أخبار الرافدين
د. مثنى حارث الضاري

فيض ذاكرة

مشروع هيئة علماء المسلمين لتوحيد رؤى فصائل المقاومة وتحرير العراق (1-2)

نادت الهيئة منذ اليوم الأول بحق المقاومة وعدته واجبًا شرعيًا وقانونيًا، وساندت حق العراقيين في مقاومة عدوهم، ولم يكل لسان حالها ومقالها يومًا من المناداة بحماية هذا الحق والدفاع عنه؛ حتى عدها بعضهم إطارًا سياسيًا للمقاومة. وقد تنوعت وسائل الهيئة في إيصال ما تراه إلى المقاومة من بيانات وتصاريح صحفية أو نشرات وحوارات إعلامية، فضلًا عن الحراك الميداني في أوساط المجتمع والبيئات التي تنشط فيها المقاومة وفصائلها.
ولعل الجهد الإعلامي المواكب لسِفري معركتي الفلوجة الأولى والثانية؛ كان مثالًا بارزًا ودليلًا شاهدًا على ذلك، وأبرز ما فيه هي خطبة الأمين العام للهيئة الشيخ حارث الضاري -رحمه الله- في (9/4/2004م) الصريحة في تبني خيار المقاومة والدفاع عن المقاومين، وإعلان دعم الهيئة لمعركتهم في الفلوجة، ودعوة العراقيين جميعًا للوقوف معهم.
وتبعت ذلك خطبته في ذكرى الاحتلال الثانية في (2005م) المؤكدة لاستمرار المقاومة، والمدافعة عن فصائلها في وجه حملات الطعن والتشكيك التي كانت تواجهها، والمفرقة بينها وبين الإرهاب.
وتجلى هذا الجهد أخيرًا في رسالة الهيئة للمجاهدين في (5/9/2007م) بعنوان: “رسالة مفتوحة من هيئة علماء المسلمين في العراق إلى أبنائنا وإخواننا المجاهدين الصابرين المرابطين على أرض العراق”، التي حتمتها ظروف تلك المرحلة، وأوجبتها على الهيئة مقتضيات النصح والتحذير من المخاطر والمخاوف، التي كانت تكتنف مشروع المقاومة حينها. وقد حفلت هذه الرسالة بكثير من المعاني والدروس الموجهة إلى الفصائل الجهادية، ومنها:
1- أنها رسمت للمجاهدين خريطة النصر، وأوضحت لهم منارة الطريق إليه، قائلة: “إنَّ حركات الجهاد والمقاومة في عالمنا الإسلامي كثيرًا ما تنجح في تحقيق النصر على أعدائها، بيد أنها -في الغالب- تفشل في التمكين لأهدافها بعد الصراع، فهل حسبتم لذلك حسابًا؟ هذا السؤال مهم للغاية، وقد آن الأوان لتضعوه نصب أعينكم. دائمًا كنا نقول لمن يشكو ما ينزل على العراقيين من البلاء، إنَّ هذا زائل حتمًا، فوجود الاحتلال في أرضنا من شأنه أن يوحد الجهود، ويفضي بالمحصلة إلى التحرير، ولكن السؤال الصعب -هكذا كنا نقول له- ماذا بعد؟ ماذا بعد خروج المحتل؟!”.
2- وزادت الرسالة محذرة من مخاوف الطريق والمآلات غير المتوقعة له، فقالت: “إنَّ الخوف من المجهول يكمنُ هنا.. والقلق يرد من هذا الموطن!! وما لم تفكروا في تلك المرحلة من الآن، وتعدوا لها العدة، وتبكروا في الاتفاق عليها، فقد تفاجأون بحصادٍ مر، يجعل شعبنا يحن إلى مثل هذه الأيام، على الرغم من مرارتها، إذا ما واجه أيامًا أكثر مرارة، لا من حيث وجود الاحتلال، ولكن من حيث حصول الفرقة والاختصام، والتردي في جوانب الحياة كافة… إذا لم تفعلوا ما تقتضيه المعالجة منكم لتلك المرحلة، فإنَّ ثمة عدة مآلات ستنتهي إليها الأحوال، عليكم التفكير فيها بجدية، وعدم إهمالها، ومنها مآلان، هما في غاية الخطورة: الأول: أن يقطف ثمرة الجهاد والمقاومة غير أصحابها الشرعيين: إنَّ المحتل قد يخرج من الباب بفعل الجهاد والمقاومة، لكنه من الممكن أن يعود من الشباك، بفعل من سيخلفه في إدارة البلاد، وهو من دون شك حين يقرر المغادرة، يهيئ البديل، والبديل الذي يقع عليه اختيار المحتل يكون عميلًا لا محالة، ليحقق لأسياده، ما عجزوا عن تحقيقه بأنفسهم من خلال الحرب.. ومن دون شك فإنَّ العميل القادم إذا تسلم السلطة فستكون من أولوياته ضرب عناصر الجهاد والمقاومة، وتصفية هذا التوجه الحيوي لها في رفض المحتل، ولعموم أبناء الشعب. وها هو ذا المحتل -اليوم- على أبواب لعبة سياسية جديدة، يحاول من خلالها استبعاد وجوه، وتقريب أخرى…”.
3- دعوة الفصائل جميعًا إلى التوحد، وتنبيههم إلى أن الهيئة قد وجهت: “نداءً عاجلًا إلى أبناء الجهاد أن يفكروا بهذا الأمر مليًا، وأن يستعدوا للحظة يكونون فيها على خط المواجهة مع شعبنا في تحمل المسؤولية، كما طلبنا منهم الحوار المبكر فيما بينهم، وإبداء المرونة بهذا الصدد، لأنَّ الاتفاق بين جماعات تمتلك رؤى متباينة يتطلب إبداء تنازلات من جميع الأطراف، نزولًا عند ما يمليه فقه الواقع ومعطياته، وتحقيقًا للمصلحة العامة، التي أوجب الشرع مراعاتها. ومن أجل خطوة في هذا الاتجاه دعونا إلى توحيد الفصائل -منذ شهور- على مستوى اللقاء والتنسيق في أقل تقدير، ونجد الآن -بحمد الله- مبادرات في هذا الصدد، ونحن نؤيدها وندعمها، ونسأل الله سبحانه أن يتم نعمته على المجاهدين في تحقيق ذلك…”.
4- ثم توقفت رسالة الهيئة عند قضية مهمة كان لها أثر كبير في خلق حالة من الضبابية والاختلاف غير المحمود في وجهات النظر في صفوف المقاومة في مرحلة زمنية ما، وهي قضية التفاوض مع المحتل التي سعت إليها أطراف سياسية عدة وعملت على الترويج لها في سياق محاولات مستمرة لجر قدم بعض فصائل المقاومة إلى ساحتها وتوريطها في غير
شأنها. وقد نبهت الهيئة في رسالتها المجاهدين إلى خطل هذه المحاولات وخطر التفاوض المنفرد مع الاحتلال، وكيف أن الدعاوى المطروحة بهذا الشأن ما هي إلا كمين ينصبه الاحتلال بين حين وآخر، قائلة: “ولعل من المناسب التنبيه على أن من الخطأ الفادح أن تتعجل بعض الفصائل بفتح قناة للحوار مع المحتل قبل إنجاز هذه الخطوة -أي خطوة توحد الفصائل- كل على حدة، وببرامج مختلفة، فهذا كمين يتقن المحتل نصبه بدهاء، ويحقق له أهدافًا كثيرة”.
ثم أوردت الرسالة أهداف هذا الكمين الخبيث، وهي “شرذمة المقاومة لإضعافها، ودق إسفين بين فصائلها لتبتعد عن اللقاء فيما بينها، ومن ثم تفويت الفرصة عليها لتكون قوة فاعلة ومؤثرة على الأرض. ومنها: استدراج الفصائل تحت وعود كاذبة بالتمكين لها من الحكم، وإغراءات خادعة، وربما تشفع بدعم وتمويل أيضًا، لتسير -من حيث لا تشعر- في طريق تنفيذ مشاريع للمحتل، عجز هو بنفسه عن تنفيذها، فالحذر من أن يستمال بعضكم، من قبل أطراف معادية، لتقديم تنازلات تذهب بالدين والدنيا معًا”.
وختمت الرسالة ببيان غرض هذا الخديعة الذي هو إشغال بعض المقاومين “عن هدفه الأساس في الجهاد، واستعماله أداة في إضعاف الآخرين، حتى إذا تمكن منهم، وبقي وحده في الميدان، سهل على العدو شل قواه، ومن ثم الإجهاز عليه”.
وقد انطلقت الهيئة في نصيحتها للمجاهدين بشأن موضوع التفاوض؛ مما هو معروف عنها من إنكارها الشديد لما كان يشاع وقتها -بين حين وآخر- عن رغبة بعض الجهات -سياسية أو غيرها- بالتفاوض المنفرد مع الاحتلال، وكذلك من مواقفها المعلنة بهذا الشأن، وهي:
– رفض التفاوض مع الاحتلال من قبل أي طرف عراقي إلا بعد إعلانه جدولة انسحاب قواته.
– عدم صحة تفاوض طرف عراقي لوحده دون الآخرين.
– ضرورة حصول المفاوضين على تفويض شعبي أو تخويل ظاهر من غالب العراقيين.
– عدم التفاوض مع الاحتلال إلا من موقع القوة والندية، وهذا لا يكون إلا بتضافر عدة جهات للتفاوض، وفي مقدمتها المقاومة العراقية المجاهدة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى