أخبار الرافدين
تقارير الرافديندولية

الصين تواجه شبح خسارة ورقة القوة العاملة الكبيرة

الكاتب الأمريكي جاستن فوكس: تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى تراجع سريع في حجم الكتلة السكانية في سن العمل بالصين.

نيويورك – خلال العقود القليلة الماضية نجحت الصين في تقليص الفارق الاقتصادي مع الولايات المتحدة، حتى أصبح إجمالي ناتجها المحلي الآن يفوق ناتج الولايات المتحدة أو قريبا منه وفقا للمقاييس المستخدمة.
لكن متوسط الدخول في الصين مازال أقل كثيرا منه في الولايات المتحدة، ولكن بمقاييس كمية أخرى لمستوى المعيشة ومتوسط الأعمار، اقتربت الصين جدًا من أمريكا خلال عام 2020 الذي شهد تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد بحسب تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء للكاتب الأمريكي جاستن فوكس.
ومع تقدم القرن الحالي، يبدو أن الصين ستتقارب مجددًا مع أمريكا، ولكن في أمر أقل إيجابية ويتمثل في انكماش عدد سكان الصين في سن العمل.
فالمعجزة الاقتصادية التي حققتها الصين استندت بشكل أساسي إلى وجود كتلة سكانية ضخمة في سن العمل الذي يتراوح بين 15 و64 عامًا والبالغ حجمها حوالي مليار شخص. هذه القوة العاملة الضخمة جعلت الصين مصنعًا للعالم وسوقًا استهلاكية ضخمة.
لكن التوقعات السكانية الصادرة في الأسبوع الماضي عن الأمم المتحدة أشارت إلى تراجع سريع في حجم الكتلة السكانية في سن العمل بالصين خلال العقد المقبل، لتنكمش هذه الكتلة بمقدار الثلثين تقريبا بنهاية القرن الحالي. في المقابل فإن التوقعات تشير إلى استمرار حجم قوة العمل في الولايات المتحدة بحلول 2100 عند نفس مستواها الحالي، وهو ما يعني انخفاض قوة العمل في الصين من 4 أمثال قوة العمل في أمريكا إلى مجرد الضعف تقريبا.
ويقول جاستن فوكس مدير التحرير السابق لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو إن هذه النسبة تنخفض إلى 1.2 مرة عند إضافة قوة العمل في كل من المكسيك وكندا إلى قوة العمل الأمريكية باعتبار الدول الثلاث أعضاء في منطقة تجارة حرة.
هذه التوقعات المعتمدة على “السيناريو المتوسط” لخبراء الأمم المتحدة تبدو مبالغة في التفاؤل، بشأن الاتجاهات السكانية في الصين.
وتفترض هذه التوقعات تحسن معدل الخصوبة في الصين بعد تراجعه بشدة خلال السنوات القليلة الماضية، ليقترب من المعدل في الولايات المتحدة مع مضي سنوات القرن الحالي.
كما أن التوقعات بالنسبة لمعدل الخصوبة في الولايات المتحدة قد تكون متفائلة أكثر مما يجب أيضا، لكنها يمكن أن تعتمد على مصدر آخر للنمو السكاني وهو الهجرة الواسعة، وهو مصدر غير متاح للصين بالتأكيد.
كما يطرح خبراء الأمم المتحدة “سيناريو الخصوبة المنخفضة”، وفيه سوف يستقر معدل الإنجاب في كل من الولايات المتحدة والصين عند مستويات منخفضة.
في هذه الحالة سوف تشهد الصين انكماشًا في الكتلة السكانية في سن العمل بأكثر من 80 بالمائة، وستزيد هذه الكتلة في أمريكا الشمالية عنها في الصين بحلول 2097.
والحقيقة أن فقدان نحو ثلثي حجم قوة العمل في الصين يمثل تطورًا غير مسبوق في العالم الحديث، وهذا التهديد يمكن أن يؤدي إلى تغييرات سياسية واجتماعية قد تؤدي إلى تباطؤ أو توقف هذا الاتجاه. كما يمكن أن يحدث الكثير من الأشياء خلال الـ 75 عاما المقبلة، تغير هذه التوقعات، مثل الكوارث المناخية، والحروب العالمية وغزو الفضاء وغير ذلك.
وتقدم توقعات الأمم المتحدة معلومات أخرى عن إمدادات قوة العمل في المستقبل على مستوى العالم والتي قد تصبح أكثر أهمية مما يحدث في الصين
والولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تصبح الصين الرابح الأكبر، حيث سيصل حجم الكتلة السكانية في سن العمل في هذه القارة إلى حجمها في الصين تقريبا بنهاية القرن الحالي.
ومازالت مشكلة انكماش الكتلة السكانية في سن العمل التي تواجه الصين خلال سنوات قليلة، مشكلة قائمة بالنسبة لدول أخرى في آسيا حيث تراجعت في اليابان بنسبة 17 بالمائة منذ 1994، في حين يبدو أن الكتلة السكانية في سن العمل وصلت إلى ذروتها في كوريا الجنوبية عام 2017 وفي تايوان عام 2016 لتبدأ الانكماش، بما يعني أن هذه الكتلة تحولت من النمو إلى الانكماش وهو تحول من الصعب تجاهله.
ويقول جاستن فوكس إن هناك وجها آخر للمقارنة من خلال تحليل التطورات حتى عام 1950 لمعرفة التأثير الكامل لهذا التراجع.
وقد كان صعود شرق آسيا أحد أهم اتجاهات الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فماذا يعني التراجع الأخير؟
التراجع لا يعني الانهيار الكامل كما حدث للدولة الرومانية في التاريخ القديم. فاليابان مازالت تمتلك اقتصادا قويا ومؤثرا، رغم ربع قرن من التراجع المطرد لكتلتها السكانية في سن العمل. ولكن نصيبها من إجمالي الناتج المحلي للعالم تراجع خلال العام الماضي إلى 5.1 بالمائة مقابل 17.9 بالمائة عام .1994 وكل تراجع في نصيب الدول الغنية من إجمالي الناتج المحلي للعالم، كان يصب في مصلحة الصين والاقتصادات الصاعدة الأخرى. كما تراجع نصيب الولايات المتحدة من 26.1 بالمائة إلى 23.9 بالمائة ونصيب الاتحاد الأوروبي من 25.7 بالمائة إلى 17.8 بالمائة في المقابل بلغ نصيب الصين من إجمالي الناتج المحلي للعام في العام الماضي 18.5 بالمائة في حين أنها تمتلك 19.2 بالمائة من الكتلة السكانية في سن العمل للعالم.
ومن المتوقع تراجع نصيب الصين من هذه الكتلة إلى 6.1 بالمائة بنهاية هذا القرن.
والسبيل الوحيد أمام قادة الصين لمنع تراجع نصيب بلادهم من إجمالي الناتج المحلي للعالم بنفس وتيرة تراجع نصيبها من الكتلة السكانية في سن العمل هو إصلاح الاقتصاد وزيادة الاستثمارات بهدف نمو دخل الفرد الصيني بأسرع من معدل النمو العالمي لدخل الفرد.
لكن كما يقول المحلل السياسي هال براندز والباحث في الشأن الصيني بجامعة تافتس ميشيل بيلكي فإن الخوف من تراجع النفوذ الاقتصادي في المستقبل قد يدفع الصين إلى تبني سياسات أقل إنتاجية وأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي.
أخيرا “المسار الأشد خطورة في السياسات العالمية هو الصعود طويل المدى الذي يعقبه احتمال تدهور حاد”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى