أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

تثبيت الصين في محيطها وعزلها دوليًا

تصاعدت أزمة تايوان على خلفية زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لها. وخلال تغطيات الزيارة، كاد بعض المحللين في وسائل الإعلام، أن يعلنوا عن بدء اشتعال الحرب النووية بين الصين والولايات المتحدة. وتحدث الأقل شططًا عن حرب على غرار ما جرى في أوكرانيا، وصاروا يعدون الدقائق لانطلاقها.
لكن الصراعات الدولية الكبرى لا تجري بعفوية أو بالتداعي غير المخطط له سلفًا، كما أن الحرب النووية لا تندلع هكذا ردًا على مجرد زيارة. وبعيدًا عن هذا وذاك، فلكل أزمة دولية طبيعتها وتعقيداتها المختلفة. والنموذج الأوكراني مختلف كليًا عن النموذج التايواني.
كانت زيارة بيلوسي نقلة نوعية في الصراع بين الولايات المتحدة والصين، لا شك في ذلك، لكنها لم تكن حركة تستهدف أو يتوقع منها أن تشعل حربًا نووية، إذ أن تأثيرات الزيارة ونتائجها لا تحدث تغييرًا حاسمًا في وضع تايوان ولا تغييرات كبرى في التوازن الدولي، يستدعي حربًا تدمر الصين والولايات المتحدة معًا.
كانت الزيارة حركة سياسية محسوبة بدقة لإحداث تغييرات تكتيكية ضمن إستراتيجية أمريكية محددة من قبل. وجاء رد الفعل الصيني مدروسًا بدقة ضمن إطار فهم إستراتيجي في المقابل، ويبدو أن أحداث أوكرانيا ساهمت في شعور الكثيرين بالقلق إلى درجة دفعتهم لرفع سقف الاحتمالات.
غير أن اندلاع الحرب بين الصين والولايات المتحدة هي حالة أخرى مختلفة كليًا عن حرب أوكرانيا.
كلاهما يدرك أن حرب تايوان وبحر الصين الجنوبي، ستكون حربًا إقليمية، وحربًا دولية، وحربًا نووية، بما يتطلب دقة الحسابات وربط أية خطوة سياسية بالإستراتيجية العامة لإدارة الصراع فيما جرى بشأن زيارة رئيسة مجلس النواب، لا الصين ولا الولايات المتحدة، رأت أن الأمر سيذهب بهما إلى خوض الحرب.
والحاصل تحديدًا أن الولايات المتحدة تحاول إشغال وتثبيت وعزل الصين في محيطها عبر أزمة تايوان، وإلى حشد دول العالم ضد الصين بتصعيد تلك الأزمة –عبر صناعة أزمة أخرى في بحر الصين الجنوبي-إلى حالة الأزمة الدولية الكبرى.
وقد جاءت زيارة بيلوسي لتايوان ومحاولة تصعيد الأزمة التي رافقتها، لتعزيز نتائج عقد الولايات المتحدة تحالفي أوكوس وكواد مع أستراليا والهند واليابان، واختبارهما عمليًا، ولفتح مساحة سياسية تسمح بتمدد دور حلف الأطلنطي إلى تلك المنطقة، وكذلك دول أوروبا، تحت عنوان الأزمة الدولية التي تهدد النظام الدولي.
كما جاءت الزيارة كخطوة أخرى ضمن خطوات مبرمجة خلال سعي الولايات المتحدة لمواجهة ما يسمى بالتمدد الصيني في العالم، وكان أبرزها زيارة بايدن للشرق الأوسط، التي ستعقبها تحركات أخرى مشابهة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وإذ تدرك الولايات المتحدة –حتى وفق تجرتها هي- أن لا قوة عظمى إلا بنفوذ اقتصادي قوي وبوضع تكنولوجي متقدم وإلا بالسيطرة على الممرات الدولية وأعالي البحار، فلذلك، تعطي أولوية للحرب الاقتصادية والتكنولوجية وللصراع على الممرات البحرية، وتجعلها جوهر الخطة الإستراتيجية الأمريكية.
لقد دخل الصراع الصيني الأمريكي حيز التنفيذ خلال إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بالحرب الاقتصادية المتدرجة، فجرت زيادة الجمارك على دخول المنتجات الصينية للولايات المتحدة، كما جرى شن حملة تخويف إعلامية وإصدار قرارات بفرض العقوبات على الشركات الصينية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة –وأهمها شركة هاواوي – باعتبارها عنوانًا للتفوق الصيني غير الملتبس في مجالات تكنولوجيا الاتصالات، وتطور الصراع في ظل إدارة بايدن، إذ جرى التحرك لعزل الصين في محيطها عبر نسج وعقد سلسلة متوسعة من التحالفات مع الدول في محيط الصين وتسعى الآن إلى ضم دول أخرى لهذه الجهود عبر تصعيد الأزمات.
وقد جاءت زيارة بيلوسي لصناعة أزمة دولية كبرى، لاستغلالها لتفعيل كل تلك التوجهات ضد بكين.
والصين بدورها تدرك طبيعة الإستراتيجية الأمريكية. هي تحركت خلال أزمة أوكرانيا وفق رؤية محددة. قررت مساندة روسيا دون مواجهة مع الأطلنطي أو أوروبا.
ركزت جهودها على منع عزل روسيا، وعلى حشد موقف دولي مناهض للإجراءات الأمريكية، كما سعت لتوسيع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، انطلاقًا من أن ما يحدث مع روسيا، هو ذاته ما سيحدث لها.
كما تحركت في مواجهة حضور بيلوسي، وفق خطة تتفادى تحولها إلى نقطة ارتكاز لتصعيد الاستراتيجية الأمريكية ضدها. لم تتهور، وخاضت صراعها موضعيًا دون الانجرار لخطة صناعة أزمة دولية كبرى.
لقد تحركت الصين من خلال تفاصيل الإجراءات لا من خلال القرارات الكبرى.
أكدت صمودها على موقفها في أن تايوان جزء من أراضيها، وقابلت الزيارة بعبور الخطوط الجوية والبحرية التي يمكن لتثبيتها أن يجعل من تايوان دولة مستقلة، لكن دون أن تدخل في أي اشتباك عسكري. عملت على إنقاص مظاهر الاستقلال الحالية التي تتمتع بها تايوان، ردًا على محاولة الولايات المتحدة تعزيز الاستقلال إجرائيًا، وفرضت عقوبات على الولايات المتحدة دون إتاحة أي فرصة للحشد الدولي ضد الصين. بل هي بادرت بالتحرك باتجاه مختلف دول العالم عبر نشاطها الديبلوماسي عبر تصريحاتها السياسية لحشد موقف دول العالم حول مسألة الصين الواحدة، ولإظهار الولايات المتحدة بمظهر المعتدي على سيادة الصين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى