أخبار الرافدين
محمد الجميلي

وهم التغيير

خارطة مقتدى لحل المأزق السياسي في العراق‬ التي أعلنها في خطابه، ليلة الخميس الرابع من آب الجاري، من حل البرلمان، وانتخابات مبكرة، وإزاحة الوجوه القديمة، مع أنها لا تلبي مطلب التغيير الجذري الذي رفعه في بداية اعتصام أنصاره في المنطقة الخضراء، إلا إنها مع ذلك، تحتاج إلى ثورة لتنفيذها، وليس تغريدات شعبوثية فحسب، لأن خصومه، كما هو، لديهم ميليشيات، ولن يتنازلوا عن حصتهم في الغنيمة، وقد ردوا عليه فور انتهاء خطابه بأن أي تغيير يجب أن يكون وفق الدستور والآليات القانونية فيه.
يبدو أن مقتدى أمام خيارين، إما انقلاب عاجل ينفذ فيه ما أعلنه إن كان قادرًا عليه، وهذا مستبعد، لأنه سيؤدي إلى صدام مسلح مع خصومه، قال إنه لا يرغب به، وإما القبول بالتغيير وفق ما سماه خصومه بالآليات الدستورية، وهذه نكتة مضحكة عمرها عشرون عامًا، فكيف لمن وضع أسس النظام المحاصصي أن يغيره ويزيح وجوده منه، ويفرط بالمليارات التي يجمعها من غير تعب ولا نصب ولا تأنيب ضمير؟
وكما أن مقتدى أمامه خياران، فخصومه في الإطار أمام خيارين أيضًا؛ إما انتظار نتائج الضغط الإيراني على مقتدى، لعل فيها بعض انفراج للأزمة الخطيرة، والجهود الإيرانية مستمرة في تقريب وجهات النظر منذ اليوم الأول للأزمة، بل قبلها، وأما الخيار الثاني فهو التصعيد أمام تصعيد مقتدى، والقيام بانقلاب مقابل تحت ذريعة مضحكة سموها “حماية الشرعية”، وميليشيات الحشد جاهزة لذلك ولكنها تحتاج قرارا إيرانيا، ليس سهلًا اتخاذه الآن!
فما موقف حكومة الكاظمي من كل هذه التداعيات الخطيرة على مستقبلها ومستقبل العملية السياسية التي تتعرض لأكبر تهديد لبقائها منذ أن أسسها الاحتلال على يد بول بريمر حاكمه المدني، الجواب معروف: ستكتفي بمراقبة الأوضاع، وانتظار ما يصدر عن السفارتين الإيرانية والأمريكية، فليس لها من الأمر شيء، سوى إصدار المناشدات، وإطلاق المبادرات، وهي أصلًا حكومة تصريف، وممنوعة من الصرف في الوقت عينه، ولا كلمة لها أمام تغول الميليشيات، ولا إرادة لها أمام سلاح ولاؤه ليس لها!!
ومن نافلة القول أن خارطة مقتدى في الأصل ليست مخرجًا آمنا للمأزق الكارثي في العراق‬، لأنها من طرف مشارك في العملية السياسية، يروم إنقاذها مرة باسم الإصلاح، ومرة باسم التغيير الجذري، وأخرى باسم ثورة عاشوراء، ومشكلة هذا الطرف السياسي، عدوان من خسر في الانتخابات على حقه في تشكيل الحكومة بصفته الفائز فيها -وإيران مساهمة في هذا العدوان، وتتحمل وزره- ولولا ذلك لما حصل هذا التدهور الأخير، لذلك لا تعد حلًا.
يبقى الحل الوحيد لما يجري في العراق‬، ما أعلنته ثورة تشرين عام 2019، ومن قبلها القوى الوطنية المناهضة للاحتلال، بإسقاط نظام المحاصصة الطائفي المدمر، وأن يأخذ الشعب زمام المبادرة، ويكمل ثورته، ويكتب دستورًا وطنيًا لا مستوردًا، وأن يوقف خراب البلاد، ويحاسب الفاسدين، وينهي حكم العملاء، وبغير هذا لن يحصل تغيير جذري، بل وهم يتوهمه صاحبه، أو سراب يظنه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى