أخبار الرافدين
تقارير الرافدينعربية

السودان يراوح مكانه بسبب الانقسام السياسي وتباين المواقف

مراقبون يستبعدون عقد اتفاق بين القوى السياسية السودانية في القريب العاجل، الأمر الذي يصب في مصلحة العسكر ومناصريهم من ائتلافات أخرى.

الخرطوم _ يزداد المشهد السياسي في السودان تعقيدًا يومًا بعد يوم، بعد دخول البلاد في أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، منذ إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين أول الماضي، وانفراد المكون العسكري بالسلطة دون الشركاء المدنيين في الحكم.
وبقي الصراع محتدمًا بين العسكر ومناصريهم، في مقابل قوى ثورية وسياسية تقود حراكًا احتجاجيًا مستمرًا في البلاد.
ولا زالت هذه القوى المدنية بدون قدرة كافية على تجاوز خلافات سياسية تعصف بوحدتها وإمكانية تشكيلها لحكومة توافقية تدير الحكم في الفترة الانتقالية التي أعقبت رحيل نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وبالإعلان عن تحالف جديد بمسمّى “قوى التغيير الجذري” يضم الحزب الشيوعي و”تجمع المهنيين” وتنظيمات سياسية ومهنية أخرى، تصبح القوى السياسية المعارضة في البلاد منقسمة إلى ثلاث تيارات هي: قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقًا)، وقوى “التغيير الجذري” والتيار الثالث لجان المقاومة (ناشطون)، على الرغم من اتفاقها على هدف واحد وهو إسقاط الانقلاب.
وتتباين مواقف التيارات المعارضة في السودان بين من يقبل الجلوس مع العسكر بغرض إنهاء إجراءات البرهان، وبين الرافضين، وآخرون لا يرون غضاضة في تولي العسكر شؤون الأمن في البلاد.
وينسحب هذا التباين على ترتيب أولويات القضايا مثل ملفات العدالة وإصلاح أجهزة الدولة والأجهزة الأمنية، وتحقيق السلام، في ظل وجود حركات لم توقّع بعد على اتفاق سلام جوبا في تشرين أول 2020.
ولا تتفق هذه التيارات السياسية المختلفة مع مواقف ناشطي لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات في الأحياء والمدن رافعة شعارات من قبيل: “لا تفاوض لا شراكة ولا شرعية” وتطالب بإبعاد العسكر عن السلطة.
وتكوّنت “لجان المقاومة” في المدن والقرى عقب اندلاع احتجاجات 19 كانون أول 2018، وكان لها الدور الأكبر في إدارة المظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزلت قائد الجيش آنذاك الرئيس عمر البشير في 11 نيسان 2019.
وبحسب مراقبين لا يلوح أي أمل لاتفاق بين القوى السياسية في القريب العاجل، وهو أمر يصب في مصلحة العسكر ومناصريهم من ائتلافات أخرى مثل “قوى إعلان الحرية والتغيير- مجموعة التوافق الوطني”، وهي قوى سياسية أعلنت تأييدها لإجراءات البرهان.
ويستبعد الكاتب والمحلل السياسي عثمان فضل الله أن تتوحّد القوى السياسية، لأن الخلافات بينها “مستفحلة” في ظل “عدم وجود قنوات لحل هذه الخلافات والمواقف المتباعدة”.
ويبين فضل الله أن “تشرذم القوى السياسية وصراعها فيما بينها سيعجّل بأن يتجه العسكر إلى تشكيل حكومة لأن البلد في حالة فراغ دستوري وحكومي”.
وأضاف: “لن ينتظر قادة الجيش أكثر على عدم اتفاق السياسيين على حكومة تسيّر أمور الدولة”.
وفي 4 تموز الجاري، أعلن البرهان انسحاب الجيش من الحوار الوطني في البلاد بغرض “إفساح المجال للقوى السياسية والثورية والمكوّنات الوطنية لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة تتولى إكمال مطلوبات الفترة الانتقالية”.
وأضاف وقتها: “بعد تشكيل الحكومة التنفيذية، سيتمّ حلّ مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من القوات المسلحة والدعم السريع”.
وانطلقت عملية الحوار الوطني في البلاد برعاية أممية إفريقية في 8 حزيران الماضي، لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، لكنه توقف بعد انسحاب المكون العسكري منه.
ويتفق المحلل السياسي أمير بابكر عبدالله مع الرأي القائل بصعوبة توافق القوى السياسية في السودان.
ويرى بابكر عبد الله أن: “من الصعب توافق القوى السياسية على حكومة تضغط بها على الجيش حتى يعود إلى ثكناته”.
وأضاف: “البرهان رمى طُعْم التوافق السياسي ووحدة الأحزاب منذ وقت مبكر كشرط لتسليم السلطة للمدنيين، وهو خيار يصعب تحقيقه”.
ويشير بابكر إلى أن السيناريوهات الثلاث الماثلة في المشهد السوداني هي: “إما وحدة القوى السياسية، أو ذهاب العسكر لتشكيل حكومة تصريف أعمال مهمتها الإعداد للانتخابات، أو مواصلة القوى السياسية تصعيدها حتى إسقاط الانقلاب”.
وتابع: “أتوقع مُضيّ العسكر في الإعلان عن حكومة تصريف أعمال تنجز الانتخابات، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك، بسبب غياب برلمان يجيز قانون الانتخابات”.
وبين أن: “الانتخابات تتطلب خطوات منها إجراء التعداد السكاني وتوزيع الدوائر الانتخابات وغيرها من المطلوبات”.
ويرجح بابكر عبد الله أن تذهب القوى السياسية نحو مزيد من التصعيد مع العسكر، باعتباره السيناريو الأقرب للواقع، مع استمرار أزمات البلاد.
ويرى محمد عبد الحكم القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير( الائتلاف الحاكم سابقًا)، أن العسكر يتحركون وفق دائرة تعج بقوى النظام السابق ( نظام البشير 1989- 2019) وهم يرسمون خريطة المشهد السياسي.
وقال عبد الحكم: “الأساليب مفضوحة من خلال محاولات إيهام الرأي العام بأن الجيش عاد للثكنات على الرغم من أن قرارات البرهان هي تكريس لانقلاب 25 تشرين أول”.
وأوضح أن الغرض من ذلك كله تشكيل حكومة مدنية ذات “سلطة صورية”.
وتابع: “من المهم تعريف طرفي الأزمة بين الانقلابيين ومناهضيهم، وأغلب مناهضي الانقلاب قادرون على التوافق على حد أدنى يجمعهم تحت مظلة المطالب الثورية التي تنشد الحرية والسلام والعدالة”.
وقبل إجراءات البرهان، كان السودان يعيش منذ 21 آب 2019 مرحلة انتقالية من المفترض أن تستمر 53 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024.
وكان مقررًا أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاقية سلام عام 2020.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى