أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ماذا لو اتفق الصدر مع خصومه، فمن يثق بعدها بلصوص الدولة

الصدر يتوقّع أن يكون شريكًا رئيسيًا في أية حكومة جديدة، وبخلاف ذلك سوف يواصل منع تشكيل حكومة.

بغداد – يترقب العراق نهاية أسبوع ساخنة تفاقم الجدل السياسي بين الأطراف المتنازعة على السلطة، ففي وقت تشهد ساحة الاحتفالات الكبرى وسط المنطقة الخضراء ظهر الجمعة صلاة الجمعة الموحدة، التي دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أتباعه في بغداد وأربع محافظات عراقية أخرى. فإن الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية، أصدر بيانًا أكد فيه “دعمه لأي مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب بما في ذلك الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الإجماع الوطني حولها وتوفير الأجواء الآمنة لإجرائها”.
وشدد الإطار التنسيقي على وجوب أن “يسبق كل ذلك، العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها”. في مفارقة أثارت تهكم العراقيين عندما بدرت كلمة الاحترام من ميليشيات الإطار.
ولا تزال الأزمة السياسية في البلاد قائمةً بقوّة، إذ يعيش العراق شللًا سياسيًا تامًا منذ الانتخابات التشريعية في تشرين الأول 2021. ولم تفضِ مفاوضات لامتناهية بين القوى السياسية الكبرى إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة.
وفي حين يمارس الضغط الشعبي على خصومه، ترك الصدر لهم مهمة تأليف الحكومة، بعدما استقال نواب التيار الصدري الـ73 في حزيران الماضي من البرلمان، رغم أنهم كانوا يشغلون ككتلة، أكبر عدد من المقاعد فيه.
ويتساءل العراقيون ماذا لو اتفق الصدر أخيرًا مع خصومه في الإطار، فهل سيبقى من العراقيين من يثق بالصدر أو أحزاب العملية السياسية، وهم يتاجرون بقضية العراق من دون أن يملك أيًا منهم مشروعًا وطنيًا.
ووصلت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، الجمعة، إلى مكتب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في النجف.
ويأتي لقاء بلاسخارت مع الصدر ضمن جولات عديدة أجرتها رئيسة البعثة الأممية على الأقطاب السياسية في بغداد وأربيل لبحث الأزمة السياسية في البلاد والتأكيد على ضرورة الحوار.
ويشرح الأستاذ المساعد في جامعة كوبنهاغن فنر الحداد المختص بالشأن العراقي أن الصدر “يتوقّع أن يكون شريكًا رئيسيًا في أية حكومة جديدة، وبخلاف ذلك سوف يواصل منع تشكيل حكومة”.
وكذلك “لن يسمح للبرلمان بالاجتماع من دون نوابه”، وفق الحداد.
يذكّر الحداد بأن “السياسة العراقية غالبًا ما تصل إلى نقطة اللاعودة قبل أن تقرر الأطراف المعنية حلّ خلافاتها خلف الأبواب المغلقة”.
ولا يستبعد الحداد اتفاقًا بين المعسكرين، معتبرًا أن تكليف “رئيس وزراء توافقي، لا يزال السيناريو الأكثر إمكانية للتحقق”.
في غضون ذلك اتخذت السلطات العراقية وميليشيا سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر إجراءات أمنية مشددة والقيام بأوسع حملة لتنظيف الساحة وتهيئتها لإقامة الصلاة الموحدة.
كما اتخذت إجراءات أمنية مشددة في جميع الشوارع والساحات المؤدية إلى المنطقة الخضراء الحكومية وإغلاق عدد من الجسور أمام حركة السيارات لتسهيل وصول المصلين.
ويواصل الصدر الضغط على خصومه السياسيين، ووصل إلى حدّ المطالبة بانتخابات مبكرة، ليزيد من تعقيد المشهد السياسي المتأزم أصلًا في العراق.
هل يعني ذلك أن البلاد سوف تتجه فعلًا نحو انتخابات جديدة؟ أم أن مخرجًا من الأزمة يتمّ التفاوض عليه بين الأطراف المتصادمة كما جرت العادة، ما زال أمرًا ممكنًا؟
ونال التيار الصدري 73 مقعدًا، ليصبح الكتلة الأكبر تمثيلًا في البرلمان الذي يضمّ 329 نائبًا. وأراد الصدر، مع حلفائه من السنة والأكراد، تسمية رئيس الحكومة وتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”.
لكن ذلك قوبل بالرفض من قبل خصومه في الإطار التنسيقي الذي يضمّ فصائل موالية لإيران. وكان مطلب الإطار التنسيقي الحفاظ على الحلّ التوافقي التقليدي بين كافة أطراف الميلشيات والأحزاب الطائفية في تشكيل الحكومة.
للضغط على خصومه، دفع الصدر الذي اعتاد على اتخاذ خطوات مفاجئة، نوابه للاستقالة من البرلمان في حزيران الماضي.
حاليًا، يخيّم الآلاف من مناصريه منذ السبت في البرلمان احتجاجًا على اسم مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة. وهو أثبت بذلك أنه لا يزال قادرًا على تحريك ورقة الشارع للدفع باتجاه تحقيق مطالبه السياسية.
ويسمح الدستور العراقي الذي كتب في لحظة شاذة من تاريخ العراق بعد احتلاله بإشراف اليهودي الأمريكي نوح فلديمان الذي اختاره الحاكم الأمريكي آنذاك بول بريمر، يسمح للبرلمان بأنّ يحلّ نفسه، ففي المادة 64 منه، ينصّ على أن حلّ مجلس النواب يتمّ “بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءًا على طلبٍ من ثلث أعضائه”.
أما الخيار الآخر فهو بطلب “من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”. ويشرح الحداد أنه “من غير الواضح ما إذا كان الخيار الثاني واردًا أصلًا لأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال”.
وبدعوته لانتخابات مبكرة، يعتقد الصدر أنه “سيحقق رصيدًا كبيرًا، أي مقاعد أكثر من السابق”، كما يشرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومنذ بداية الأزمة، ينقسم أطراف الإطار التنسيقي الذي يضمّ خصوصًا كتلة الفتح الممثّلة لميليشيا الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل موالية لإيران باتت، بشأن الاستراتيجية التي ينبغي عليهم اتباعها تجاه الصدر.
ويتمثّل الجناح الأكثر تشددًا برئيس الوزراء الأسبق والخصم التاريخي للصدر نوري المالكي، وبزعيم ميليشيا العصائب، أحد فصائل الحشد الشعبي، قيس الخزعلي. ويدفع هؤلاء نحو المواجهة.
أما المعسكر الآخر فيدفع باتجاه اعتماد “مقاربة بديلة: الإبطاء في عملية تشكيل حكومة ومحاولة تحقيق تقارب داخل الأحزاب والميليشيات الولائية عبر تقديم حوافز للصدر”، كما يرد في تحليل نشره معهد واشنطن بقلم حمدي مالك ومايكل نايتس.
ويرى من جهته إحسان الشمري أن الخزعلي والمالكي سيكونان “كابحًا أمام ذهاب الإطار باتجاه الانتخابات المبكرة”.
ويضيف أن الإطار التنسيقي قد يمانع إجراء انتخابات جديدة، “لكن هذه الممانعة هي لغرض كسب ضمانات… كتغيير على مستوى القانون الانتخابي وعلى مستوى المحكمة الاتحادية وعلى مستوى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أو حتى على مستوى شكل الحكومة”.
عقبة مهمة أخرى قد تقف أمام حلّ البرلمان، وهي أن “نصف نواب البرلمان هم نواب جدد يدخلون المعترك السياسي لأول مرة ويريدون ممارسة التجربة السياسية والتمتع بمزايا السلطة والحصول على امتيازات كأخذ مكانة اجتماعية”، كما يشرح المحلل السياسي علي البيدر.
ويرى علي البيدر أن الكرة الآن أصبحت في ملعب خصوم الصدر.
ويضيف أنهم إذا لجؤوا إلى خطوة الانتخابات المبكرة فسيكون ذلك دليلًا على رغبتهم بالحوار والنقاش والتفاوض وإذا استمروا بتعنتهم قد يذهب الصدر باتجاه التصعيد، ويدفع بتعطيل المؤسسة التنفيذية في البلاد ويشل الحركة في العاصمة ويعطل الحياة بشكل مطلق”.
ويعتبر المحلل أن اعتصام البرلمان لم يكن سوى “اختبار، أو جرس إنذار للمنظومة السياسية ما لم تلتزم بما يريده الصدر ويسعى إليه”.
وفي بلد ما زال يعيش آثار صدمات عقود من النزاعات وحرب طائفية دامية، حاضرة في الأذهان، فإنّ المخاوف قوية من اندلاع حرب داخلية شيعية مفتوحة.
في الأثناء، يدعو الجميع إلى ضبط النفس لمنع سفك الدماء، على الرغم من أن كل الأطراف السياسية البارزة مسلحة.
مع ذلك، فإن مجال المناورة لدى خصوم الصدر محدود: لأن إيران حليفتهم النافذة، تعارض التصعيد، كما يقول خبراء.
ويرى إحسان الشمري أن طهران “تمنع ذهاب الإطار التنسيقي وبالتحديد الفصائل المسلحة نحو رفع سقف المواجهة باتجاه الصدام”.
وتعتبر إيران أنه ما زال من الممكن إيجاد “حلول سياسية”، وفق الشمري، “لكن إذا ما اندلع القتال فمن الصعب السيطرة على السلاح الذي يمتلكه الطرفان”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى