أخبار الرافدين
د.عبد الوهاب القصاب

إيران نمر من ورق أم…؟

في يوم من أيام ربيع عام 1969 كنت أتابع دورة عملية تعتمد المعايشة اليومية في الأرصاد الجوية التنبؤ الجوي في مطار البصرة وكان من ضمن المتنبئين الجويين الذين تدربت على أيديهم الملحن البصري المبدع حميد البصري الذي غادرنا مؤخرًا إلى جوار ربه الكريم.
جاءني منبهرًا ومنفعلًا قائلًا أنا سمعت ثمة انقلاب في إيران وهذه إذاعة عبادان تصدح بالأناشيد. وبعد التدقيق أفادنا المترجم بأن هذا هو أسلوب الإيرانيين في التعبير. المبالغة بكل شيء في الحزن في الفرح في الحرب في السلم.
قال لي المترجم هؤلاء هم المعروف عنهم “رستي بيان جنگ شد، دوري بيان تسليم شد” أي البيان رقم واحد إعلان الحرب والبيان الرقم 2 تسليم وإلقاء السلاح وهو أمر حدث في الحرب العالمية الثانية عندما تعرضت إيران لاحتلال مزدوج بريطاني روسي.
الصراخ واحد من سمات الخطاب الإيراني المتأثر بروازي المنبر وكلنا نتذكر ذلك الرادود المعمم الذي ردد أغنيته “عزمى عزمى” أي عظمى ورقص خامنئي على ألحانها منتشيًا بأن دولته أضحت عظمى لسيطرتها على أربع عواصم عربية ليس بقدراتها الذاتية ولا لانتصاراتها، بل بحروب خاضتها بأذرع ذيول أذلاء من أبناء نفس تلك البلدان.
لم يسجل التأريخ المعاصر لإيران أية انتصارات، بل على العكس من ذلك عانت من اندحارات عنيفة ليس آخرها اندحار الاحتلال المزدوج الروسي البريطاني، بل من الاندحار والهزيمة النكراء التي تعرضت لها إيران الملالي على يد رجال العراق “رجال القادسية الثانية”. وهذا درس ليس لإيران والإيرانيين فحسب، بل للأخوة العرب الذين فرطوا بالعراق وقدراته فسلموه هدية للأمريكيين لكي ينتقموا ليس للكويت على بشاعة ما تعرضت له، بل لإيران التي سلمها الأمريكيون أهم بلد على طبق من ذهب فأوكلت لذيولها مهمة قمع أبناء الرافدين الذين أذاقوا الفرس مر الهزيمة.
السؤال الذي يتبادر للذهن كيف أمكن هزيمة بلد تبلغ مساحته ثلاثة أضعاف العراق وعدد سكانه ثلاثة أضعاف عدد سكان العراق أيضًا على يد البلد الأقل سكانًا والأقل مساحة، بل والأوهن إستراتيجية؟
في علم الإستراتيجية العسكرية ثمة قضية يشار إليها بعامل تعظيم القدرة، أي أن يلجأ البلد الأوهن في معطيات الاستراتيجية والحيوبولوتيكا إلى إجراءات يعظّم بها قدراته فتجاوز القدرات الإيرانية فانتصر وفتح أبواب إيران كلها لقواته المسلحة بحيث كان يمكن الوصول إلى طهران أو اقتطاع الأحواز دون مقاومة تذكر، فبدايات إيران كلها أصبحت بحوزة العراق بعد معركة كيلان غرب الرائعة.
وبقي العراق متفوقًا بالتسليح كمًا ونوعًا حتى عشية 9-4-2003 المشؤوم.
ويبين تفوق القدرة لدول مجلس التعاون الخليجي على إيران كمًا ونوعًا، إلا أن ما ينقص هذه الدول، شيء مهم واحد لو تيسر لقطع لسان الجعجعة والصراخ، وهو غياب الإرادة السياسية في تفعيل معاملات القدرة لنخرج بنتائج كان بالإمكان أن تقلب حسابات الحقل وحسابات البيدر رأساً على عقب.
طبيعة هذا المقال لا تساعد على الخوض بالأرقام لكنني سأورد الأنواع وندعها تتحدث. كيف لطائرات مقاتلة من نوع صيني متخلف تتسلح بها إيران بشكل رئيسي أن تقف بوجه التسليح الجوي الخليجي المكون من F15 و F16 والرافال والميراج واللايتتنغ والتورنيدو؟
كيف تقف بحرية موروثة منذ أيام الشاه بوجه تسليح بحري على أفضل مدى؟
وكيف للدبابة الصينية المتخلفة الموجودة لدى إيران أن تقف أمام دبابة أبرامز؟
هذه فقط أسئلة ستساعد القارئ بسرعة على التوصل إلى إجابة لتساؤلنا؟
إيران في حقيقة أمرها هي نمر من ورق مزقه العراق في ثمانينيات القرن المنصرم وسيمزقه الخليجيون لو تيسرت الإرادة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى