أخبار الرافدين
تقارير الرافديندولية

الأمريكيون يتساءلون: هل حقًا مازلنا نقود العالم، أم فشلنا؟

استطلاعات الرأي تجمع على أن الفشل في العراق وأفغانستان جعل الأمريكيين يطالبون بالتركيز على المشاكل الداخلية.

واشنطن – في ضوء الأحداث العالمية المعقدة، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا وزيادة التوترات في مضيق تايوان، والأشكال المتطورة من الحروب، مثل النزاع الإلكتروني وقضايا القوة الناعمة مثل تغير المناخ، تحتاج الولايات المتحدة إلى دراسة سياستها الخارجية بعناية من أجل مواجهة التحديات الخارجية والداخلية بشكل أفضل.
وهذا يطرح السؤال: هل يرغب الشعب الأمريكي في استمرار الانخراط في الشؤون الدولية أم يفضل التركيز بشكل أكبر على القضايا الداخلية؟
وفي تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، قال تيموثي ريتش أستاذ العلوم السياسية بجامعة ويسترن كنتاكي والباحثان بنفس الجامعة مادلين اينهورن وسيدني ويندهورست، إنه يمكن للمرء تحديد العديد من الاختلافات في السياسة الخارجية الأمريكية بين إدارتي الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن. وهي الاختلافات التي تعكس هذا التوتر في التركيز على الشؤون الداخلية مقابل الشؤون الخارجية.
فقد دعا الرئيس دونالد ترامب إلى تطبيق شعار “أمريكا أولًا”، والذي يشير إلى إعادة توجيه السياسة الأمريكية إلى القضايا الداخلية والتركيز بشكل أقل على العالم الخارجي، وهو ما دفع الإدارة إلى الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وانهيار الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والهزيمة الشنيعة في أفغانستان وقبلها الفشل المريع في العراق بعد سنوات من احتلاله. وفي المقابل، قامت إدارة بايدن بتوسيع المشاركة الدبلوماسية الأمريكية في الشؤون الدولية، بينما سحبت القوات الأمريكية من أفغانستان.
وقال الباحثون الأمريكيون الثلاثة ريتش واينهورن وويندهورست إن إدارة ترامب اتبعت نهجًا جديدًا في التعامل مع مجالات مثل تغير المناخ والهجرة من خلال نهجها “أمريكا أولًا”. إلا أن بعضًا من سياساتها لم تتوافق مع آراء الأمريكيين، حتى مع أعضاء حزبها. فقد كشف استطلاع أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في عام 2017، أن 24 بالمائة من أنصار ترامب، و23 بالمائة من الجمهوريين المؤيدين لترامب و53 بالمائة من الجمهوريين غير المؤيدين لترامب، يرون أنه يتعين على أمريكا المشاركة في اتفاقية باريس حول تغير المناخ.
وكشف نفس الاستطلاع أن 66 بالمائة من الديمقراطيين و60 بالمائة من المستقلين و65 بالمائة من الجمهوريين يرون أنه يجب أن تضطلع الولايات المتحدة بدور فاعل ونشط في الشؤون الدولية، بينما رأى 49 بالمائة فقط من المشاركين في الاستطلاع أهمية الحفاظ على التحالفات القائمة كأداة فاعلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.
وأعرب المشاركون في الاستطلاع من الحزبين عن اعتقادهم أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا دوليًا أكبر من كل من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
وهكذا، من الواضح للغاية أن الأمريكيين يرون أن الولايات المتحدة قادرة على التأثير على الشؤون الدولية حتى إذا اختلفوا بشأن كيفية استخدام هذه القوة. بالإضافة إلى ذلك، كشف استطلاع أجراه كل من مؤسسة الأمم المتحدة وحملة عالم أفضل للأمريكيين الذين تتراوح أعماهم بين 17 عامًا و35 عامًا، أن أغلبية الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين يؤمنون بما وصفوه “أمريكا أولًا، ولكن ليست بمفردها”.
ومع استمرار العالم في الرد على غزو روسيا لأوكرانيا، تسعى أمريكا لحماية “النظام الدولي القائم على القواعد”. ومع ذلك لا تشترك كل الدول الأخرى في نفس الفكر، فقد اختارت الهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وغيرها النأي بنفسها عن الغزو والتركيز على سياساتها الداخلية على الرغم من قيام الولايات المتحدة بحثها على الانخراط في القضية. فقد ظهر شعار “أمريكا أولًا” في دول أخرى، من بينها البرازيل التي دعا رئيسها جاير بولسونارو إلى “جعل البرازيل عظيمة مجددًا”.
وقال ريتش واينهورن وويندهورست في تقريرهم إنه لتحديد كيفية شعور الأمريكيين بشأن مشاركة بلادهم في الشؤون الدولية، قاموا بإجراء استطلاع وطني على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة خلال الفترة من التاسع والعشرين من حزيران وحتى الحادي عشر من تموز الحالي، من خلال شركة “كوالتريكس” للأبحاث، مع أخذ عينات من العمر والنوع والمنطقة الجغرافية.
وسأل الباحثون 1728 شخصًا السؤال التالي: أي من الرأيين التاليين يصف بشكل أفضل رأيك لدور الولايات المتحدة في الشؤون الدولية؟ وكان بإمكان المستطلعة آراؤهم الاختيار بين (1) يجب أن نقلل الاهتمام بالمشكلات في الخارج ونركز على المشكلات في الداخل، أو (2) الأفضل لمستقبل بلادنا أن نكون فاعلين في الشؤون الدولية.
وبشكل إجمالي، دعا 55.44 بالمائة من المشاركين إلى اهتمام أقل بالمشكلات الخارجية والاهتمام بشكل أكبر بالداخل، في حين فضل 44.56 بالمائة القيام بدور فاعل ونشط في الشؤون الدولية. وكانت نسبة الديمقراطيين الذين يفضلون الاهتمام بالشؤون الدولية أكبر، بنسبة 56.29 بالمائة. وبالعكس، كانت نسبة الجمهوريين الذين يفضلون التركيز على المشكلات الداخلية أكبر، بنسبة 67.34 بالمائة. وبشكل متوقع، كان المستقلون في المنتصف، حيث أيد 69,59 بالمائة منهم التركيز على الشؤون المحلية.
واعتبر الباحثون أن الجمهوريين على الأرجح لا يزالون منجذبين إلى شعار ترامب “أمريكا أولًا”، في حين يرى الديمقراطيون الأحداث الراهنة مثل غزو روسيا لأوكرانيا وتغير المناخ كسببين لاستمرار انخراط أمريكا في الشؤون الدولية. الواضح أن الجمهوريين كانوا أقل تأييدًا للالتزامات الدولية، حيث تظهر بيانات الرأي العام في الماضي أن الجمهوريين كانوا أقل تأييدًا للمساعدات الخارجية وكانوا رافضين لإعادة توطين اللاجئين الأفغان لأسباب أمنية.
والحقيقة هي أن المشاركين في الاستطلاع ربما يقيمون التركيز على المشكلات الداخلية والتركيز على الشؤون الدولية بشكل مختلف للغاية، والمطلوب في الاستطلاع يجبر المشاركين على اتخاذ قرار في حين أن بعض المشاركين ربما يعتقدون أنه من الممكن التعامل مع المخاوف في كلا الجبهتين الداخلية والخارجية معًا. على سبيل المثال، ربما يرى بعض المشاركين في الاستطلاع أن انخراط الولايات المتحدة في الشؤون الدولية يعني في الأساس التدخل العسكري، وهو ما تأثر سلبًا بأفعال أمريكا في العراق وأفغانستان، أو المساعدات الدولية، التي يبالغ الأمريكيون للغاية في تقديرها بشكل تاريخي، بينما يعتبر آخرون أن الانخراط في الشؤون الدولية هو التعامل الدبلوماسي للاستجابة للمخاوف التي تحتاج إلى عمل جماعي مثل التصدي لتغير المناخ والجوائح.
ومن المرجح أن تكون المخاوف الداخلية أكثر وضوحًا في أذهان المشاركين في الاستطلاع مقارنة بالعديد من التحديات الخارجية، نظرًا لأن المشكلات الداخلية، وخاصة القضايا البارزة، ومن بينها السيطرة على الأسلحة، والقرارات المثيرة للجدل من المحكمة العليا، تؤثر مباشرة على الأمريكيين على المدى القريب أكثر من الشؤون الدولية المجردة.
واختتم الباحثون تيموثي ريتش ومادلين اينهورن وسيدني ويندهورست تقريرهم في مجلة ناشونال انتريست بالقول إنه بينما يمكن للمرء فهم جدوى التركيز على المشكلات الداخلية، فإن هذا يتناقض مع الشعار القديم بأن أمريكا هي “زعيمة العالم الحر”.
إن عدم الانخراط في الشؤون الدولية يهدد بتفاقم “تراجع الهيمنة الأمريكية”. وبدلًا من النظر إلى الأمرين على أنهما عالمان منفصلان، ربما من الأفضل التفكير في تطبيقات غير تقليدية للتأثير الدولي لأمريكا وكيف يمكن أن يساعد حل المشكلات الداخلية في الولايات المتحدة في زيادة النفوذ الأمريكي في الخارج.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى