استحقاقهم الانتخابي قبل الانسحاب والاستقالة”. غير كل القراءات السياسية ترى في الصدر لن يعول على محاولة الاسترضاء من قبل الاطار وسيرفضها على الاغلب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى