انسياب الحبوب للأسواق حل مؤقت لأزمة الغذاء العالمية
زراعة القمح تشهد مخاطر طويلة الأمد تؤثر سلبًا على سوق الحبوب العالمية، حتى مع فرضية انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
إسطنبول – نجحت جهود تركية في إعادة انسياب الحبوب للأسواق العالمية، بعد التوقيع على اتفاق مع روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، لتصدير الحبوب الأوكرانية من ميناء أوديسا.
ومنح هذا الاستئناف لصادرات الحبوب الأوكرانية، بعد الهدوء لأسواق الغذاء العالمية، بعد شهور من المخاوف المتصاعدة من احتمالية دخول اقتصادات خاصة في إفريقيا بمجاعة.
وتطمح أوكرانيا بتصدير 3.5 ملايين طن من الحبوب بصدارة الذرة والقمح إلى السوق العالمية خلال الفترة المقبلة، مع بدء موسم الحصاد الصيفي في البلاد.
وتأتي روسيا، الأول عالميًا كأكبر مصدّر للقمح عالميًا بمتوسط سنوي 44 مليون طن، بينما تأتي أوكرانيا في المرتبة الخامسة في تصدير القمح بمتوسط سنوي يتجاوز 18 مليون طن.
وتشهد زراعة الحبوب عالميًا وخاصة القمح، مجموعة من المخاطر طويلة الأمد، والتي قد تؤثر سلبًا على سوق الحبوب العالمية، وستدفع بها صعودًا، حتى مع فرضية إنتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
وتراجعت أسعار القمح عالميًا من متوسط 550 دولارًا للطن في أيار الماضي، إلى متوسط 300 دولار حاليًا، وهي الأسعار تقريبًا عشية الحرب في شرق أوروبا.
وتعتبر أسعار الطاقة عالميًا، من أبرز المدخلات في تسعير القمح عالميًا، إذ تشهد الأسعار حاليًا ارتفاعات كبيرة قرب نطاق 100 دولار لبرميل برنت.
وتتوفر حاليًا أسباب ارتفاع الطلب على النفط لمستويات آذار الماضي، قرب 130 دولارًا بسبب زيادة الطلب العالمي، ومحاولة الغرب تهميش النفط الروسي -ثاني أكبر منتج للنفط بالعالم بمتوسط يومي 10.7 ملايين برميل-.
وعانى المزارعون في الشهور الماضية من ارتفاع تكلفة الحصاد بسبب تشغيل المعدات والماكينات اللازمة للحصاد والنقل من المزارع إلى مرافق التخزين، إلى جانب كلفة إضافية للنقل في البواخر إلى الأسواق المستهلكة.
ففي عمليات الحصاد يحتاج المزارعون إلى الوقود، كذلك الأمر في عمليات نقل المحصول إلى مرافق التخزين، عدا عن كلفة الوقود المرتفعة عند نقل القمح للأسواق، وهي تكاليف يتحملها المستهلك النهائي.
وتظهر بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو”، أن الأسمدة تمنح مزارع القمح زيادة في الإنتاج وحماية من التلف بنسبة تتراوح بين 20 بالمائة – 30 بالمائة من حجم الإنتاج الطبيعي.
وفي آذار الماضي، ارتفعت أسعار المواد الخام التي تشكل سوق الأسمدة، مثل الأمونيا والنيتروجين والنترات والفوسفات والبوتاس والكبريتات بنسبة 35 بالمائة، وفق بيانات هيئة السلع البريطانية.
وتعد روسيا وأوكرانيا من بين أهم منتجي السلع الزراعية في العالم كالأسمدة والمواد الخام اللازمة لتصنيعها.
وفي 2021، كانت روسيا أكبر مصدر للأسمدة النيتروجينية في العالم، وثاني أكبر مورد لكل من الأسمدة البوتاسية والفوسفورية، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، وتستحوذ على 14 بالمائة من مجمل صادرات الأسمدة عالميًا.
علاوة على ذلك، يعتبر الغاز أحد المدخلات الرئيسية لإنتاج الأسمدة؛ في وقت تشهد أسعار الغاز الطبيعي عالميًا، أعلى مستوياتها منذ عام 2008، ما أدخل دول أوروبا في أزمة متصاعدة.
ومنذ بداية عام 2020، ارتفعت أسعار الأسمدة النيتروجينية أربعة أضعاف، بينما ارتفعت أسعار الفوسفات والبوتاس بمقدار ثلاثة أضعاف.
وقبل التهديد بخفض الإمدادات من روسيا وبيلاروسيا، كانت أسعار الأسمدة تواجه بالفعل ضغوطًا تصاعدية من اضطرابات سلسلة التوريد العالمية، وحظر الصادرات الصينية وإضراب السكك الحديدية الكندية.
في حين أن معظم تركيز المناقشات حول ارتفاع الأسعار في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا قد هيمنت عليه الطاقة.
ومن المتوقع أن تؤدي صدمة الإمداد إلى الأسمدة والقمح والحبوب الأخرى إلى تفاقم مشكلة حجم إنتاج الغذاء.
ويحتوي إنتاج الأغذية والأسمدة على نسبة عالية من الطاقة بسبب المكائن والتصنيع والنقل.
وتعيش كندا اليوم، وهي إحدى كبار منتجي القمح حول العالم، حالة جفاف غير مسبوقة، يتوقع أن تخفض الإنتاج بنسبة 30 بالمائة، بحسب بيانات حكومية.
وتعتبر زراعة القمح حول العالم بعلية -أي أنها تعتمد على مياه الأمطار بشكل أساسي-، بنسبة تزيد عن 99 بالمائة، لذا فإن تطرف الطقس في فصل الصيف وتطرفه من حيث البرودة في فصل الشتاء، وتداخل الفصول، سيفقد زراعة الحبوب وبالتحديد القمح انتظامه.
وبالمقابل، فإن تغيرات المناخ، شكلت دفعة إضافية هذا العالم لروسيا، التي سجلت انتعاشًا في إنتاج القمح شمال البلاد، بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وأورد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، الأسبوع الماضي، أن الزراعة في جنوب إفريقيا على سبيل المثال هي القطاع الأكثر تضررًا بسبب تغير المناخ، حيث أن 95 بالمائة من المساحة المزروعة بعلية.
وعلى الرغم من زيادة غلات المحاصيل عالميًا بسبب الزيادات في المساحات المروية واستخدام أصناف البذور المحسنة، إلا أنها لم تكن قادرة على تلبية الاحتياجات الغذائية لعدد السكان، مما يهدد أهداف الأمن الغذائي العالمي.