أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الاستفتاء على دستور سعيد خطر محدق بتونس

نقيب الصحفيين: سنكون إزاء حكم فردي مطلق ونظام رئاسي لا يخضع فيه الرئيس لأي مساءلة.

تونس- تتضارب الآراء في تونس بشأن المشروع السياسي المستقبلي الذي يعتزم الرئيس قيس سعيد إرساءه بعد استفتاء الإثنين المقبل على مشروع دستور جديد للبلاد.
وحول قراءة مشروع الدستور انقسمت النخب التونسية والخبراء بين مؤيد ورافض ومستبشر ومتشائم حيال مستقبل الأوضاع في البلاد.
ويتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في 25 من تموز الجاري، وهو التاريخ الموافق لعيد الجمهورية التونسية، للمشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي نشره سعيد في الجريدة الرسمية في نسخة أولى وثانية معدّلة.
وسبق وأن أعدت ثلاث لجان استشارية (الأولى قانونية والثانية اقتصادية واجتماعية والثالثة تجمع اللجنتين معًا) مشروعًا للدستور وقدمته إلى سعيد، غير أنه طرح مشروعًا مغايرًا .
وينص المشروع في بابه الرابع المخصص للسلطة التنفيذية على أن من مهام الرئيس تعيين رئيس للحكومة ويعين أعضاؤها باقتراح من رئيسها، كما أن الحكومة مسؤولة في تصرفها أمام رئيس الجمهورية.
كما ينص الفصل 110 على أنه “لا يُسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهامه”.
ويأتي استفتاء الإثنين ضمن إجراءات استثنائية بدأ سعيد فرضها في 25 من تموز 2021 ومنها أيضًا إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 من كانون الأول القادم.
وقال الناشط السياسي وأحد المشاركين في حملة الاستفتاء رياض جعيدان، إن “نص مشروع الدستور الجديد تمت صياغته في ظروف خاصة.. هو مقبول في مجمله، رغم أنه لم يرتق إلى درجة الكمال وما كنا نحلم به”.
وتابع: “مشروع الدستور ما هو إلا عمل إنساني ومحاولة لإصلاح منظومة سير الدولة التونسية وسينفتح الباب أمام تعديله لاحقًا ونطالب بما هو أفضل على أساس الفصل 136 منه الذي يفتح باب التنقيح بطلب من ثلث النواب”.
واعتبر أنه “لكي نفهم النظام السياسي في دستور 2022 لا بد من النظر إلى النظام السياسي الذي أرساه دستور 2014 (شبه برلماني)، فما دستور 2022 إلا ردة فعل على تصرفات وتجاوزات عديدة حدثت بين 2014 و2021 ودفعت إلى الحاجة لدستور جديد”.
وأردف جعيدان: “عشنا في تونس حالة من عدم الاستقرار السياسي، لأن السلط كانت متداخلة وخاصة السلطة التشريعية والتنفيذية وهناك تداخل أيضا بين رأسي السلطة التنفيذية أي بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية”.
واستطرد: “وهذا التداخل عطل الجهاز التنفيذي وأوقع الدولة في أزمة، لذا وجب أن تكون في تونس سلطة تنفيذية برأس واحد لضمان الاستقرار على غرار أنظمة عديدة في العالم ويتحمل (رئيس الجمهورية) المسؤولية والسياسات العامة للدولة ويساعده وزير أول أو رئيس حكومة يختاره بنفسه ويُحاسب أمام الشعب إذا فشل في الاختيار”.
واعتبر أن “دستور 2022 لا يهدد الحقوق والحريات، بل يضمن كل الحريات الفردية والعامة ويضمن حقوق الإنسان في مفهومها الكوني وفي تطابقها مع المعايير والعهود الدولية لحقوق الإنسان ويكرس حرية الضمير والمعتقد ويحافظ على حقوق المرأة ومبدأ التناصف وتكافؤ الفرص بين الجنسين”.
وأعرب جعيدان عن اعتقاده بأن “مشروع الدستور الجديد سيقطع مع المشاهد السابقة في مجلس النواب من سياحة حزبية وشراء الذمم وتضارب المصالح”، وفق تقديره.
وتابع: “وهذا سيحافظ على الاستقرار السياسي، فالنظام الرئاسي الديمقراطي يساهم في نجاعة عمل السلطة التنفيذية ونجاعة تسيير الدولة، فالرئيس يسطر السياسة العامة للدولة ويختار حكومة تساعده”.
وقال إن “الطبقة السياسية يجب أن تساهم في تطور المشهد وتحمل مسؤوليتها التاريخية لوضع البلاد على السكة”.
وأردف: “يمكن أن يكون لك أفضل الدساتير في العالم ولكن مع عدم وعي الطبقة السياسية بأهمية المرحلة لن نتقدم ولن ننقذ بلادنا ولن نحقق الاستقرار السياسي، ولا بد من تقاليد ديمقراطية في الحكم والمعارضة”.
وأضاف أنه “لا مجال للعودة إلى الاستبداد ولا يمكن لأي شخص أن يستبد من جديد والمهم أن نبني البلاد مع بعضنا ونلتقي على رؤية وطنية للبلد والمهم انتقال اقتصادي واجتماعي و بيئي ينهض بتونس”.
أما نقيب الصحفيين محمد ياسين الجلاصي فقال إن “حرية الصحافة والتعبير والحقوق والحريات بصفة عامة كانت مهددة قبل 25 من تموز 2021 وتفاقمت هذه التهديدات أكثر بعد 25 من تموز بحكم مركزة الحكم بيد رئيس الجمهورية”.
واعتبر أن “هناك إرادة سياسية عند السلطة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، بأن يتم التضييق أكثر ما يمكن على حرية الصحافة والتعبير وحق الاحتجاج، ولاحظنا منع اجتماعات معارضين له (سعيد) وإرسال مجموعات لإفساد اجتماعات مناهضة لدستوره”.
وتابع: “هذا يعطينا فكرة عن ما يمكن أن نكون عليه بعد الاستفتاء وبعد استتباب الأمور لسعيد الذي صاغ الدستور بمفرده وبما يتضمنه من حكم فردي مطلق ومن نظام رئاسي لا يخضع فيه الرئيس لأي مساءلة ولا توجد فيه ضمانة لاستقلال.. ويتضمن الدستور نفسه إمكانية التراجع عن الحقوق والحريات”.
وأردف الجلاصي: “كما نلمس فيه (المشروع) ضربًا لمدنية الدولة وإلغاء للهيئات الدستورية، مثل هيئة مقاومة التعذيب وهيئة مكافحة الفساد وهيئة حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للاتصال السمعي البصري”.
وأعرب عن اعتقاده بأن “هذا يوحي بأن هناك توجهًا سياسيًا لا يعترف بالحقوق والحريات ولا يعترف إلا بسلطة مركزية قوية تفوق كل السلطات لا تأتمر إلا بسلطة رئيس الجمهورية التي يتم استعمالها لتركيز حكم فردي يحتكر فيها ضبط السياسة العامة و التوجهات الكبرى للدولة ويعين الوزراء”.
وذهب الجلاصي إلى أن “هناك نوع من الضعف في المجتمع المدني الذي بدأ يتوحد مؤخرا”.
واستدرك: “لكن الإشكال الأكبر في المجتمع السياسي، وخاصة الأحزاب الكبرى التي اكتفت بالبلاغات (البيانات) ولم تقدم البديل السياسي ولم تخلق قوة رأي عام مضاد لما يقوم به سعيد حتى نضمن التوازن”.
وشدد على أن “المجتمع المدني والسياسي مشتت في مقابل توجّه قوي لا يلتفت إلى الوراء وعنيد من قبل رئيس الجمهورية من أجل إرساء مشروع شخصي”.
ويأتي الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في وقت تشهد فيه تونس أزمة سياسية واستقطابًا حادًا مستمرًا منذ أن بدأ سعيد فرض إجراءاته الاستثنائية قبل نحو عام.
وأعلنت قوى تونسية رفضها لمشروع الدستور، معتبرة أن الإجراءات الاستثنائية إجمالًا تمثل “انقلابًا على دستور 2014” الذي تم إقراره عقب ثورة شعبية أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
بينما أعلنت قوى أخرى تأييدها لمشروع الدستور، ورأت أنه يحتوي على مكاسب عديدة مقارنة بدستور 2014، ويمثل مع بقية الإجراءات الاستثنائية “تصحيحًا لمسار ثورة 2011”.
أما سعيد، الذي بدأ عام 2019 فترة رئاسية تستمر خمس سنوات، فقال أكثر من مرة إن إجراءاته قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من انهيار شامل.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى